“أرابيسكا تياترن”.. تعاون عربي يبرز تفشي العنف ضد النساء
كتب: إسلام فليفل
يولد الإبداع دائمًا من رحم المعاناة، وكذلك ولادة فرقة ” أرابيسكا تياترن”، وهو عبارة عن مسرح عربي يأمل من خلال الدمج بين الثقافة والفن لتحويل العالم من جحيم التعصب والعنصرية إلي جنة التسامح والإنسانية والديمقراطية، تلك الديمقراطية التي حُرمت منها أفراد الفرقة في أوطانهم نظرًا للحروب الأهلية الأم سوريا، فاضطروا للهجرة، والمكوث في بلدٍ لا يتحدث لغتهم، وهي السويد.
جمعتهم “هيلين الجانى” اللاجئة السورية، والممثلة التي تخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية من دمشق عام 2005، وقررت تأسيس الفرقة رفقة زوجها السويدي أوسكار روسين في مدينة “ستوكهولم”، كانت بدايتهم تتمثل في تقديم ورش للعمل المسرحي، والفرقة لم تتكون من أعضاء سوريين فقط بل ضمّت فنانين من مصر والعراق ولبنان وفلسطين.
عبروا عن معاناتهم بأصواتهم العربية، مرفقة بترجمة سويدية عبر العروض المسرحية والأفلام القصيرة التي تقوم بها الفرقة محاولة منهم لتقليد الحلول عبر البحث وطرح الأفكار، وتعتبر المؤسسة المسرحية الأولي الناطقة بالعربية في أوروبا.
حرصت الفرقة على إنتاج أفلام قصيرة تُعبر عن فكرة المساواة وحرية المرأة واحترام الحريات الفردية، وكانت أول أفلامها عام 2017 وتُعرض على صفحة الفرقة على”فيس بوك”، وحققت الأفلام مشاهدة مرتفعة، فالعرض الأول شاهده حوالي 2مليون شخص.
نشرت الفرقة منذ عامين فيلمًا قصيرًا على صفحتها بعنوان “دليل العلاقات الزوجية” ويتم إعادته في الوقت الراهن، تأليف نوارة نجم، وإخراج إبراهيم مهنا، ويُعتبر ذلك أول تعاون مصري لفرقة “أرابيسكاتياترن”.
تُرك أسفل الفيلم تعليق من نوارة نجم من خلال إدارة الصفحة تضمن: “لقد تقصدنا في مجموعة أفلامنا عن حقوق المرأة استخدام اللغة الحقيقية للبيئة، بدون تحريف أو تجميل لنقل الواقع كما هو، فالإهانة والعنف اللفظي شكل من أشكال العنف التي تتعرض له النساء ضمن مجتمعاتنا، وهذا لا يقتصر على فئة بجد ذاتها”.
جاء ذلك ردًا على تعليقات الجمهور، وامتعاضهم من استخدام بعض الألفاظ التي اعتبرها البعض خارجة، ولا تصح للتعبير عن ذلك النوع من القضايا، وأنه لكان من الأفضل تقديم الفكرة خالية من أي خدش لحياء المتلقي.
وأعربت الكاتبة صافي ناز كاظم، عند الحديث معها عن استنكارها لردود الفعل تلك موضحة أن من المفترض أن يتقبلوا ذلك نظرًا لاستخدامهم نفس تلك الألفاظ في الحالات المشابهة، سواء كانت حالات شجار أو تعنيف زوجي.
واسترسلت شارحة لم اخترات ذلك الموضوع الذي يُعد من أشكال العنف التي لا يتعامل معها الجمهور بجدية، ويُكذب الضحية، ضحية العنف النفسي، ولا يهتم لشواكها، فعند الحديث عن الختان، أو تعنيف الزوجة جسديًا، تجد الشاكية التعاطف، وأحيانًا الدعم، ولكن طرح فكرة العنف النفسي لا تُقابل بنفس الاهتمام، وإنما يعتبرونها شكلًا من أشكال “خراب البيوت”.
وأكملت أن العنف النفسي لا يقع على الزوجات فقط، وإنما من الممكن أن يكون عنف أب ضد طفلته، وأحيانًا عنف من الأم نفسها لطفلتها، وتم في النهاية اختيار فكرة “جلسة مصالحة بين زوجين متخاصمين”.
وأشارت إليي أن اختيار الطبقة الشعبية بدلًا من طبقة متوسطة عليا، لأن الكثير كان سيرى نفسه متهمًا، ولكن يتقبل الرسالة، وبالتالي لن تصل الفكرة للفئة المستهدفة، فالهدف الأصلى هو التوعية، وليس إثارة أي جدال.
واختتمت حديثها: “عندي سيناريوهات كتير مرمية أهي بتدور في نفس السياق، ولكن مفيش جهات كتير مهتمة بالنوع ده من الأفلام، كما إن العمل عليها مرهق جدًا لإيصال الفكرة”، مؤكدة على إقبالها للعمل على مزيد من الأفكار، والأفلام التي تكافح العنف ضد المرأة، وتوعية الجمهور من مخاطر ذلك على المجتمع.
وأردفت شهد شهاب، الممثلة التي قامت بدور الأم في الفيلم، أن تلك الشخصية من الأمهات تمقتها بشدة لدرجة جعلتها تؤدي الدور بما يناسبه نظرًا لإحساسها بالغضب الذي تُخفيه الأم بداخلها تجاه الأب المهمل في أداء مهامه، ويتبجح أيضًا، ويعنف زوجته.
وتابعت قولها بأنها تأمل من فرقة “أرابيسكا تياترن” أن ينتجوا فيلمًا يطرح فكرة التحرش بناءُ على فجاجة ما يحدث في بعض الشوارع مخرًا من تحرش، ورمى اللوم على الفتاة نظرًا لقلة الوعي، وتمييز الرجل على حساب المرأة، وذكورية المجتمع.
وقدمت الفرقة فيلم قصير بعنوان “الليلة اللي قبلها”،فيلم يناقش عادة موروثة، وهي الختان، فطوال الفيلم تتساءل الفتاة المقبلة على الزواج عما إذا كانت “هتنبسط بكرة في دخلتها” أم لا لتأتيها إجابات مختلفة من أفراد عائلتها إلي أن تأتي إجابة الجدة لتقضي على ابتسامة الفتاة قائلة: “إزاي طبعًا، إنتِ نسيتي، إنتِ مختونة، منها لله أمك”.
وفقت مؤلفة الفيلم سندس شبايك أن توصل الفكرة للمتلقي، فجعلت الحوار جريئًا للغاية زائلًا أي حواجز أخلاقية تمنعه من الوصول لذهن المتلقي، وتمكنه بالتسلل لروح المشاهد، فيشعر بحزن الفتاة، وخوفها، وترقبها لوجعها.
ترى سندس أن العنف لا يُناقش، فالمجتمع متمسك بمسلمات منها: “راجل بيضرب ست أو بيهينها، وفيها إيه ما هي مراته”، وأكملت أن من المناسب طرح الأفكار التي يخجل البعض من طرحها مثل الختان، فاحتوى الفيلم تلك القصة لا بهدف المعالجة، ولكن للتوعية، ولتظهر للناس وتأخذ مساحتها.
ولفتت هيلين الجاني، المديرة الفنية للفرقة، إلي أن اختيار مصر تحديدًا سببه إن وضع المرأة المصرية في بعض المحافظات كارثي من ناحية جرائم العنف والتحرش، والختان الذي يحدث في القرى والأرياف بشكل مستمر، وهو مما يجعلها تتكبد الكثير من العناء للتعبير عن أوجاعها.