إسلام كمال يكتب: هذه مصر التى نريدها في العالم الجديد!
توقفت كثيرا أمام الموقف المصري في الأمم المتحدة من الحرب الروسية الأوكرانية، فمن أول وهلة يتصور بعض السطحيين، إن القاهرة سارت في الدرب الأمريكى، لكن الواقع وبعد تدرس الموقف وكلمة المندوب المصري بالامم المتحدة، تتضح الحقيقة، فمن معترضة على الممارسات الروسية والأمريكية معا، وتعلى القيم التى غابت عن الغابة التى نعيش فيها، في كل الأنظمة العالمية الجديدة والقديمة.
مصر صوتت لصالح القرار الذي يدين الاجتياح الروسي لأوكرانيا، بوصفه اعتداء من دولة على أخرى وهذا ضد مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، لكنها أيضا كان لها تعليق قوى يدين الممارسات الأمريكية والغربية عامة، حيث رفضت مصر “منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف”، وأكد ممثلها عددا من النقاط في غاية القوة منها ما لم يظهر في كلمات أى ممثل آخر: “أولا، ضرورة البحث عن حل سياسي سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال الدبلوماسية النشطة، ثانيا، التأكيد على عدم غض الطرف عن البحث في جذور ومسببات الأزمة الراهنة، ثالثا، رفض منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف، رابعا، ضرورة أن تتحلى كل الأطراف بالمسؤولية الواجبة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين ودون أي تمييز، مع كفالة مرور المقيمين الأجانب بانسيابية عبر الحدود، حيث وردت بعض التقارير عن معاملات تمييزية، خامسا، تجديد التحذير من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي برمته، وسادسا، تعتمد فعالية ومصداقية وقدرة آليات العمل الدولي متعددة الأطراف في مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة على تناول كل الأزمات الدولية وفقا لمعايير واحدة وثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده”، وفي إشارة واضحة للعديد من القضايا التاريخية التى تعانى من ازدواجية مريضة منها القضية الفلسطينية وبعدها العراقية والسورية واليمنية والليبية وحتى قضية السد الإثيوبي.
القرار يطالب روسيا بـ”الكف فورا عن استخدامها للقوة ضد أوكرانيا والامتناع عن أي تهديد أو استخدام غير قانوني للقوة ضد أي دولة عضو”، بحسب بيان نشر على موقع الأمم المتحدة، عقب الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة التى خصصت لإصدار هذا القرار فقط.
كشف التصويت عن تشكل معسكرات جديدة ، وتبلور معسكرات واضحة، وبروز موقف عربي حقيقي يكشف مدى خروج العرب من الحظيرة الأمريكية بشكل أو آخر، حيث صوتت لصالح القرار 141 دولة فيما صوتت 5 دول ضد القرار وامتنعت 35 دولة أخرى، وكان القرار بحاجة إلى ثلثي الأصوات لاعتماده.
الدول التي صوتت ضد القرار هي “روسيا، بيلاروسيا، أرتيريا، كوريا الشمالية وكانت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي رفضت القرار”، وطبعا المبرر واضح ولا يحتاج أى تفسير، أما الدول العربية التي امتنعت عن التصويت فهي العراق، الجزائر، السودان، وكان هذا في الغالب صدمة كبيرة لواشنطن بالذات في العراق، وبعدها السودان، لكن الجزائر متوقع بالطبع، وكان متوقعا أكثر من ذلك، لكن يبدو أن الجزائر والتي يقدمها البعض على إنها أحد البدائل للغاز الروسي في أوربا، وبالتالى من المستفيدين من هذه الأزمة، ترى الأزمة من زاويتها الخاصة جدا، والمقدرة أيضا.
وقدمت حتى الدول العربية المؤيدة للقرار نموذجا للخروج على القطيع الأمريكى الدولى المعتاد في مثل هذه الأزمات، وتشمل القائمة بداية،”الأردن والبحرين ومصر والإمارات وجيبوتي وجزر القمر والكويت ولبنان وليبيا وتونس وموريتانيا وسلطنة عمان وقطر والسعودية والصومال واليمن”.
وواضح خلال الأيام الأخير المناوشات السعودية والإماراتية مع واشنطن، على خلفية موقف الرياض وأبو ظبى من الأزمة، حتى أن واشنطن أوكلت لتل أبيب إقناع أبو ظبي بالعودة للصف الأمريكى، فيما قالت مندوبة دولة الإمارات العربية لدى الأمم المتحدة، لانا زكي نسيبة، إن اعتماد هذا القرار “إشارة ضرورية في سبيل المضي قدما، ولكن لا يمكن أن نقبل بالعنف والجزاءات المستمرة، فهذا يؤثر في المدنيين ويعرقل جهودنا جميعا”، بحسب بيان الأمم المتحدة.
وقالت إن بلادها انضمت للدول الأعضاء “لتوجيه هذا النداء من أجل السلام العادل الذي يستمر من خلال الاعتراف بالشواغل المشروعة للجميع مع الامتثال لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ولا سيما مبدأ الاستقلال والسلامة الإقليمية وسيادة الدول.”
وأشارت إلى أن “مشروع القرار ليس بكافٍ من أجل تحقيق السلام المستدام”، مشيرة إلى أن تسوية الحوار تستوجب الدبلوماسية الفعالة.
وتابعت: “هذا النص يعكس عزم الدول على تسوية النزاع اليوم في أوكرانيا. هذا ما نفهمه من هذا الاجتماع، والآن ينبغي أن نجد السبل الملائمة لتحقيق التسوية السلمية مع احترام كامل لدبلوماسية حقيقية.”
فيما أكد ممثل البحرين دعم بلاده للجهود الرامية إلى وقف العمليات العسكرية واللجوء إلى الحوار والوسائل الدبلوماسية.
أما الجزائر التي امتنعت عن التصويت لصالح القرار، قال ممثلها إن بلاده “تتابع بقلق بالغ تطور الأوضاع الخطيرة والمتصاعدة في أوكرانيا”، وأكد تمسك الجزائر “الثابت بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، التي يتعين أن تبقى أساس القانون الدولي وحجر الزاوية في العلاقات الدولية، لا سيما تلك المتعلقة باحترام استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، طبقا للشرعية الدولية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها”.
وأكدت ممثلة لبنان إيمان بلادها بمقاصد وبمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولاسيما “عدم التهديد أو استخدام القوة في العلاقات الدولية”، وقالت: “لقد خبرنا الاجتياحات والاحتلال والتدخل في شؤوننا الداخلية والخسارة والمعاناة التي ما زلنا نشهدها إلى يومنا هذا، لا أتمنى لأحد أن يعيش ما عشناه نحن في لبنان”.
وقالت إن “لبنان يتمتع بعلاقات جيدة مع طرفي النزاع، روسيا وأوكرانيا”، داعية إلى “العودة إلى منطق السلام”، مشيرة إلى أنه “حان الوقت للدبلوماسية والحوار والتسوية السلمية لهذا النزاع”.
وأضافت: “اتفق مع ألبير كامو الكاتب الفرنسي المعروف في كلمته عند تلقيه جائزة نوبل للآداب في عام 1957 حيث قال إن كل جيل يعتبر نفسه مسؤولا عن إعادة بناء العالم. أما جيلي فيعرف أنه لن يعيد بناء العالم، ولكن مهمته أكبر، ربما لأنها تتمثل في إبعاد العالم عن تدمير نفسه”، وقالت إن “هذه هي المسؤولية نفسها التي ينبغي علينا الاضطلاع بها وفقا للميثاق لإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب”.
وحذر ممثل العراق التى صدمت أمريكا بموقفها الممتنع عن التصويت، من “إمكانية استغلال الإرهابيين” لحالة الانقسام في المجتمع الدولي، وعبر عن قلق بالغ من ذلك بما يعطل ويعيق الجهود الدولية المشتركة الرامية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
وقال إن امتناع بلاده عن التصويت لصالح مشروع القرار “إنما جاء من الخلفية التاريخية التي مرّ بها العراق والمعاناة من الحروب المستمرة التي تعرضت لها الأجيال، حيث إن العراق وبشكل مبدئي لا يؤيد الحروب كحل للأزمات.”
وأكد على وجوب حل النزاعات بالطرق السلمية للحفاظ على سلامة المدنيين، داعيا جميع الأطراف إلى الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وأكد على ضرورة سلامة وأمن البعثات الدبلوماسية والمواطنين في ساحة الصراع.
وقال ممثل الأردن إن بلاده صوتت لصالح القرار تأكيدا لسيادة الدول وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي “وعلى محورية تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية.”
وأعرب عن الأمل في السعي لنزع فتيل النزاع والوصول إلى حل سلمي للأزمة وأن يجلس الأطراف مع بعضهم على طاولة المفاوضات بغية الوصول إلى الحل السلمي.
وأكد على ضرورة التزام جميع الأطراف بأحكام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وقانون اللجوء الدولي وبدون تمييز.
وقال: “يود الأردن التأكيد على أهمية احترام أحكام القانون الدولي ومبادئ الميثاق في عدم الاعتداء، وعدم استخدام القوة ضد الدول الأخرى، وضد الشعوب، وضد حق تقرير المصير، وفق معيار واحد، بغض النظر عن المنطقة، ودون تمييز في تطبيق المبادئ والقواعد الدولية
وبالتالى فإن مواقف العرب، أو بالأحرى أغلبهم، تؤكد أنهم خرجوا من السرب الأمريكى لصالح سربهم الخاص، الذي يعتمد على التنوع في العلاقات واحترام الأقطاب الدولية، لكن الأهم احترام المواثيق الدولية واحترام سيادة الدول وتحقيق الشعوب لمصائرها ورفض التعامل بإزدواجية، حيث خرج العرب على روسيا لاجتياحها أوكرانيا، في حين لم يفعل شيئا مع أمريكا في أفغانستان والعراق، ولا مع إسرائيل في فلسطين!
وهذا في حد ذاته موقف مصري وعربي مشرف في العموم، ويؤكد إننا نحافظ على علاقاتنا الطيبة مع الجميع، وباقون على الدفاع الثوابت العربية، رغم موجات التطبيع الإبراهيمى، ونرفض الهيمنة الأمريكية والغربية التى تضيع العالم، ويبدو بالفعل أن عالم ما بعد كورونا، سيكون مختلفا عن عالم ما قبله، ونتمناه لنا لا علينا.