رجب الشرنوبي يكتب: هل تضع الحرب أوزارها ؟!
مضي أسبوعان والعمليات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية لم تتوقف، رغم تضارب أرقام الضحايا الصادرة عن الطرفين، إلا أن الشيء المؤكد أن استمرار الحرب لن يعني سوي مزيد من الدمار وحصد الأرواح وارتفاع أرقام الضحايا والمشردين من الجانبين.
اقرأ أيضا للكاتب.. رجب الشرنوبي يكتب: رفع حالة الطواريء..إشارات ومؤشرات
لكن السؤال الأهم الآن هل يمكن أن تتوقف هذه الحرب في القريب العاجل؟ أم أن الأراضي الأوكرانية ليست سوي أرض معركة جديدة وصراع طويل الأمد قررت القوي الكبري خوضه لإثبات هيمنتها وسطوتها وإحكام سيطرتها علي مستقبل العالم؟!
للإجابة على هذه الاستفسارات وغيرها كثير يجب علينا أولاً أن نعرف ماهي طبيعة ودوافع هذا الصراع وماهي أهم مظاهره المتوقعة؟
التطرق إلى معرفة نقاط القوة والضعف التي يمتلكها كل طرف من الأطراف التي انخرطت، أو متوقع انخراطها في هذا الصراع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، سيكون بلا شك مفيداً في تحديد مستقبل الصراع والأمد المتوقع له.
البداية دائماً مع أرض المعركة، فأوكرانيا أحد أهم دول الاتحاد السوفيتي السابق، وتشترك مع دول الاتحاد الروسي بحدود شاسعة سواء برية أو بحرية، كما تشترك من الشمال بحدود طويلة أيضاً مع دولة بيلاروسيا الحليف الاسترتيجي لروسيا الاتحادية، وهي أيضاً من دول الاتحاد السوفيتي السابق، عدد من الدول الأوروبية مثل بولندا، والمجر، وسلوفاكيا إلى جانب رومانيا تشارك أوكرانيا حدودها من الغرب والجنوب الغربي.
أوكرانيا دولة تتمتع بوفرة في مواردها الطبيعية سواء الزراعية أو الصناعية والبحرية، كما تمتلك بنية تكنولوجية وقدرات نووية علي أراضيها ورثتها عن الاتحاد السوفيتي السابق، يكفي أن نشير في هذا الصدد بأن منطقة مفاعلات تشرنوبل الشهيرة تقع في الشمال الأوكراني لكي ندرك قيمة الأراضي الأوكرانية في البرنامج النووي السوفيتي السابق.
كما تمتلك أوكرانيا مساحة مهولة وشاسعة من الأراضي الزراعية والموراد الطبيعية التي مكنتها من تبوء مراكز متقدمة وعالمية في إنتاج الحبوب والدواجن والثروة الحيوانية وكل مايتعلق بهذا النشاط من صناعات غذائية، نستطيع القول بأن أوكرانيا بمثابة سلة غذاء لأوروبا ولكثير من دول العالم، وباطن الأراضي الأوكرانية يحتضن كميات كبيرة من المعادن مثل، اليورانيوم، والبلوتونيوم، والحديد، وغيرها ..حيث تمتلك منها أوكرانيا احتياطيات ضخمة تضعها في مراكز عالمية متقدمة منها.
مسيرة أوكرانيا بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي السابق في بداية تسعينيات القرن الماضي قادها خمسة رؤساء بشكل أساسي، آخرهم هو فلودومير زيلنسكي بطل الأفيشات السينمائية السابق والرئيس الحالي، البعض منهم كان يدعم ضرورة استمرار ارتباط الأوكرانيين بعلاقات استراتيجية وقوية بالجار الروسي، وهي رغبة أهل الشرق والجنوب ومناطق أخري في الوسط الأوكراني لارتباط أهل هذه المناطق بالجذور الروسية، أما البعض الآخر فيري أنه آن الأوان للخروج من عباءة الدب الروسي إلي غير رجعة، وأنصب اهتمام هؤلاء على بناء علاقات قوية مستقلة مع الأمريكان والغرب، حتي يكتمل حلم الاستقلال وهي رغبة باقي مناطق الوسط والغرب والتي ترتبط بحدود مع عدد من الدول الأوربية، التي تمثل أعضاء في حلف الناتو العدو التقليدي لحلف وارسو السابق الذي كان يضم أوكرانيا في عضويته يوم من الأيام.
الاتحاد الروسي يقوده رجل له من الخبرات السياسية والقيادية الكثير من السنوات، علاوة علي خبرات مخابراتية تراكمية اكتسبها من خلال عملة في الأجهزة السوفيتية السابقة، هذه الخبرات المتنوعة ساعدت بلا شك في صنع شخصية الرئيس بوتن الرئيس الروسي الحالي.
فلاديمير الذي قاد روسيا وصعد بها بعد فترة من الترهل وانعدام الوزن، عقب عمليات التفكيك لجمهوريات الاتحاد الخمسة عشر بعد انتهاء فترة الحرب الباردة التي استمرت لعقود منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي.
بوتين كان شاهداً علي كل الأحداث بل أحد من ساهموا في صنع المجدالسابق، عاصر الرجل أيضاً ذلك الكابوس الذي تحول معه الدب الشرس إلى مجموعة من القطط الأليفة.. لكنه على مايبدو ولأسباب كثيرة ربما لم ينسي أن مخالبه القوية هي جزء من طبيعة شخصيته، حتي لو أُضطر لإخفائها بعض الوقت!
فلاديمير بوتين الذي وصف انهيار الاتحاد السوفيتي السابق يوماً بأنه أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، معروف بعدائه للغرب ورفضة تمدد الناتو في أوروبا الشرقية منطقة النفوذ الروسي القديم ومقر حلف وارسو العدو التقليدي لحلف الناتو، حالة الاستقرار الداخلي للمجتمع الروسي خلال العقدين الأخيرين، بالإضافة إلى تراكم الخبرات الشخصية لرئيس F.S.B، بالتأكيد ساعدت رجل ال k.G..B السابق في الصعود السياسي والاقتصادي الروسي والتواجد المتميز على الساحة الدولية.
أكثر من عشرون عاماً على وجود الرجل علي رأس السلطة قطعاً مكنته على بناء تحالفات دولية سياسية واقتصادية جديدة، تساعده يوماً بعد يوم علي تحقيق الحلم القديم واستعادة الماضي الجميل من جديد، يبدو ذلك بوضوح إذا قررنا أن نقرأ سطور الأحداث والتشابكات الدولية بشكل دقيق ومحايد في كل الملفات المطروحة علي طاولة السياسة الدولية، حتي تلك الفترة التي شغل بوتين فيها منصب رئيس الوزراء بين فترتي قيادته كان هو الذي يمسك بزمام بوصلة السياسة الخارجية الروسية.
حفاظ روسيا علي علاقاتها القوية بالصين وبيلاروسيا وكازخستان وأذربيجان وإيران والجزائر وفنزويلا وكوبا، ومعارضة موسكو للتدخل الأمريكي والغربي في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا إلي جانب معارضتها للتدخل الفرنسي في أفريقيا ومنطقة دول الساحل والغرب الأفريقي، كل ذلك أكسب روسيا زخماً دولياً خصوصاً في ظل إصرار واشنطن ورغبتها الدائمة على استمرار الهيمنة، مما ولد شعوراً بالنفور تجاه البيت الأبيض، التواجد الروسي في القرم، وجورجيا، وسوريا، وليبيا، وأفريقيا.. دورها في الملف النووي الأيراني ورابطة الدول المستقلة التي كونتها روسيا وتزعمتها مع مجموعة من الدول التي كانت يوماً ما تمثل القطب الثاني، ساعدت بالتأكيد بوتين علي الإحتفاظ علي الأقل بالحد الأدني من القومية الروسية، كما أعادت إلى الأزهان شكلاً من أشكال التوازن الذي يبدو أن العالم كان متعطشاً إليه خلال العشر سنوات الأخيرة.
الولايات المتحدة الأمريكية وشعور دائم بالهيمنة والقوة يقودها دائماً إلي التواجد في كل مناطق الصراع حول العالم بل وتأجيجه مادام ذلك يضمن لها الاستمرار في السطوة والهيمنة، لافرق في ذلك بين الديموقراطيين والجمهوريين وإن اختلفت طرق إدارة هذه الصراعات بين ممثلي الحزبين الرئيسيين في البيت الأبيض.
انشغال أمريكا والتكاليف الباهظة التي تكبدتها في مستنقعات أفغانستان والعراق، وقوفها وراء ماكانت تظن أنها رياح التغيير في الشرق الأوسط والتكاليف الباهظة التي تكبدتها في ذلك، تنامي القوة الاقتصادية الصينية مع التمدد العسكري والسياسي الروسي في أكثر من منطقة من مناطق الصراع إضافة إلي التهميش الدائم للدور الأوروبي وغيرها الكثير من الأسباب، كانت وراء هذا التغير في التأثير الملموس للقوي العالمية على الأرض.
في ظل السعي الأمريكي الدائم والمدعوم من بعض القوي الغربية خصوصاً البريطانية لتطويق تنامي القوي الجديدة سواء الصينية أو الروسية، استفاق العالم في 2008 على تمدد روسي عسكري ناحية الجنوب في جورجيا ثم استيلاء الدب الروسي علي القرم في 2014، أقاليم كاملة أعلنت انفصالها عن أوكرانيا في الشرق والجنوب لم تفلح معها تضحيات الجيش الأوكراني أو اتفاقيتي مينسك ولم يكن لرباعية نورماندي أي تأثير.
إصرار واشنطن وبعض العواصم الغربية على تقديم الإغرآت للقيادة الأوكرانية وجارتها الجورجية تدعم حلم الانضمام للناتو وتضمن لواشنطن الاستفادة من الموقع الجيوسياسي لأوكرانيا داخل البيت الروسي كانت من أهم أسباب الصراع، لكنها أيضاً تظل رغبة تصطدم بإرادة الدب الروسي ورغبته كذلك في الاحتفاظ “بمحيط آمن” يبدأ من فلندا في الشمال حتي جورجيا في الجنوب، يكون هذا المحيط الآمن بمثابة حزام يخلو من أي تواجد عسكري أمريكي أو غربي، يضمن به الكريملين الحفاظ علي الآمن القومي الروسي من أي خطر يهدد الهوية الوطنية الروسية.
لندن بالتأكيد أكثر العواصم الأوروبية دعماً لكل توجهات الولايات المتحدة ومباركة خطواتها، التحالف الأنجلو أمريكي والتوافقات بين البريطانيين والأمريكيين في كثير من الملفات الدولية والمصالح المشتركة لايستطيع أحد التغافل عنه أو إنكاره، خصوصاً بعدما نجح البيت الأبيض في إبعاد بريطانيا عن بيت العائلة الأوروبية “الاتحاد الأوروبي” يشهد على ذلك سلوك بريطانيا من غزو أفغانستان والعراق، والتواجد الأمريكي في سوريا، والصراع مع الصين، والموقف من الملف النووي الإيراني، وأخيراً صفقة الغواصات النووية الأمريكية مع أستراليا، الحملة التي قادتها بريطانيا ضد روسيا ودعم المعاضة الروسية بقيادة نافالني، تؤكد عدم تقبل الأوروبيين وعلي رأسهم بريطانيا لفكرة الشراكة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وسعيهم الدائم لكي يغادر منصبه.
باريس تتقاطع مصالحها مع موسكو في بعض الملفات وتتلاقي معها في أخري، الإثنان من داعمي الشرق الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر ويتفقان في ضرورة توطيد علاقتهما مع مصر ودول الخليج، لكنهما ليس على نفس الدرجة من الوفاق من التعاطي مع الجزائر مثلاً، بل ينافس كل منهما الآخر في إثبات وجوده مثل باقي القوي في داخل القارة السمراء، شأنها في ذلك شأن مايحدث علي الأراضي السورية من تنافس للقوي الدولية والإقليمية، هذا بخلاف إنتقاد باريس الدائم لملف حقوق الإنسان في روسيا والصين.
برلين أكثر العواصم الأوروبية إلى جانب باريس عملت على تجنب الصدام مع موسكو خلال فترة إنجيلا ميركل، حتي أنها حاولت في أكثر مناسبة طمأنة أوكرانيا وتبديد مخاوفها ناحية جارتها الروسية، جهود ميركل في طمأنة الأمريكيين ساعدت بلا شك علي إكتمال العمل في خط السيل الشمالي “نورد ستريم2” الذي يحمل الطاقة الروسية إلى أوروبا عبر بحر البلطيق، ميركل كانت تدرك جيداً أن اندلاع الأحداث وتصاعدها ليس في مصلحة أحد وخصوصاً الأوربيين الذين يعتمدون بشكل أساسي علي الطاقة الروسية، لم تستجيب ميركل للطلبات الأوكرانية العسكرية أكثر من مرة قبل أن ترحل، المستشارة الألمانية السابقة كانت تدرك جيداً عواقب توتر العلاقة مع موسكو وتقدر إنعكاسات ذلك علي الاقتصاد الألماني والرأي العام الداخلي، لكن المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس لم يكن من مشجعي التعاون الألماني الروسي في مجال الطاقة، رغم تدخله علي خط الأزمة في عدة محاولات للتهدئة إلا أنه قام بإرسال مساعدات عسكرية ألمانية إلى أوكرانيا خلال الأيام الماضية، الجدير بالذكر أن أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا موجودة علي الأراضي الألمانية.
بكين التي تعتبرها واشنطن العدو اللدود والحليف الاستراتيجي لموسكو، تراقب الأوضاع ولم تتورط في الصراع بشكل مباشر، بكين تعلم جيداً أن لديها مشكلة مماثلة مع جارتها تايوان التي يدعمها الأمريكيين في صراعها مع بكين، بينما تعتبرها القيادة الصينية جزء لا يتجزأ من التراب الوطني الصيني، لم تستخدم الصين حق النقض عند طرح مشروع قرار أمريكي يدين العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكنها تعلم أيضاً أن الفيتو الروسي سيتكفل بالمهمة وفي نفس التوقيت ليس من الحكمة توثيق عداء صيني للأوربيين وإعطاء مبررات للأمريكيين لزيادة الفجوة مع التنيين الصيني دون حاجة لذلك، موسكو بالتأكيد كانت تدرك جيداً قبل بدأ العمليات وأثناء التحضير لها قيمة الدعم الصيني وخصوصاً الاقتصادي في مواجههه كل الاحتمالات المتوقعة.
طهران التي وقفت في وجه أمريكا والغرب ولم تقدم تنازلات فعلية حتي الآن من أجل العودة إلي الإتفاق النووي الذي انسحبت من الولايات المتحدة في 2018، تدرك هي الأخري قيمة الحليف الروسي الاستراتيجي إلى جانب الصين الحليف الآخر اللذان مكناها من الدعم التكنولوجي والاقتصادي في ظل تعرضها لعقوبات أمريكية وأوروبية قاسية منذ سنوات طويلة، بالتأكيد الوجود الروسي الإيراني في سوريا ودعمها لحليفهما الآخر النظام السوري والوجود الإيراني في اليمن والعراق ولبنان، ليس ببعيد عن الحسابات السياسية والاقتصادية الإيرانية وموقف إيران من هذا الصراع.
الأسابيع الأخيرة التي سبقت إندلاع الأحداث بشكل فعلي شهدت تحركات متنوعة واتصالات مختلفة بين القوي والمنظمات الدولية، قمم دولية متعددة ولقاءت تمت بين زعماء كبار القوم قادتها بالتأكيد عواصم صنع القرار العالمي واشنطن ولندن وبرلين وباريس الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، زيارات إلي موسكو ومؤتمرات تجمعهم بالناتو ومنظمة التعاون والأمن الأوروبي، تحشيد عسكري روسي علي الحدود يقابله تصعيد في حدة الخطاب الأوكراني يدعمه توعد ووعيد من واشنطن وحلفائها الأوربيين، ترقب صيني عن كثب للأوضاع مصحوب بالحيطة والحذر، الجميع يراقب الأوضاع ويتحدث عن صعوبتها لكن دون إجرآت فعلية أو تضحيات حقيقية تمنع من وقوع هذه الكارثة.
الأزمة الأوكرانية تمثل منعطف خطير يهدد العالم في الوقت الحالي، لكنها في الوقت نفسه ستكون نقطة فارقة في رسم الصورة القادمة لخريطة موازين القوي العالمية، عدة سيناريوهات يمكن أن يكون إحداها مسار متوقع للأحداث الحالية، علي ضوء نتائج كل احتمال من هذه الاحتمالات ربما تتكون خريطة العالم الجديد.
السيناريو الأول: تغير في الموقف الحالي للولايات المتحدة والدول الأوروبية ومشاركة فعلية في الحرب وتطور النزاع إلي حرب عالمية، هذا الاحتمال سينتج عنه بالتأكيد انقسام في الموقف الغربي نظراً لاختلاف المصالح والضغوط الشعبية التي قد يتعرض لها طرف من الأطراف، كما سيشهد بلاشك انحياز الموقف الصيني والإيرانى وبعض الأطراف العربية وآخرين إلي الطرف الروسي، لكنه يبقي احتمال ضعيف لأكثر من سبب، تجارب الولايات المتحدة في العراق وأفغنستان تمنعها من المغامرة مرة أخري والتورط في حرب جديدة، كما أن حاجة اوروبا الشديدة إلي الطاقة وإعلان الناتو عن عدم الدخول الفعلي بجنود في أوكرانيا يقلل من فرص وقوع هذا السيناريو.
احتمال آخر يكمن في تكرار سيناريو المستنقع السوفيتي في أفغانستان مع بعض الفوارق أهما أن أفغانستان بلد مسلم، الحركات الجهادية في افغانستان والتي خاضت حرب عصابات ضد السوفيت وكان دورها حاسم في إنهاء الصراع، جاء جزء كبير منها من بلاد مسلمة خارج أفغانستان مع حقيقة وجود وتأثير الولايات المتحدة في تكوين وتجنيد هذه الحركات ودعمها كجزء من الحرب الباردة بين السوفيت والأمريكان.
السيناريو الثالث تمكن روسيا من حسم الصراع مع الأوكرانين في زمن قصير وهو أيضاً احتمال غير مؤكد،فالأوكرانيين والروس كانوا ينتمون إلي عائلة واحده يوم من الأيام ويعلمون عن بعضهم من مواطن القوة والضعف الكثير، مايعني أنه إذا تمكن الغرب من تسليح أوكرانيا بشكل جيد وهو مايجري الآن يمكن لأمد هذه الحرب ان تطول.
منحي آخر يمكن أم تؤول إليه الأحداث هو دخول وسطاء علي الخط بين واشنطن وموسكو في محاولة للتوسط بينهم علي غرار أزمة الصواريخ الكوبية وهو احتمال قائم بشكل جزئي، يمكن لبكين وباريس وبرلين أن تقوم أي منهم بهذه المهمة حفاظاً علي مصالح جميع الأطراف وإخماد للنار التي لو اشتعلت فلن تبقي علي أخضر أو يابس.
هناك مسار مختلف بعض الشيء لكنه أقرب من وجهه نظري وهو المسار بين الإحتمالين الثالث والرابع وهو استمرار الصراع فترة من الوقت دون حسم لأي من الطرفين مع تضخم الخسائر التي سيتكبدها الاقتصاد العالمي، هنا تبدأ الوساطات الجادة لإيقاف هذا النزيف وهنا أيضاً تكون أرضية وقابلية التفاوض أصبحت أكثر جاهزية.
المطالب التي أعلنت عنها موسكو مراراً وتكراراً وبحثها الدائم عن محيط آمن لايهدد وجودها وكذلك المصالح الأمريكية التي تبحث عنها واشنطن بشكل دائم إضافة إلي حاجة أوروبا لتأمين إحتياجاتها من الطاقة يمكن تكون أرضية لهذا التفاوض المستقبلي، مهما كانت المكاسب الحالية التي يظن أي من طرفي الصراع ومن يقف خلفه أنه بإمكانه أن يجنيها لن تمثل شيء إذا ماقورنت بالخسائر المستقبلية لهذا الصراع، فالحروب لاتخلف إلا مزيد من الدمار والخراب بصرف النظر عن الطرف الخاسر أو المنتصر.
بالتأكيد ملفات هامة مثل مستقبل الطاقة، والنووي الإيراني، ومستقبل الوجود العسكري في أوروبا، والوجود الروسي في سوريا، وليبيا، التحالف الصيني الروسي والوجود الأمريكي في العراق، وكذلك مايجري في أفغانستان، الإرهاب الحوثي في اليمن، ومستقبل طريق الحرير، والصراع الغربي الصيني في أفريقيا، منطقة بحر الصين، ومنطقة الهادي والإرهاب، ومستقبل الناتو، واستقلال الغرب عن أمريكا، كل ذلك وأكثر أفكار وأطروحات وتحركات واسترايجيات، قد تكون حاسمة في حسم الصراع، ووضع تصور لما يكون أن يصبح عليه العالم، بعد أن وجد نفسه أمام جائحتين مجبر علي التعامل معهما بشيء من الحكمة والقدرة ويتمسك بطوق النجاة.
الأطراف العربية بالتأكيد ليس من مصلحتها التدخل في الأزمة بشكل مباشر ودعم أي من طرفي الصراع، لكنهم أيضاً يمكنهم أن يكونوا موجودين ومؤثرين وعليهم فقط أن يدركوا أننا أمام تحدي حقيقي، يستوجب حسن التقدير، وإدراك الحكام العرب قيمة مابأيديهم من موارد بشرية، وطبيعية، وأوراق سياسية يمكن المناورة بها، هنا سيكون للجامعة العربية شأن آخر وتقدير دولي مختلف، اليابان بلد فقير في موارده الطبيعية لكن كم يبلغ حجم الناتج المحلي الياباني وماهو التقدير العالمي لتأثير اليابان عند حساب معادلات السياسة الدولية؟؟! الصين تستورد كل إحتياجاتها من الطاقة جزء كبير منها من دولنا العربية الخليحية والسؤال الأهم أين يقف الصينيون وأين نقف نحن العرب؟! علي خط الأزمة وقفت دولة الاحتلال، وذهب رئيس وزرائها نفتالي بينت إلي موسكو ليلعب دوراً مبكراً في الوساطة، كلنا يعلم علاقة الكيان الصهيوني بالروس والأمريكان في نفس الوقت، يمكن للعرب أن يكونوا جزء من الحدث العالمي ومؤثرين بشكل حقيقي في نتائج الصراع وبالتالي إحداث تغير حقيقي في تموضعنا علي خريطة التشابكات الدولية الجديدة، تري هل يرغب العرب في ذلك حقاً؟!