عاطف عبد الغنى يكتب: عندما يفاوض عبد السلام النابلسى الخليج على ثروته
تصريحات رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون قبل التوجه إلى الخليج (وصل اليوم الأربعاء إلى العاصمة السعودية الرياض) تذكرنى بالمشهد الكوميدى للفنان عبد السلام النابلسى وهو يجسد دور الشحاذ.. يطلب الصدقات من الناس بكل عجرفة، تعكس أحساس الأعلى، المتورم فى سلوكه عندما يطلب من الأدنى منحه ما يمتلكه إذعانا ..
تصرف جونسون على هذا النحو، يقف ورائه العديد من العوامل، منها ما هو داخلى، ومنها ما هو خارجى.
الداخلى يتعلق بخصومه السياسيين فى بريطانيا، الذين نالوا منه بعد تفجر ما عرف بـ “بارتي جيت” وترجمتها فضيحة الحفل، تلك الحفل التى أقامها رئيس الوزراء البريطانى في مقر الحكومة الكائن فى 10 داونينج ستريت خلال شهر مايو الماضى، وفى الوقت الذى يشدد فيهن وتشدد حكومته على فرض القيود على المواطنيين البريطانيين، فى إطار إجراءات الحظر الخاصة بكورونا.
أما عوامل الخارج الضاغطة على جونسون ونظرائه فى الغرب فتتمثل فى أزمة أوكرانيا، ونقص إمدادات البترول، والتهديد الكبير القادم من الشرق، وافتضاح الغرب تجاه حلفائه، وإعادة رسم خريطة توازنات القوى حول العالم، والمؤثرات على الاقتصاد، وضع كل ما سبق فى كفة، والمستقبل السياسى لبوريس جونسون فى الكفة الأخرى.
لكن جونسون وجدها فرصة مواتية لرفع اسهمه فى الداخل، وفى الخارج على الأقل فى إطار التحالف الغربى ضد المعسكر الروسى، والشرقى.. ولعل هذا يفسر منافسة جونسون، وتزاحمه بالكتف مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون المقبل هو الأخر على انتخابات رئاسية فى غضون شهور قليلة، ويسعى لتقديم نفسه فى صورة البطل حامى المصالح القومية الفرنسية، وفتى الاتحاد الأوروبى الطامح للبزوغ بفرنسا كقوة مكافئة للولايات المتحدة الأمريكية، والساعى ببلاده للفطام والتبعية العمياء لها.
ثالث الباحثون عن أخذ اللقطة، وامتلاك “الشو” فى هذه الأزمة – التى فضحت حفيظة الغرب وأمريكا، وأضرت افتصادها، وهددت ملف الطاقة، بأكثر مما اضرت روسيا والعالم – هو الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى يدفعه معاونوه والمقربون منه وراسمو السياسات للتصرف بحماقة، تجاه الخليج، والمملكة العربية السعودية تحديدا.
وللحقيقة فهذه الحماقة مارستها أمريكا من قبل نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية بسنوات، لكنها زدات بشدة مع بايدن وإدارته، وتجلت هذه الحماقة فى الضغوط التى مارستها ومازالت تمارسها عبر نشر وإذاعة تقارير وأخبار محرضة تضغط على أعصاب المملكة السعودية، وتنتشر في الإعلام الأمريكي، وبعضها تحمل صفة الدراسات الاستراتيجية أو الاستشارية، وتعتمد على معلومات من تحقيقات أولية, أو معلومات استخباراتية في مراحل تكوينها الأولي, لكنها تتصدر الأخبار فى وسائل الإعلام الغربية الشهيرة لتصل إلى الجماهير المتابعة، فى البلاد العربية، والغربية، وأمريكا ذاتها، لتنال بشكل أساسى من النظام الحاكم فى المملكة، وتسعى لابتزازه.
تطور أخر أو قل تدهور أخر، فى العلاقات والضغوط على الرياض مارسته واشنطن، تحديدا مع وصول بايدن للبيت الأبيض، وهذا التدهور كان قرين حرب التحالف على الحوثيين، وجماعة “أنصار الله” أحد أخطر الأذرع الإيرانية فى المنطقة العربية، والذين يحاربون بالوكالة عن طهران، ويهددون بشدة أمن الخليج، والسعودية، ويحدث هذا بينما تصر أمريكا على ممارسة اللعبة التى باتت مفضوحة للجميع، حيث ترسل أمريكا الرسمية، الزيارات الدبلوماسية للخليج، وتدلى بالعهود والوعود والكلام المعسول عن الحليف السعودى الاستيراتيجى، بينما تمارس فى الواقع ضغوطها الكبيرة على السعودية تحديدا، فترفض تزويدها بالأسلحة، وتتسرب أخبار أنها تزود الحوثيين، بالسلاح، وتطلب من السعوديين، رفع الحصار عن الموانىء، والمجال الجوى للحوثيين، ولا تأبه لطلب المملكة بأن يتزامن ذلك مع بدء وقف لإطلاق النار، خوفا على أمنها.
وتشجع أمريكا قادة “أنصار الله” على شرط رفع الحصار أولا قبل الشروع في وقف إطلاق النار (هل لها مصلحة فى أن يبقى الصراع والتهديد الحوثى مستمرا؟).
وفى إطار نفس اللعبة، المراوغة، لا تفتأ امريكا تعلن أنها ملتزمة بالدفاع عن السعودية، دون أن تقدم ما يثبت ذلك، وأقله الاستجابة لطلبات تزويدها بالسلاح الذى يساعدها على تعزيز أنظمتها الدفاعية ضد طائرات “أنصار الله” العسكرية والمسيرة والصواريخ الباليستية التى تهاجم المملكة.
.. والآن كما يقولون الكرة فى الملعب الخليجى، والخليج بقيادة المملكة السعودية، يقول لأمريكا إن لديه ما يقايض به من أجل مصالحه وهو البترول، وإنه لن يكيده أو يهز موقفه الجزرة التى منحتها إدارة بايدن قطر بتعيين الأخيرة “حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو”، وهى فى الحقيقة جائزة وهميةز
أما عبد السلام النابلسى الإنجليزى الذى حل اليوم على السعودية ضيفا لا أعتقد أنه مرحب به، فقد صدر عنه قبل وصوله أنه ليس ذاهبا فقط للسعودية لمناقشة مسألة “الطاقة” ولكن لمناقشة ملفات أخرى منها حقوق الإنسان و…إلى أخره.
وإذ يردد جونسون هذه التصريحات فهو يفضح ما يكنه فؤاده وعقليته الاستعمارية، التى ورثها عن أسلافه، مضافا إليها العقلية الصهيونى التى تسكن الآن أدمغة صانعى القرار فى الغرب، الذى رأى فى نفسه منذ مئات السنين، ومازال أنه وصيا وسيدا على باقى الأجناس، لكن يبدو أن الزمن القادم، والواقع الذى يتشكل من رحم الأزمة الأوكرانية، سوف سيجبره على مراجعة هذه الأفكار، أو على الأقل يهزها بشدة.
تحياتي وتقديري لقلمكم الرشيق ولهذا المقال الساخر الجاد في تأكيد حسكم الوطني الحر