د. أحمد هندى يكتب: ذوى الهمم إلى أين ؟
اهتمت الدولة المصرية بذوي الهمم اهتمامًا واضحًا فجعلت العام 2018 عامهم، واهتمت برعايتهم صحيًا وعلاجيًا ووفرت لهم ولأسرهم مزيد من الدعم المالي، والدعم الإعلامي فتصدروا القنوات المصرية معلنين للعالم نحن شركاء الوطن ولنا دورًا فيه، وأعلن الموهوبين منهم نحن الأقوي، نحن المبدعون في كل المجالات: العلمية والرياضية… وغيرهما.
ومحاولةً منا للحاق بالركب ووضع قدمًا لنا كأكادمين قدم لنا ذوي الهمم الدرجات العلمية وبفضلهم أصبحنا نلصق دورنا المجتمعي بهم، ونقول بكل فخر نحن نحمل شهادات تخصص ذوي احتياجات خاصة؛ لذا سنرد لهم الجميل مذكرين أنفسنا لا هم بأن العظماء الذين ملئوا عقولنا شعرًا ونثرًا وأدبًا كانوا ذوي همم، لذا بين طيات سطوري هذه سأعرض عليك مبدعين ذوي همم لم تكن تعلم عنهم الكثير مثل: مصطفي صادق الرافعي ابن قاضي دمنهور الذي طبقت كتبه الأفاق فلقد أصاب مصطفي الابن التيفود وعمره ستة سنوات وعاني منه سنة كاملة طريح الفراش ثم خرج من فراشه ليفقد سمعه بشكل متدرج حتي فقده تماما في سن الثلاثين ولم يوقفه هذا عن تحصيل العلوم الدينية واللغوية حتي أصبح نابغة عصره في علوم القرآن الكريم، واللغة العربية وآدابها.
ولد الرافعي في بيت جده لأمه في قرية بهتيم بمحافظة القليوبية في 1 يناير 1880 وعاش حياته في طنطا، ينتمي إلى مدرسة المحافظين إحدي أهم المدارس الشعرية التي حملت علي كاهلها نهضة الشعر العربي والحفاظ علي رصانته وقوته وسحره، وهي مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكي، لقب الرافعي بمعجزة الأدب العربي، يعود نسبه إلى الخليفة عمر بن الخطاب، دخل الرافعي المدرسة الابتدائية في دمنهور، حيث كان والده قاضيًا بها، وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق ثم اشتد به المرض حتى فقد سمعه نهائيًا في الثلاثين من عمره، ولم يحصل الرافعي في تعليمه النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية، مثله مثل العقاد في تعليمه، فكلاهما لم يحصل على شهادة غير الشهادة الابتدائية.
كما كان الرافعي صاحب عاهة دائمة هي فقدان السمع، ومع ذلك فقد كان من أصحاب الإرادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه الجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده وكان أكثر عمل عائلته في القضاء، عمل كاتبًا ومقدرًا ماليًا لرسوم القضايا والعقود في محكمة طلخا، ألّف الرافعي النشيد الوطني التونسي بعد إضافة بيتين للشاعر أبو القاسم الشابي،كتب ذودًا عن الدين واللغة الكثير، واشتهرت كتبه في كل البلدان العربية لجذالة ألفاظه وقوتها ووضوح معانيها،من أهم مؤلفاته رسائل الأحزان، ووحي القلم، وتحت راية القرآن الكريم، والمساكين.
فما سبيلنا إلي رافعي آخر وماسبيلنا إلي طه حسين أخر؟
الإجابة: بالتثقيف ونعني بالتثقيف شمولية ما نقدمه من علوم ومعارف ومهارات لذوي الهمم، محاولين تقديم كل فن وعلم ومهارة لهم ولا نقف عند دائرة رعايتهم ذاتيًا، أو مواجهة مصاحبات إعاقتهم مثل: التأخر اللغوي، واللزمات الجسدية والمشكلات السلوكية وفقط، فنحن نريد أن نتخطي هذا وننطلق أبعد من ذلك، فلا تجعلنا الإعاقة نظنهم لا يستطيعون تقديم شيئ، فأسرة الرافعي لم تفعل ذلك، ولم يعجزها صممه ولم يوقف أبيه عن تعليمه علوم اللغة وعلوم القرآن الكريم، إذا نقصد الإنطلاق بهم إلي عالم متعدد ومتنوع المعارف والعلوم والمهارات ولاتظن أنهم لايستطيعون إنهم سيبهرونك أيها الأب وأيها الأم؛ وأقدم لكما دليل: اذهب إلي الجمعية المصرية لرعاية الصم وضعاف السمع ب 54 شارع أبو بكر الصديق بميدان محكمة مصر الجديدة ستري سباك وكهربائي ونجار أثاث مبدع وستري الأثاث المنزلي الذي صنعه الأصم وصدقني ستشتري رغمًا عنك ما أنتجوه.
ولا انسي أن أذكر لك أن الفتيات الصم يصنعون وينسجون ويطرزون هناك أيضًا أروع الملابس القطنية والصوفية، فإذا علينا أن نثقفهم وعلينا الثقة فيهم وفي قدراتهم التي لن نكتشفها طالما نقف عند حد الرعاية ومواجهة مصاحبات إعاقتهم، وحتي لا أطيل عليك أم أديسون الذي أنار الدنيا وسجل 1093 براءة اختراع في الكهرباء وغيرها، كان ذوي صعوبات تعلم حتي أنهم طردوه من المدرسة الابتدائية ثم أصابه الصمم أيضًا قالت له أمه لاتلقي بالًا لهؤلاء (تقصد من طردوه) ولا لكلامهم فهم لا يعرفون عنك شيئ، وأعطته كتب الكهرباء التي يحبها فأصبح أديسون وفي المرة القادمة سأحدثكم عن أديسون المزيد وعن الشاعر اليمني البردوني الكفيف.
الدكتور أحمد هندي
مدرس الإعلام وثقافة الأطفال بكلية الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس