“مخازن الجورن” بـ “كرموز” عشوائية غير آمنة.. سقطت من حسابات المسئولين بالإسكندرية
منازل بلا أسقف تغرق في مياة الصرف الصحي….!!
- الحوائط مكهربة وغرف البيوت تحولت إلى صناديق للموت وأسرة تعيش فى دورة مياه.
- الصدأ السائل ينزل على أجساد السكان مع مطر الشتاء ويهدد صحة سكان المنطقة..!.
- أسقف معلقة بقضبان السكك الحديدية.. تحميهم من انهيار الأسقف، فماذا إذا سقطت هى فوق رؤوسهم ؟!!
- ما سر علاقة الإنجليز بمساكن مخازن الجورن؟!.
خاص بيان
أمطار الصدأ السائلة .. الحوائط “المكهربة”.. غرف الموت.. بحار من مياه الصرف الصحي.. بيوت بلا أسقف.. حشرات وحيوانات ضالة.. أوكار لتجار ومتعاطي المخدرات والخارجين عن القانون.. العيش داخل دورات المياه.. روائح كريهة وأكوام من القمامة.. أسقف من قضبان السكك الحديدي.. هذا مختصر للمنشآت، والحياة فى هذا المكان الذى يمثل معاناة حقيقية وحياة غير آدمية لسكانه.
والسكان الذين يعيشون فى هذا المكان قوامهم حوالى ٧٠ أسرة.
والمكان هو مساكن عمال السكة الحديد بمنطقة كرموز غرب الإسكندرية، أو كما يطلق عليها سكانه “مساكن مخازن الجورن” تلك المنطقة التي سقطت سهوا من حسابات المسئولين لسنوات، ونسوا أن سكانها بشر لهم مطالب للحياة الآدمية الكريمة، أو قل حد أدنى من هذه المطالب، لكنه غير متوفر.
رصد “بيان” بالصور المنطقة الأكثر معاناة في مصر، واستمعنا إلي سكانها، وهم يرون معاناتهم الدائمة، ويختمون شكواهم بأمل ورجاء أن يصل صوتهم لجابر الخواطر الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد سدت فى وجوههم كل السبل، وكلت أيديهم من طرق أبواب المسئولين.
بلا أسقف في مياه الصرف
بدرية محمد من سكان المكان، تقطنه وأسرتها منذ أكثر من ربع قرن، تقريبا نظرا لعمل زوجها بالسكة الحديد، تشتكى:” ولكن هذا المكان غير مريح بالمرة ونشعر بالمشقة في الاستمرار فيه حيث يتعرض للغرق بصفة مستمرة بفعل مياه الصرف الصحي صيفا وشتاء .”
ليست مياه الصرف فقط التى تحاصر المكان دائما، ولكن أمطار الشتاء أيضا، التى تسقط على سكان المنازل من الأسقف إلى داخل البيوت.
تقول بدرية: “المياه تنشع فى الحوائط داخل المنازل فلا أسقف تحمينا، ولا حوائط تسترنا، وتقف حائلا بيننا وبين أمطار وسقيع الشتاء “
محتويات شقتها التى لا تزيد على 80 مترا، غرفتان وصالة، إلا أنها وعفشها مكومان في غرفة واحدة فقط بعد أن سقطت أسقف باقي مساحة البيت، وتهدمت حوائطه.
ومضت بدرية في حديثها معنا قائلة ” قمت أنا وأهالي المنطقة بمخاطبة المسؤلين مرارا وتكرارا سواء في حي غرب الأسكندرية، أو هيئة السكة الحديد، ولكن دون جدوى، حتى نواب البرلمان على مدار دورتهم طرقنا أبوابهم، ولا نتلق منهم إلا وعودا واهيهة ردا علي شكاوينا.”
تحت الأنقاض
نموذج أخر من السكان هو جار لبدرية اسمه أبو الحسن عوض، ويسكن فى المكان – كما أخبرنا – منذ ٢٥ عاما أيضا:
“كنت أعمل ملاحظ بلوك بالسكة الحديد ولا توجد مشكلة واحدة لا يعاني منها هذا المكان، فالمنازل آيلة للسقوط، وأسقف المنازل تسقط على رؤس أصحابها، وهناك أكثر من حالة وفاة، وإصابات بالغة جراء هذا ، إلي جانب مياه المجاري التي تغرق المنازل على مدار السنة ومياه الشرب غير الصالحة للاستهلاك الأدمى تماما بأي شكل من الأشكال .”
أكد لنا أبو الحسن، أنه وسكان المكان قاموا بعمل شكاوي على مدار سنوات عديدة للمسئولين، وأن هناك عضو مجلس نواب حضر مؤخرا وتم عمل حصر للمنازل والبيوت ولم يجد جديد حتى الآن.
صناديق للموت
كارثة آخري تضاف إلي كم الكوارث التي تعاني منها هذه المساكن وهي: “الحوائط المكهربة” والتى كشفت عنها هند محمد فرحات التي تقطن هذا المكان منذ ما يقرب من٢٠ عاما، وقالت هند: “المكان يعاني من الحوائط المكهربة والتي حولت الغرف التي نعيش بها إلي صناديق للموت، فنظرا لتهالك شبكة الكهرباء والأسلاك، وكذلك تهالك الحوائط والأسقف، وتعرض حديد الإنشاء بها للصدأ، فأنه مع غرق المكان بفعل مياه المطر فى الشتاء ومياه الصرف طوال العام، تصبح الجدران أحياما “مكهربة” وتسبب أضرارا لا حصر لها قد تصل بمن يلمسها للموت صعقا بالكهرباء .”
وأحلام هند بسيطة: “نحن لا نطالب إلا بسكن آدمي من الحكومة والتي خاطبناها مرارا وتكرارا على مدار سنوات عديدة، ولكن دون جدوى، حتى أنه ذات مرة توجهت إلي حي غرب للشكوي فكان رد موظفة الحي صادما أكثر من الواقع الذي نعيشه حيث قالت لي بالحرف الواحد : “إحنا بنتحرك لما البيت يقع غير كده مالكمش حاجة عندي” فتوقفت عن الشكاوي في الحي وانتظرت دوري في الموت تحت إنقاض منزلي أو صعقا بالكهرباء.
علاقة الإنجليز مخازن “الجورن”
أما محمود حسن فيقطن هذه المنطقة منذ حوالي ١٠ سنوات حيث يعمل ملاحظ ورشة بهيئة السكة الحديد، وعاش في هذا المكان عشرسنوات، يقول عنها أنها عمر من المعاناة والمشاكل، ويضيف: “أنتظر سقوط المنزل فوق رأسي في أي وقت فهذه المساكن عمرها أكثر من ٢٠٠ عاما، وكانت تستخدم كمخازن وقت وجود الإنجليز في مصر وكان يطلق عليها وقتها، “مخازن الجورن” وبعد ذلك خصصتها الحكومة المصرية كمساكن لعمال هيئة السكك الحديدية.”
وحسب محمود المكان أصبح غير آدمي بالمرة، حيث يسكنها إلى جانب البشر، الحشرات وتأنس فيه الحيوانات الضالة، ويتردد عليه، البلطجية، والخارجون على القانون ليزيدوا من الأخطار التى يتعرض لها أهل المكان.
الصدأ السائل
هل تعرفون “الصدأ السائل؟!” وجه لنا السؤال أحمد حمدي حسن، نظرت حولى استطلع الإجابة فى عيون الجمع المتحلق حولى، ولم أرد، فتولى حسن الإجابة :”أقطن في هذه المنطقة منذ عشرين عاما مع والدي وأسرتي وأعاني من وقتها من مشكلة الصدأ السائل الذي يسقط على رؤسنا، أنا وأخواتي في فصل الشتاء، جراء غسل ماء المطر لصدأ حديد الإنشاءات الذي يوجد في الأسقف المتهالكة.”
داخل دورة مياه !
“كله كوم، ومأساة عم محمد وولاده كوم” هذا ما علا به صوت أحدى النساء الواقفات قريب منا، والتى استدعت صاحب المأساة ليرويها على لسانه.
اقترب الرجل، وسألناه عن اسمه وحكايته فقال: “اسمى محمد صلاح أحمد، واعيش في هذه المنطقة منذ ٣٧ عام تقريبا داخل دورة مياه، أنا وأولادي الأربعة، والتي تقع تحت صهريج خزان مياه السكة الحديد الذي يخص الإنجليز منذ عام ١٩٠٧ وأعاني في هذا المكان أشد المعاناة، أنا وأولادي ،وزوجتي المريضة، حيث تنتشر الزواحف والحشرات، والحيوانات الضالة والخارجين عن القانون “.
وبعد برهة من الوقت يستعيد فيها قدرته على مواصلة الكلام أضاف: ” نحن مهددون فى كل لحظة بسقوط خزان مياه السكة الحديد والذي كان يستخدم وقت وجود الإنجليز في مصر فوق رؤسنا حيث أصبح متهالكا ومتأكلا بفعل الصدأ ومرور أكثر من 100 سنة على إنشائه حسبما عرفت (والكلام مازال للرجل)، واستكمل حديثه :” ولا تستطيع أي سيارة إسعاف أو مطافئ لدخول إلى هذه المنطقة الأكثر من عشوائية حتى أنه في الشتاء لا تتمكن سيارات الصرف الصحي من الدخول إليها هذا إلي جانب المعاناة من مياه الشرب غير الصالحة تماما للاستهلاك الآدمى والتي تسبب الأمراض لمعظم الأسر وكبار السن.”
أسقف معلقة
ومضينا فى جولتنا نستطلع المسالكن من الداخل، ونشاهد العجب داخل “مساكن مخزن الجورن” بكرموز، ومن أغرب المشاهد ذلك الذى استعان فيه بعض أصحاب المنازل ببقايا قضبان السكك الحديدية، التي توجد غالبا على جانبي شريط القطار ليرفعوا بها أسقف منازلهم لمنعها من الانهيار على رؤوسهم، أو اعتقادا منهم أن هذا العلاج يعمل على حماية أرواحهم من الموت تحت الانقاض، زولو انهارت هذه القضبان سوف تكون سلاح الموت الأول الذى يعجل بحصد أرواحهم
سكان آخرون يعيشيون فى المنطقة لأكثر من ٤٠ عاما، وكثيرون ولدوا فيها، وعاشوا المأساة منذ ولادتهم، وجميعهم يطالبون بحياة آدمية، وينتظرون من بعد الله جابر الخواطر أن يأمر برد الاعتبار إليهم، بعد أن نسيتهم الحكومة.