لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: وماذا بعدما هدأت نيران الحرب على غزة ؟
بعد إحدى عشر يوماً، وبوساطة مصرية وجهود أمريكية، توقف القتال في غزة بين إسرائيل من جهة، وحماس والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى، بعدما تسببت هذه الحرب في استشهاد 248 فلسطينياً، من بينهم 65 طفلاً، و39 سيدة و17 مسناً، فضلاً عن إصابة أكثر من 2000، وعلى الجانب الإسرائيلي قتل 12 شخصاً، وأصيب 335 آخرين. أفادت إسرائيل أن المقاومة أطلقت 4070 صاروخاً، من غزة، باتجاه إسرائيل، سقط منها 610 صاروخاً داخل غزة، بضربات نيران نظام القبة الحديدية، الذي نجح، في هذه الحرب، بنسبة 90%، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية.
ولقد تعرض نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي لانتقادات كثيرة، بعد نجاح صواريخ المقاومة الفلسطينية في الوصول للعديد من المدن الإسرائيلية، منها العاصمة تل أبيب، ومدن إيلات وعسقلان وريشون لتسيون، والرملة، واللد، وبتاح تيكفا، وجفعاتيم، وهو ما يخالف توقعات المواطن الإسرائيلي، بعد الدعاية الكبيرة لهذا النظام. كما نجحت صواريخ المقاومة في ضرب منصات آبار الغاز الإسرائيلي، في حقل تمارا، بالبحر المتوسط، ومهاجمة خط أنابيب البترول الإسرائيلي، كاتسا، الذي يصل بين إيلات وعسقلان.
كانت إسرائيل قد أعلنت تطوير “القبة الحديدية”، بعد حرب غزة عام 2006، عندما أطلقت المقاومة الفلسطينية، آنذاك، 4000 صاروخ، أدى لمقتل 44 إسرائيلياً، وعلى أثره تولت شركة رافئيل تطوير ذلك النظام، بتكلفة 210 مليون دولار، حتى أن إسرائيل، من غرورها، أطلقت عليه، في البداية، اسم “القبة الذهبية”، قبل أن تقرر إطلاق اسم “القبة الحديدية” عليه. يعتمد النظام على نشر بطاريات إسرائيلية، أمام قطاع غزة، للتصدي لأي صواريخ تطلقها المقاومة، ومنعها من الوصول لعمق إسرائيل، ومع وقف إطلاق النار الحالي، فمن المتوقع أن تبدأ إسرائيل، فوراً، في تطويره.
أما المفاجأة الثانية لإسرائيل، في هذه الحرب، فكانت شبكة الأنفاق، التي أقامتها حماس، في غزة، ووصلت لعدة كيلو مترات، في شكل أنفاق متفرعة، استخدمتها المقاومة كمنصات لإطلاق الصواريخ، ومخازن للصواريخ، وملاجئ لقادة حماس والمقاومة، وأماكن لتهريب الأسلحة من البحر لداخل إسرائيل، لذا صبت إسرائيل تركيزها طيلة الأحد عشر يوماً، على تدمير الأنفاق، بل ورفضت وقف إطلاق النار لحين التأكد من تدمير تلك الشبكة الفلسطينية، كأحد أهم أهدافها، بالإضافة لاغتيال قائد الجناح العسكري لحماس محمد الضيف.
وعلى الجانب السياسي، فقد فرضت، تلك الحرب الرابعة على غزة، ترتيب أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة جو بايدن، ووضعت القضية الفلسطينية على رأسها، قبل قضايا امتلاك إيران للسلاح النووي، وضمان استمرار تدفق النفط العربي إلى أوروبا. فقد تحدث الرئيس الأمريكي عن المشكلة الفلسطينية، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية، وأحزابها السياسية، يؤكدون على حق إسرائيل في الوجود، مشدداً على تعهد بلاده بضمان أمن واستقرار إسرائيل، مؤكداً على أنه لا سلام في المنطقة دون اعتراف دول الشرق الأوسط بإسرائيل. وفي نفس الوقت، تطور فكر الإدارة الأمريكية في إعلان تأييده لحل القضية الفلسطينية، من خلال إقامة دولتين؛ الأولى فلسطينية في الضفة والقطاع، والثانية يهودية في إسرائيل، وهو الحل الذي نادت به الدول العربية، مراراً، وسعت لتحقيقه، بالتصدي لصفقة القرن التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ورفضتها الدول العربية. وتتوقع بعض التحليلات الاستراتيجية أن يعمل الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الفترة القادمة، على التوصل لحل للمشكلة الفلسطينية، ليسجل له التاريخ أنه الرئيس الذي حقق السلام في الشرق الأوسط.
ومن أهم نتائج هذه الحرب، كان عودة مصر، بقيادة رئيسها عبد الفتاح السيسي، إلى موقعها كأكبر قوة سياسية مؤثرة في الشرق الأوسط، بعدما ثبت للجميع، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، أن مصر، بزعامة رئيسها، هي حجر أساس المنطقة، الذي يضمن تحقيق أمنها واتزانها. فمنذ اليوم الثاني للحرب، أرسلت مصر وفداً أمنياً إلى تل أبيب، للاتفاق على التهدئة، كما نجحت المساعي المصرية في التواصل مع حماس، وباقي الفصائل الفلسطينية، وكذلك مع الجانب الإسرائيلي، لإقناعهم بالتهدئة، وصولاً إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار، ومتابعة تنفيذ الاتفاق بإرسال وفد إلى قطاع غزة، وآخر إلى إسرائيل.
وأمام النجاح المصري في التوصل لذلك الاتفاق الهام، وتقديراً لجهودها في المنطقة، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بالاتصال بالرئيس السيسي لشكره على جهده، والثناء على العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تناول في اتصاله، بالسيد الرئيس، العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومن بينها حقوق مصر المائية، التي أكد اتفاقه مع الرؤية المصرية بشأنها. كما وجه الشكر لسيادته، على الهواء مباشرة، أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده، منذ أيام، مع رئيس كوريا الجنوبية، فضلاً عن الاتصال الذي تم، لأول مرة، بين وزير الخارجية الأمريكي بلنكن، والوزير المصري، السفير سامح شكري، وما أعقبه من اتصالات انتهت بزيارته لمصر. وما يعنينا هنا هو المغزى من تلك التحركات الأمريكية، التي تؤكد على ضبط البوصلة الأمريكية في المنطقة، خاصة مع استعداد مصر، حالياً، لعقد مؤتمر دولي في القاهرة، لإعادة إعمار، غزة، بعد ما قدمته من مساعدات ومعونات لأهالي غزة، وفتح المعابر لاستقبال الجرحى في المستشفيات المصرية.
لقد قدمت مصر تلك المساعدات إيماناً بدورها، وتحملاً لمسئولياتها تجاه الدول الشقيقة … فمصر كانت ولازالت وستبقى هي قلب العروبة النابض، ودرة تاج المشرق، ورمانة ميزان قوى المنطقة … ولا أجد ما أعبر به عن سعادتي باستعادة مصر لمكانتها الأزلية سوى أن أقول “مصر عادت شمسك الذهبي”.
Email: [email protected]