“على كوبانا” الأب الروحى للأغنية النوبية
صاحب البشرة السمراء الذى تمرد على العادات والتقاليد بالحب

كتب: إسلام فليفل
المزيكا الشعبية التى تولد من نتاج بيئى هى تعبير أصيل عن الحالة والموقف والتفاعل الحى للإنسان، وكلما كانت البيئة بسيطة كان الإبداع عظيما، فهدوء الإنسان وبساطة يومه يبعده عن الهم الذى ينغص عليه حياته، ويجعل كاهله مجهداً لحد الخضوع للألم والسقوط فى بئر الاكتئاب، ولد على ضفاف النيل من موجة هادئة ورقيقة ألقته على شاطئ النوبة، إنه الأب الروحى للأغنية النوبية، على كوبانا، كما يحب أن يطلق عليه أهل النوبة، المولود فى قرية قورتة عام 1936على هديل الحمام وأمواج النيل وغناء المراكبية وصمت الطبيعة الملهم، فكان فى طفولته يتسلل لمعبد أفادينا كوبان الأثري، ويغنى للتاريخ ويشجى حبًا لأجداده القدامى، وبالرغم من وفاته عام 2006 إلا أن صوته وكلماته مازالت عالقة بقلوب أهل النوبة.
الفنان الكبير “كوبانا” من أسرة متوسطة الحال، والده كان تاجرًا له مركب شراعى يطوف به على القرى المجاورة، يبيع لهم الحلاوة الطحينية والجبن والطرشى والعسل الأسود، وكان والده عازفا ماهراً للطنبور، فكان ينتظره على شاطئ النيل لحين عودته ليستمع له وهو يعزف اجمل الالحان على صوت هديل النهر، وكان كوبانا فى فترة الطفولة يردد أغانى “للبيب” وهو نوع من الغناء كله مدح وإشادة، وكان والده يصطحبه معه فى الموالد والأفراح بالقرى المجاورة وليالى العرس والحنة، اما الذى أقنعه بالغناء فى طفولته مزارع له أذن موسيقية اسمه “عبد الله”، ولا شك أن الطبيعة النوبية الهادئة والخلابة لها أثرها فى نشأته الفنية.
فرقة موسيقية
بسبب تردد كوبانا بصفة مستمرة على حفلات الأعراس النوبية والكف وليال الحنة تعلم الكثير، وتعرف على أذواق وطلبات كل قسم نوبى “فاديحة- كنوز- عرب” وبدأ هو وفرقته تأليف الأغانى الشهيرة، مثل أغنية، الآن فقط أتيت لتتحدث معي، وحقق كوبانا وفرقته شهرة واسعة، لدرجة أن الناس كانت تلاحقهم فى البروفات.
وفيما بعد قدموا أغنية، ياسمراء لماذا أنت غاضبة منى وماذا جرى لك، وهى أغنية يستجدى فيها الشاعر محبوبته، وهذه الأغنية عارضت العادات والتقاليد النوبية وأتهمت بالتذلل، فقد كان الحب والغرام فى النوبة فى هذا الوقت جريمة بين المحبوبين، أما بين المتزوجين فهى ثالثة الأثافى، وقدمت فرقة “كوبانا” بعد ذلك مسرحياتها على مسرح هدى شعراوى، وحققت العروض نجاحا كبيرا.
الله معك يا جندى
التحقت فرقة “كوبانا” بعد النكسة بجبهات الحرب، وغنوا للجنود فى الغردقة والسويس وأبو صوير والزيتية، وقدموا عددا من الأغنيات مثل “الله معك ياجندى ياللى فى الميدان”، بجانب وجود فنانين مثل محمد رشدى وليلى نظمى ومحمد حمام وعبد الوارث عسر، وأستمرت مشاركاتها بالغناء مساندة لجنود مصر فى حرب الإستنزاف وحرب أكثوبر 1973.
“كوبانا” فى عيون التلاميذ
هناك العديد من المطربين النوبيين الذين تربوا وكبروا على فن “كوبانا” ومنهم المطرب النوبى محمد خليل الذى أكد فى أكثر من تصريح سابق له، ان كوبانا يعد من أشهر فنانى النوبة او الفن النوبى عموما، باعتباره الاب الروحى لهذا الفن ولازال يؤثر فى الاغانى التى نلقيها، ذلك لارثه الغنائى الضخم الذى اثرى به الساحة الفنية النوبية وجعلتها تنطلق من النطاق المحلى الضيق إلى العالمية.
اما محمود حسين “فنان نوبى” فيؤكد أن لعى كوبانا اسهاماته الفنية الرائعة فهو اول من ادخل آلة الاورج إلى الموسيقى النوبية، وهذه الآلة تعد هى الالة الرئيسية فى الفرق النوبية فى الوقت الراهن، بالاضافة إلى تعريف الناس بالفن النوبى واصوله، وتوضيح هموم وامال قطاع عريض من الشعب المصرى، وأضاف ان الفنانين النوبيين وعلى رأسهم كوبانا لهم الدور الأكبر بتعريف الناس باللغة النوبية، مؤكدا أن الفن النوبى فن متأصل وله جذوره.