د.م. محمد سليمان اليماني يكتب: الاستدامة البيئية وقمة المناخ في مصر
تُعرَّف الاستدامة البيئية بأنها التفاعل المسؤول مع البيئة لتجنب استنزاف الموارد الطبيعية أو تدهورها والسماح بجودة بيئية طويلة المدى ، تساعد ممارسة الاستدامة البيئية على ضمان تلبية احتياجات سكان اليوم دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم وتُعرفُ الاستدامة بأنّها الحفاظُ على نوعيةِ الحياة من خلال التأقلم مع البيئة عن طريق استغلال الموارد الطبيعيّة لأطول مدى زمنيٍّ ممكنٍ يؤدّي إلى المحافظة على استمرار الحياة، والهدف هو تجنب عواقب الإحتباس الحراري وتعظيم الإستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وحماية حقوق الأجيال القادمة وحماية البيئة والكائنات والطبيعة ، من خلال فرض ضريبة الكربون وتغيير سلوك المنتج والمستهلك.
وفي ضوء رؤية مصر 2030هناك أجندة مصرية وطنية للتنمية المستدامة تؤكد على ضرورة أن يكون البُعد البيئي محوراً أساسياً في كافة القطاعات التنموية بشكل يحقق أمن الموارد الطبيعية ويدعم عدالة استخدامها والاستغلال الأمثل لها والاستثمار فيها، وبما يضمن حقوق الأجيال القادمة، ويعمل على تنويع مصادر الإنتاج والأنشطة الاقتصادية، ويساهم في دعم التنافسية، وتوفير فرص عمل جديدة، وتخفيف حدة الفقر، ويحقق عدالة اجتماعية مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة للإنسان المصري.
وتأتى استضافة مصر للقمة العالمية للمناخ cop27 لعام 2022 ، والتي سوف تنعقد بمدينة شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر المُقبل، تؤكد ريادة مصر واستعادها لمكانتها عالميًا ودوليًا، حيث أنها قمة دولية يحضرها كل رؤساء الدول، وسوف تحظى باهتمام كل وسائل الإعلام العالمية .
وضمن استعداداتها لاستضافة قمة المناخ كوب 27، تجهّز مصر عددًا من المبادرات البيئة والمناخية لطرحها خلال هذا الملتقى الدولي ، وقد انتهت مصر مؤخرًا من إعداد الإستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية وقائمة المشروعات التي يمكن التقدم بها لتمويلها من خلال الصندوق وفقًا لأولويات مصر خلال المدة المقبلة، ولاشك أن المؤتمر يعد فرصة مهمة لإلقاء الضوء على آثار التغيرات المناخية على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، باعتبارها دول تعاني من تأثيرات التغيرات المناخية الضارة دون أن تكون المتسبب الرئيسي فيه .
وفي منتصف العام الماضي 2021 شرعت مصر للسعي الى آفاق صناعة الهيدروجين الأخضر للتحول إلى هذه الطاقة النظيفة والمتجددة ، بحثا عن الحياد الكربوني، والحفاظ على معدلات التنمية المستدامة، دون انتقاص من النمو الاقتصادي في وقت واحد، والهدف هو تخليص البشرية والبيئة والنظام الإيكولوجي من كابوس الاحتباس الحراري، والتلوث والتغيرات المناخية الكارثية، ليصبح الأمن البيئي حقيقة وواقعًا.
والمعروف أن قطاع الطاقة، في مصر والعالم، يشهد تحولا وتحديًا جذريًا، فقد انتقل من الوقود التقليدي “الأحفوري” إلى الغاز الطبيعى، ثم الطاقة المتجددة، وإلى الطاقة النووية، ثم إلى “الهيدروجين الأخضر”، وهو التحول نحو عالم التنمية المستدامة والطاقة الآمنة، وتستعد له مصر حاليًا بالدخول إلى عالم “الهيدروجين الأخضر”، ويجهز له المسئولون عن الشأن والمناخ والبيئي عبر الإعداد الحكومي والمدني، وعكسته أولى فعاليات الحوار الوطني، استعدادًا لقمة قمة المناخ “27COP”، بتنفيذ مشروعات إنتاج واستخدام الميثانول الأخضر والأمونيا الخضراء.
ونتابع جهود وزارة البيئة التي تبرز تركيز مصر في قمة المناخ المقبلة على الانتقال من مرحلة التعهدات والدعوة للعمل المناخي، إلى التنفيذ والتطبيق الفعلي واسع النطاق وسريع الوتيرة لإجراءات من دورها خفض مسببات التغير المناخي وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته.
هنا.. تبدو ملامح الإعداد لقمة شرم الشيخ المقبلة للمناخ إيجابية، وراءها الموارد الطبيعية المعززة لطاقة المستقبل، تساندها الدوائر العربية والإفريقية، لتلبي الدعوة الأممية نحو الانطلاق إلى طاقة المستقبل “الهيدروجين الأخضر”.. ولا شك ان مصر تستحق الفوز باستضافة المؤتمر خاصة بعد الجهود التى بذلتها وترسانة المشروعات التى تنفذها، ومن المتوقع ان تركز مصر خلال استضافتها للمؤتمر على توفير الدعم المادى اللازم للبلدان الافريقية خاصة والبلدان النامية عموما لمواجهة اثار تغير المناخ والتخفيف منها.
وهناك عدة مشروعات قومية أطلقتها مصر لمواجهة التغير المناخى والتكيف مع الآثار والحد منها، ومن هذه المشروعات: مانفذته هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة للحد من الانبعاثات، والبرنامج المتكامل لإدارة المخلفات البلدية الصلبة.
ويتضمن البرنامج مبادرة لتحويل المخلفات البلدية لإنتاج الوقود الصلب المشتق والسماد العضوى ، ومشروعات الحد من انبعاثات قطاع النقل بالتوسع في أنظمة النقل العام المتطور، ووسائل النقل غير الآلي، بما في ذلك ركوب الدراجات، ومشروع استدامة النقل، والأتوبيس الكهربى وتحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعى أو الكهرباء والمونوريل، ومشروع تبطين الترع لتقليل فاقد المياه، تحلية مياه البحر والحماية من السيول، وتنفيذ أكبر منشأة لمعالجة مياه الصرف في العالم في مصرف بحر البقر.
ومنها أيضا التحول إلى الزراعة المحمية وأنظمة الرى الحديثة، ومشروع تحسين كفاءة الطاقة ، هذا بجانب جهود الدولة لتحفيز الاقتصاد الأخضر من خلال خلق مجالات وأنشطة إنتاجية وخدمية جديدة، تصبو إلى رفع كفاءة الإنفاق العام وزيادة مردوده التنموي وذلك من خلال ما يلي:
– رفع كفاءة إنتاج الطاقة والمياه وترشيد استهلاكهما
– التوسع في إنتاج الطاقة المتجدّدة
– تعظيم الاستفادة من الموارد المائية غير التقليدية
– ترشيد استخدامات الموارد الطبيعية ومدخلات الإنتاج
– زيادة معدلات إعادة تدوير واستخدام المياه
– تشجيع وتوطين الجيل الرابع للصناعة والذي يرتكز على الصناعات والتقنيّات الحديثة النظيفة والصديقة للبيئة
– تشجيع وتوطين الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الإصطناعي، والبيانات كبيرة الحجم، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، والاتصالات، والرقمنة، وتوظيفها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
– والتوجه نحو الزراعة المستدامة والعضوية التي تقوم على ترشيد استخدامات المياه والطاقة، وُتقلّل كذلك من استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية غير العضوية، وتدوير المخلفات الزراعية
– وتشجيع السياحة البيئية وتنويع المجالات السياحية ويتضمن ذلك دمج الاعتبارات البيئية في قطاع السياحة متمثلة في طرق البناء والتشييد، واستخدامات الطاقة والمياه والموارد الطبيعية بوجه عام، ودعم مختلف المجالات السياحية بما يشمل سياحة الآثار، والسياحة الشاطئية، والسياحة العلاجية، وسياحة المؤتمرات، والسياحة الثقافية
– وإتباع منهج متكامل للمدن والمجتمعات الجديدة المستدامة، والتي تقوم على أساس ترشيد استهلاك المياه والطاقة، واستخدامات مصادر الطاقة والمياه المتجدّدة والإقلال من النفايات وتدويرها
– وخفض معدلات توليد المخلفات والانبعاثات والتلوث البيئي – وزيادة معدلات تدوير المخلفات وإنتاج السماد العضوي والبيوجاز
– وتعزيز دور البحث العلمي في مجالات الاستدامة – ونشر ثقافة الاستدامة، وعدم إهدار الموارد الطبيعية، وذلك بكافة النظم والمناهج التعليمية.
وفي قمة جلاسكو للمناخ تم عرض تجربة مصر والتي تعد نموذج ملهم للعديد من الدول في ظل التحديات القائمة على كافة الأصعدة المحلية والاقليمية والدولية، وشدد الخبراء على دمج الأبعاد البيئية في خطط التنمية بما يحقق التنمية المستدامة لنا وللأجيال القادمة، كما تمت الاشارة إلى أنه وفي أثناء جائحة كورونا تم إصدار لائحة معايير الاستدامة البيئية للمشروعات مما يعني تنفيذ مشروعات أكثر استدامة بهدف أن يكون 50% من المشروعات الجديدة خضراء بحلول عام 2024 و100% بحلول عام 2030 من خلال التعاون بين الوزارات المختصة والمجلس الوطني للتغيرات المناخية.
وتتطلع مصر إلى استضافة مؤتمر المناخ المقبل كممثلة لقارة إفريقيا، لتوفر منصة لالتزامات جديدة تضع حلولا مبتكرة لتحقيق تقدم في مواجهة التغيرات المناخية، وللبناء على الدورة السابقة من المؤتمر في قارة أفريقيا التي عقدت بدولة المغرب منذ أكثر من 5 أعوام، والتي كانت بداية لخارطة طريق للعمل الذي يمكن أن تقوم به القارة السمراء للتغلب على آثار التغيرات المناخية، التي تعاني منها رغم مساهمتها بأقل نسبة في الانبعاثات الحرارية، وللتأكيد على التزام مصر بالعمل المشترك مع كافة البلدان لتوحيد الجهود مع كافة الجهات والأطراف أصحاب المصلحة لمواجهة التغيرات المناخية وتعزيز العمل المناخي.
ومن منطلق عملي السابق كمتحدث رسمي لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، فقد عايشت جهود قطاع الكهرباء والتي من شأنها تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والمحافظة على البيئة ومنها:
توزيع لمبات الليد الموفرة بدعم كبير بدءا من عام 2013 وحتى عام 2016 وذلك خلال شركات التوزيع التسعة ، وانشاء محطات الشمس والرياح لتوليد الكهرباء، وتنفيذ حملات التوعية بترشيد استهلاك الكهرباء، وإنشاء مراكز التحكم واستخدام العدادت الذكية ومسبقة الدفع، والتعاون للتوسع في استخدام السيارات الكهربائية، والسعي لإنشاء المحطة النووية، والتعاقد لتنفيذ مشروع الضخ والتخزين المائي لتوليد الكهرباء، والتعاقد لتنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر، والتعاون لتعزيز الصناعة المحلية لمكونات محطات الخلايا الشمسية الفوتوفولطية ومحطات الرياح، وتصنيع لمبات الليد الموفرة محليا.
الأمر الذي كان له أكبر الأثر لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وخاصة مع تنفيذ وتشغيل مجمع بنبان الشمسي 1465 ميجاوات يسهم فى الحد من انبعاثات الكربون بنحو مليونى طن .
وتنفيذ 121 محطة طاقة شمسية، في 15 محافظة بإجمالي قدرة مركبة 9.6 ميجاوات، وبإجمالي وفر في الطاقة 14.8 ميجا. و.س/ سنوياً، وتصل نسبة الخفض في نسبة ثاني أكسيد الكربون إلى 9.3 طن/ سنوياً، وزيادة محطات الرياح وتشغيل محطات سيمنس عالية الكفاءة بغاز طبيعي وتحويل بعض وحدات التوليد الحرارية من دورة بسيطة (بوقود احفوري) إلى دورة مركبة ( بالبخار ).
هذا علاوة على أن هيئة الطاقة المتجددة قد أعلنت مؤخرا عن مساهمتها فى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالى 10 مليون طن ، وتوفير 4.4 مليون طن بترول مكافئ.. وكلها جهود جديرة بالإحترام نتطلع معها الى آفاق رحبة وفق رؤية مصر 2030، ليكتمل بناء جمهوريتنا الجديدة مع دعمنا جميعا للجهود التنموية غير المسبوقة والتي تشهدها مصر بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي – حفظه الله .
…………………………………………………………………………………………………………….
الكاتب: رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة بالإتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة.
طالع المزيد:
-
وزير الكهرباء يستقبل وزيرة الطاقة والتجارة والصناعة بقبرص لبحث سبل دعم وتعزيز التعاون
-
رئيس الوزراء: الدولة تهتم بمشروعات الهيدروجين الأخضر
-
د. إسلام جمال الدين شوقي يكتب: سنوات حكم الرئيس السيسي (6) الإنجازات في مجال حماية البيئة