بيان وتدبر: {6} سورة الفجر الآيات (15-30)

حلقات تكتبها: رشا ضاحى

يقول رب العزة سبحانه وتعالى فى كتابه عن كتابه: { هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ }.

ويصف قرآنه: { هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }.

.. هذا هو القرآن الذى أنزله الله فى هذا الشهر رمضان على قلب عبده محمد صلى الله عليه وسلم، ليتخذه خلقه دستورا لدنياهم وآخرتهم.. فتعالوا نتدبر آياته ونبحث فى معانيها لنعمل بمراميها.

{6} سورة الفجر الآيات (15-30)

نستكمل فى هذه الحلقة الحديث عن سورة الفجر، ونتناول الآيات (من الآية 15 حتى الآية 30).

بيان السورة:

﴿فَأَمَّا الإِنسانُ إِذا مَا ابتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقولُ رَبّي أَكرَمَنِ﴾ (15)

ولما كانت الأمم التي أهلكها الله منعمًا عليها بالقوة والمنعة، بيّن أن الإنعام بذلك ليس دليلًا على رضا الله عنهم، فقال:فأما الإنسان فمِن طَبْعِه أنه إذا اختبره ربه وأكرمه، وأنعم عليه بالمال والأولاد والجاه، ظنّ أنّ ذلك لكرامة له عند الله، فيقول: ربي أكرمني لاستحقاقي لإكرامه.

﴿وَأَمّا إِذا مَا ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَيَقولُ رَبّي أَهانَنِ﴾(16)

وأما إذا اختبره وضيّق عليه رزقه، فإنه يظن أن ذلك لهوانه على ربه فيقول: ربي أهانني.

﴿كَلّا بَل لا تُكرِمونَ اليَتيمَ﴾ (17)

كلا، ليس الأمر كما تصور هذا الإنسان من أنّ النعم دليل على رضا الله عن عبده، وأن النقم دليل على هوان العبد عند ربه، بل الواقع أنكم لا تكرمون اليتيم مما أعطاكم الله من الرزق.

﴿وَلا تَحاضّونَ عَلى طَعامِ المِسكينِ﴾ (18)

ولا يحثّ بعضكم بعضًا على إطعام الفقير الذي لا يجد ما يقتات به.

﴿وَتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلًا لَمًّا﴾ (19)

وتأكلون حقوق الضعفاء من النساء واليتامى أكلًا شديدًا دون مراعاة حلِّه.

﴿وَتُحِبّونَ المالَ حُبًّا جَمًّا﴾ (20)

وتحبون المال حبًّا كثيرًا، فتبخلون بإنفاقه في سبيل الله حرصًا عليه.

﴿كَلّا إِذا دُكَّتِ الأَرضُ دَكًّا دَكًّا﴾ (21)

لا ينبغي أن يكون هذا عملكم، واذكروا إذا حُرِّكت الأرض تحريكًا شديدًا وزُلْزِلت.

﴿وَجاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ (22)

وجاء ربك – أيها الرسول – للفصل بين عباده، وجاءت الملائكة مصطفين صفوفًا.

﴿وَجِيءَ يَومَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَومَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسانُ وَأَنّى لَهُ الذِّكرى﴾ (23)

وجيء في ذلك اليوم بجهنم لها سبعون ألف زِمام، مع كل زِمام سبعون ألف ملك يجرّونها، في ذلك اليوم يتذكر الإنسان ما فرَّط في جنب الله، وأنى له أن ينفعه التذكر في ذلك اليوم، لأنه يوم جزاء لا يوم عمل؟!

﴿يَقولُ يا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَياتي﴾ (24)

يقول من شدّة الندم: يا ليتني قدمت الأعمال الصالحة لحياتي الأخروية التي هي الحياة الحقيقية.

﴿فَيَومَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ﴾ (25)

في ذلك اليوم لا يُعَذِّب أحد مثل عذاب الله، لأن عذاب الله أشدّ وأبقى.

﴿وَلا يوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ﴾ (26)

ولا يُوثِق في السلاسل أحد مثل وثاقه للكافرين فيها.

﴿يا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ﴾ (27)

ولما ذكر الله جزاء الكفار ذكر جزاء المؤمنين فقال:وأما نفس المؤمن فيقال لها عند الموت ويوم القيامة: يا أيتها النفس المطمئنة إلى الإيمان والعمل الصالح.

﴿ارجِعي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرضِيَّةً﴾ (28)

ارجعي إلى ربك راضية عنه بما تنالين من الثواب الجزيل، مرضية عنده سبحانه بما كان لك من عمل صالح.

﴿فَادخُلي في عِبادي﴾ (29)

فادخلي في جملة عبادي الصالحين.

﴿وَادخُلي جَنَّتي﴾ (30)

وادخلي معهم جنتي التي أعددتها لهم.

وبعد هذا البيان المختصر للآيات نتعرف على بعض هدايات التدبر:

▪︎ (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)

لو تأمل المبتلى أن أحب الخلق إلى الله أشدهم بلاء لعلم أن إبتلاءه

قد يكون إكراما لا كما يوسوس له الشيطان من سوء ظن بربه!

▪︎ (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)

لا تفسر ما يصيبك من آلام وأحزان ومرض وفقر بأنه إهانة من الله لك , ولكنه اختبار كاختبار الغني , فيا فوز الناجحين .

▪︎ (كلا بل لا تكرمون اليتيم)

حفظ كرامة اليتيم أهم من إطعامه ؛ رسالة لمن يصورون المحتاجين أثناء الإحسان إليهم…

تأمل في (تكرمون) ولم يقل: رحمة أوعطف فلا بد أن يشعر بالإكرام كما تكرم الضيف، فله مكانته.

▪︎ (وتأكلون التراث أكلاً لما)

لم يقل (المال) لأن النفس الجشعة (تتلهف) لكل شيء يأتي بلا تعب ولو كان متاعا حقيرا (فلا صاحبها أغنت ولا لجوعها سدت)

▪︎ ( وتحبون المال حبًا جمًّا )

أحب شيء للإنسان في هذه الدنيا هو المال هذا المحبوب لن ينفع محبَه في الآخرة ولن يغني عنه من الله شيئًا .

▪︎ (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)

إن يقينك أيها العبد بمجيء الملك الجبار يوم القيامة للحساب , يدعوك إلي الاستعداد لذلك اللقاء , بكثرة الطاعات , والرغبة في الدار الآخرة .

▪︎ (يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى)

في الأوقات الحرجة ستتذكر ما تخاف منه فتخلص منه في أوقات الرخاء.

▪︎ (يقول يا ليتني قدمت لحياتي)

ما أتعس من أضاع  حياته بــ حياتهِ

▪︎ (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)

احرص على أنفاسك في هذه الدنيا..املأها بالإيمان والعمل الصالح من أجل حياتك التي لم تبدأ بعد .

▪︎ ﴿  فيومئذٍ لا يعذب عذابهُ أحد  ﴾  :

لا تجعل عذرك لفعل المعاصي أن الناس يفعلون !

ففي يوم القيامة ، الناس لن يعذبوا مكانك !

▪︎ (يا أيتها النفس (المطمئنة) )

إذا أردت أن تسمع هذا النداء فانتبه من أصوات الشكوك ومجالس الشبهات تزود من أسباب الطمأنينة.

هذا النداء لن تسمعه إلا نفس مطمئنة.

تأمل كيف ذكر الله عز وجل ( يا أيتها النفس المطمئنة )

في سورة ( الفجر ) ! لذا من أراد انشراح الصدر و اطمئنان النفس فليصل الفجر .

▪︎ (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي)

أيتها النفس كلما أوهنك التعب , وأوجعك الألم , تصبري بتذكر لحظة يقول لك فيها ربك : ادخلي جنتي .

نلتقي غدا إن شاء الله.. دمتم في رعاية الله وأمنه

 

زر الذهاب إلى الأعلى