د. إسلام جمال الدين يضع روشتة لمواجهة الأسعار والتضخم الناتج عن الأزمة الروسية الأوكرانية
(الملخص):
أثر الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاديات العالم وارتفاع معدل التضخم العالمي في دول العالم المختلفة ومصر والحديث عن أسباب حدوث التضخم وارتفاع نسبة التضخم لشهر مارس في مصر والتنبؤ بنسبة التضخم لشهر أبريل ووضع روشتة علاج لتخفيض معدل التضخم في مصر
(الموضوع):
في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، تُعاني اقتصاديات دول العالم المختلفة حاليًا من الآثار الاقتصادية لهذه الحرب؛ ومع ارتفاع أسعار الطاقة وتعطل سلاسل توريد الغذاء، أدى ذلك إلى ارتفاع معدل التضخم الأوروبي، وفى أماكن أخرى من العالم، لمستويات قياسية، ما مدى تأثير الأزمة على العالم، وعلينا بالتبعية.. وما هو المتوقع فيها خلال الأيام القادمة؟
يقول د. إسلام جمال الدين شوقي، الخبير الاقـتصادي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، ارتفعت معدلات التضخم فى دول الاتحاد الأوروبى، عن شهر مارس الماضى (2022) ليسجل 7,5% وفقًا للمكتب الإحصائي في الإتحاد الأوروبي بعد أن كان 5,9% في فبراير من نفس العام الحالى.
أسعار الطاقة
وأضاف د. شوقى أن أكبر ارتفاع في الأسعار، جاء من نصيب الطاقة فقد قفز سعرها نحو 44% في شهر مارس 2022 بالمقارنة بشهر فبراير حيث كانت نسبة الزيادة 32%، وإلى جانب ارتفاع الطاقة، ارتفعت باقي أسعار السلع والخدمات، ولكن بنسبة أقل بحوالي 5% وهى قريبة من شهر فبراير 2022.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فالدول التي تتعامل مع أوكرانيا وروسيا كشركاء تجاريين ستتأثر وبالتالي، فإن آثار الأزمة ستكون ملموسة – وإن كانت بدرجات متفاوتة – على اقتصادات المنطقة، وستكون لها تبعات سلبية مُضاعفة على مستويات الأمن الغذائي والرفاه، فضلاً عن جائحة كورونا، وتعطُّل سلاسل الإمداد.
القطاعات التى تأثرت
وعلى هذا الأساس يمكن أن نلخص الأزمة الروسية الأوكرانية في 5 قطاعات وهي:
– صدمات أسعار الغذاء (خاصةً القمح).
– زيادات في أسعار النفط والغاز.
– عزوف المستثمرين عن المخاطر والبحث عن الاستثمارات الآمنة مما قد يؤثِّر على تدفقات رؤوس الأموال الخاصة على الأسواق الناشئة حيث هناك قاعدة معروفة بأن رأس المال جبان.
– تحويلات العاملين بالخارج.
– السياحة.
وفي ظل الاعتماد الأوروبي على مصادر الطاقة الروسية، فإن المصالح الروسية والأوروبية متعلقة ببعضها البعض، وفي ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا فإن الآثار الاقتصادية لهذه العقوبات ستنعكس على كل من روسيا وأوروبا؛ حيث هناك 3 عوامل رئيسية من المؤكد أنها ستزيد من التضخم خلال الفترة المقبلة وهي:
– استمرار الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة.
– ازدياد الضغوط التضخمية في الغذاء.
– تعثر بعض قطاعات الصناعة، وقد يترتب على التضخم تخفيض الإنفاق وهذا معناه أن تحدث بعض المشاكل التي ستواجه أصحاب الشركات لأنّ مبيعاتهم سوف تنخفض وبالتالي ستنخفض أرباحهم وينعكس هذا كله على الموظفين.
الاقتصاد المصري
ولقد أدت الظروف العالمية إلى الضغط على الاقتصاد المصري مما أدى إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين إلى مستويات قياسية لم نصل إليها منذ 2017، وسط ضغوط ارتفاع الأسعار العالمية وتعطل سلاسل إمداد الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة والنقل وانخفاض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي على مستوى الجمهورية خلال شهر مارس 2022 مسجلًا 12,1% مقابل 4,8% لنفس الشهر من العام السابق، ومقارنةً ب 10% في شهر فبراير، بحسب ما أظهرته بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ولقد تخطى معدل التضخم السنوي في المدن مستهدفات البنك المركزي المصري بعد أن ارتفع إلى 10.5% مقابل 8.8% في فبراير، حيث يستهدف البنك المركزي معدل التضخم السنوي في المدن عند مستوى 7% (بزيادة أو نقصان 2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من 2022.
تزايد التحديات
ويمكن الجزم بأنه سوف تتسارع وتيرة التضخم في مصر خلال الفترة القادمة في ظل تزايد التحديات الاقتصادية على كلٍ من المستوى المحلي والمستوى الدولي متأثرةً بالظروف الاقتصادية العالمية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ويجب أن يواكب ذلك في المقابل إجراءات من قِبل البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة.
ومن المتوقع أن يرتفع معدل التضخم السنوي على مستوى الجمهورية خلال شهر أبريل 2022 مسجلًا 16,8% مقارنةً بـ12,1% في شهر مارس 2022، ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب منها خارجية مثل استمرار نقص الإمدادات العالمية للسلع وارتفاع أسعار الطاقة والنقل وارتفاع الدولار المفاجيء مقابل الجنيه بمعدل 16% في نهاية مارس مما سيؤثر على ارتفاع تكلفة الاستيراد.
أما الأسباب الداخلية فيمكن أن تتضح في عدة عوامل منها ارتفاع تكلفة الوقود نتيجة ارتفاع السعر العالمي فالجميع في انتظار قرار لجنة تسعير المنتجات البترولية والتي من المرجح أن تقوم برفع سعر المحروقات نظرًا للارتفاع العالمي، وهو مايعني مزيد من الارتفاع في مؤشرات التضخم في الفترة المقبلة.
زيادة الاستهلاك
وهناك أسباب أخرى مثل إقبال المواطنين على شراء السلع، وزيادة الاستهلاك، بسبب شهر رمضان مما سيؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة واللحوم والدواجن والأسماك وغيرها، وأيضًا الإقبال على شراء الملابس من أجل الاستعداد للعيد، بجانب التكاليف المعيشية الأخرى من مياه وكهرباء وغاز طبيعي ونقل ومواصلات.
روشتة خفض معدلات التضخم
ويصف الخبير الاقـتصادي روشتة لخفض معدلات التضخم، في مصر، فيقول إنه يجب استمرار مراقبة البنك المركزي المصري للتطورات في السوق المحلي والأسواق العالمية والتدخل بما له من سلطات وآليات لضبط السوق النقدي خاصة ًبعدما تخطى معدل التضخم السنوي في المدن مستهدفات البنك المركزي المصري.
وإذا ظل معدل التضخم السنوي في الارتفاع وظلت معدلات التضخم في نهاية أبريل مرتفعة فإنه يتوجب عليه في الاجتماع القادم في شهر مايو برفع معدل الفائدة في حدود 200 نقطة أساس أي يزيد معدل الفائدة بمعدل 2% خاصةً في ظل ترقب رفع سعر الفائدة من الفيدرالي الأمريكي بمعدل 0,5 % في الاجتماع القادم أول مايو مما سينعكس على اقتصاد دول العالم ويضطرها إلى رفع سعر الفائدة.
ويضيف د. شوقى أنه من أجل السيطرة على معدل التضخم والعمل على تخفيضه يجب أيضا قيام جهازي حماية المستهلك وحماية المنافسة بلعب دورًا أكثر صرامة في مواجهة جشع التجار والمحتكرين خاصةً فيما يخص السلع الاستهلاكية والتي يعتمد عليها المواطن بصفة أساسية في حياته اليومية حيث يستهدف بعض التجار احتكار السلع الأساسية بغرض تحقيق الربح المضاعف مما يؤدي إلى تعطيش الأسواق وهو ما يتسبب في ارتفاع التضخم، ويجب على الحكومة تنظيم العملية التنافسية ومنع الممارسات الاحتكارية خاصةً في السلع الاستراتيجية.
كما يجب على الحكومة أيضًا احتواء التضخم من خلال تسهيل دخول منتجين جدد في الأسواق التجارية وهو ما سوف يساهم في تراجع التضخم، ولقد قامت الحكومة في الفترة الماضية بتوفير السلع الأساسية من خلال منافذ وزارات الدفاع، والداخلية، والتموين، وطرحها للمواطنين بأسعار مناسبة في محاولة للتصدي لجشع التجار، ولكن المطلوب المزيد من الإجراءات والتشديد على الأسواق ومراقبتها وحمايتها جيدًا.
ويواصل د. شوقى فيقول إن الأمر يتطلب أيضًا أن تمتلك الدولة رؤية استراتيجية في ظل التغيرات والتقلبات العالمية من أجل كبح معدلات التضخم من خلال تكاتف جميع الأجهزة الحكومية والرقابية والتشريعية من خلال عدد من الآليات مثل تخفيض تكاليف الإنتاج والخدمات المقدمة، والعمل على إحداث نوع من التوازن بين الإنتاج والاستهلاك من خلال زيادة الإنتاج وترشيد الاستهلاك وتشغيل المصانع المتعثرة حيث أن مكمن الداء في حدوث التضخم في مصر يكمن في السلع الغذائية والتي يتم استيرادها من الخارج لسد العجز في الإنتاج، لذا يجب العمل على تشجيع الإنتاج وزيادة التصنيع المحلي بدل الإستيراد من الخارج مما سيساعد على خفض معدل التضخم.