لواء د. سمير فرج يكتب: هل أصبح الغاز والنفط سلاح جديد بعد الحرب الالكترونية
فجأة أصبحت أخبار الغاز والنفط تتساوي مع أخبار ونتائج الحرب بين روسيا وأوكرانيا وأصبح العالم يتابع أسعار الغاز والنفط بشكل يومي ويكفي أن أعطي مثالاً واحداً أن سعر جالون البنزين (4 لتر) في الولايات المتحدة الأمريكية قبل الحرب الأوكرانية كان 3 دولار.
وهذا الاسبوع قفز السعر ليصل الي خمسة دولارات، هذا في الولايات المتحدة، الدولة المنتجة للبترول ومابالك بدول العالم الثالث الفقيرة بل وأصبح الفرد الأمريكي يتساءل أن زيادة أسعار البترول أثرت علي عمليات النقل، وبالتالي زادت الاسعار ومعدلات التضخم في أمريكا وبنظرة الي الغاز الطبيعي نجد أن روسيا التي هي أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي في العالم بامكانيات 240 مليار متر مكعب وتليها الولايات المتحدة بقيمة 140 مليار متر مكعب .
ويظهر أن هناك فارق كبير وبعدهم تأتي قطر والنرويج واستراليا وكندا والجزائر ونيجيريا والآن فإن روسيا تقوم بتوريد 40% من احتياجات الغاز الطبيعي الي دول أوروبا من خلال خطوط الانابيب ولعل أحدثهم هو خط “نورديم ستريم2” الذي تكلف 10 مليارات دولار تحملت روسيا 5 مليارات والباقي من الشركات الالمانية وتستورد ايطاليا 46% وصربيا 89% وفنلندا 90% وبلجيكا 77% المانيا 49% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا لذلك أصبحت روسيا تسيطر علي تجارة الغاز الي أوروبا.
كل هذا الغاز يصل الي الدول الاوروبية من خلال خطوط الانابيب وحاولت أمريكا إقناع الدول الأوروبية بإيقاف استيراد الغاز الطبيعي من روسيا لكن فشلت كل هذه المحاولات حتي عندما اعلن بوتن أنه سوف يتسلم ثمن الغاز الروسي بالروبل ووافقت معظم هذه الدول إلا هولندا فقرر بوتن قطع الغاز عنها والمشكلة حالياً تبرز في أن الولايات المتحدة طلبت من قطر ودول الخليج ومصر وإسرائيل زيادة انتاجها من الغاز الطبيعي لتعويض دول غرب أوروبا عن غاز روسيا لكن معني ذلك استلام الغاز المسال وليس الغاز الذي يصلها عبر خطوط الانابيب لذلك أصبح علي دول أوروبا الفترة القادمة بناء محطات اسالة لاستلام الغاز الجديد وبدون النظر الي تكاليف إنشاء هذه المحطات إلا أن المدة الزمنية لإنشاء هذه المحطات قد يستغرق أكثر من عام كذلك سيكون سعر الغاز الجديد أغلي من الغاز الروسي الذي تستورده أوروبا من خلال خطوط الانابيب حيث سيتم اسالته في بلد التصدير ثم نقله بالسفن المخصصة ثم إعادة تسييله في أوروبا.
كل هذه الاجراءات هي تكاليف جديدة لم تكن موجودة عندما تم استيراد الغاز الروسي من خلال خطوط الانابيب الموجودة مع ارتفاع تكاليف استيراد الغاز سوف ترتفع معها اسعار باقي المنتجات وبالتالي يزيد التضخم.
وعلي الطرف الأخر ستبدأ الصين واليابان استيراد الغاز الروسي وهذا يعني زيادة اسعار هذا الغاز لهم بديلا عن نفط منطقة الخليج العربي وفي هذا الاطار بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التفكير في غاز بحر المتوسط حيث اعلنت وزيرة الطاقة الاسرائيلية أن هناك مذكرة تفاهم بين الاتحاد الاوروبي ومصر واسرائيل لتصدير الغاز الي اوروبا واعلنت اسرائيل قيامها بطرح جولة أخري من التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط وهنا ظهرت مشكلة جديدة، حيث أن اسرائيل تستخدم البلوك رقم “9” في المياه الاقتصادية اللبنانية والتي تعتبره اسرائيل منطقة متنازع عليها وحاولت لبنان في الفترة السابقة إدخال الولايات المتحدة كوسيط بينها وبين اسرائيل لحل هذه المشكلة لكن بالطبع كانت اسرائيل تتهرب من هذه المواجهة وهذا الاسبوع قامت اسرائيل بإدخال سفينة تنقيب الي حقل كاريش الاسرائيلي في المنطقة المتنازع عليها وفجأة تدهور الموقف حيث أعلن حزب الله أنه لن يسمح باستغلال المياه اللبنانية واستخراج الغاز لذلك قررت الولايات المتحدة الأمريكية ارسال مندوبها للمنطقة لمحاولة ايجاد حل لمشكلة المنطقة المتنازع عليها وحل الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل.
وعلي الطرف الآخر اعلنت الولايات المتحدة تدعيمها لقيام شركات التنقيب الأمريكية بالبدء في التنسيق مع وزارة البترول المصرية للدخول في مناقصات ليخصص لها مناطق للبدء في استخراج الغاز من منطقة شرق المتوسط ومنطقة شمال الدلتا ومنطقة الصحراء الغربية.
وفي منطقة شمال غرب افريقيا نشب خلاف سياسي بين اسبانيا والجزائر بسبب موقف الجزائر سياسياً من مشكلة الصحراء الغربية ووقوف اسبانيا مع المغرب في مشكلتها وهنا قررت الجزائر ايقاف التعاون الموجود مع اسبانيا وكانت اسبانيا تستورد الغاز من الجزائر فأصبحت اسبانيا في مشكلة أخري استدعت قيام الاتحاد الاوروبي بالاتصال بالجزائر لابلاغها بضرورة الا تتحكم المشاكل السياسية في أي محاولة لقطع الغاز عن اسبانيا.. هذا الأمر اعتبرته الجزائر تدخلاً في شئونها الداخلية عموما اعلنت اسبانيا أن الغاز الجزائري مازال يصل اليها حتي الآن كما اعلنت الجزائر أن المشاكل السياسية لن تتدخل في العقود الاقتصادية.
وهكذا أصبح الغاز أحد الأخبار الرئيسية هذه الأيام وأتوقع شخصياً أن تقوم تركيا الفترة القادمة بارسال سفن تنقيب عن الغاز في منطقة قبرص التركية.. هذه المشكلة التي كانت قد بدأت في الأعوام السابقة وتوقفت بعد تدخل الاتحاد الأوروبي حيث قام بتأييد دولة قبرص الأوروبية خاصة هذه الأيام حيث يعاني أردوغان من مشاكل اقتصادية كبيرة من التضخم وارتفاع الاسعار والبطالة وتهاوت اسعار الليرة التركية الي سعر لم يحدث منذ سنوات طويلة واعلان أردوغان أنه سيدخل الانتخابات القادمة رئيساً لتركيا لذلك فإنه يبحث حالياً علي تصفية الخلافات مع باقي الدول وبدأها بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج وجاري محاولة تنقية الاجواء مع مصر ويبقي مشكلة الوضع الاقتصادي السئ الذي سيكون أحد عوامل الانقاذ هو التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط أمام سواحل قبرص التركية.
وتبقي مشكلة خط الغاز العربي الجديد الذي بدأ من مصر ثم الي الاردن في ميناء العقبة الاردني حيث كانت مصر تصدر الغاز الي محطة كهرباء الاردن بالعقبة الي سوريا ومنه الي لبنان خاصة أن سوريا من المنتظر عندما تستقر الاحوال فيها أن تستخرج الغاز من حقولها حيث أن الدراسات الأمريكية الجيولوجية تؤكد وجود الغاز الطبيعي في سوريا سواء في الاراضي أو في منطقة شرق المتوسط كما سيمتد هذا الخط ليصل الي لبنان نظراً لحاجة لبنان الماسة الي الغاز الطبيعي ونظراً للقيود التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية علي لبنان فإن لبنان تطلب حاليا من أمريكا رفع الحظر عنها حتي يمكنها استيراد الغاز لتشغيل أولا محطات الكهرباء نظرا لسوء موقف الكهرباء في لبنان.. ومن المنتظر أن تكون أولي الدول المصدرة للغاز الطبيعي الي لبنان هي مصر وهكذا أصبح الغاز الطبيعي والنفط أهم المشاكل التي يدور حولها العالم حالياً وخاصة بعد الحرب الأوكرانية الروسية والذي نؤكده هنا ضرورة أن يكون لمصر قوات مسلحة قوية قادرة علي تأمين هذه الاستثمارات في البحر المتوسط ثم البحر الاحمر لتأمين خط الملاحي قناة السويس حيث أن التهديدات التي تظهر كل يوم تؤكد بعد نظر القيادة المصرية في تدعيم قواتها المسلحة وبالذات قواتها البحرية وإنشاء الاسطول البحري الشمالي في البحر المتوسط والاسطول البجري الجنوبي في البحر الاحمر ومن هنا كانت هناك ضرورة ماسة وملحة لشراء حاملات المروحيات الميسترال والغواصات الالمانية والطائرات الرافال لتحقيق الأمن القومي المصري وخاصة لتأمين الاستثمارات في البحر المتوسط.