أحمد عاطف آدم يكتب: بيد القدر لا بيدي
يبدو أن التطور المُتلاحق القادم من أوروبا، لن يتوقف عند مجال بعينه، سواءً طبي أو تكنولوجي أو اقتصادي، بل سيطال أيضًا سن قوانين لترخيص الهلاك، بعدما سمح تشريع إيطالي سنَّتَه المحكمة الدستورية الإيطالية في عام ٢٠١٩، وهي أعلى هيئة قانونية في البلاد، لإباحة الانتحار كاستثناء للمرضى الذين بقوا على قيد الحياة، وهم يتداووا بعلاج لأمراض مزمنة، لا يتم الشفاء منها، وتعتبر مصدر معاناة جسدية ونفسية غير محتملة. هذا بحسب الخبر الذي نشره موقع “اليوم السابع” مؤخرًا،، عن السماح لأول مواطن إيطالي، يدعى “فيديريكو كاربوني” وشهرته “ماريو”، بأن يستخدم إصبعه الوحيد، الذي بقى يتحرك، في الضغط على مضخة تسريب لحقن دواء مميت إلى شرايينه، تحت إشراف طبي من الطبيب “ماريو ريتشيو”.
وترك المنتحر رسالة مسجلة قبل وفاته بدقائق، نقلت نصها صحيفة “الريفورميستا” الإيطالية، قائلًا: “كونى الأول فى إيطاليا، استغرق الأمر مني ٢٠ شهرًا، لكني آمل أن يستغرق الأشخاص القادمون، الذين يتبعون طريقى، وقتًا أقل بكثير”. وكان كاربوني البالغ من العمر ٤٤ عامًا، يعمل سائقًا لشاحنة، قبل أن يصاب بالشلل الرباعي في عام ٢٠١٠ ، بعد حادث مروري عرَّضه لكسر في العمود الفقري، ثم طلب مرارا من السلطات الصحية، الحصول على إذن باللجوء إلى المساعدة على الانتحار، وتم رفض هذا الإذن، حتى تدخل فريق من المحامين التابعون لجمعية محلية، يطلق عليها اسم “Luca Coscioni”،، وهي منظمة ناضلت للدفاع عن الحق في الموت، لتهب “ماريو” مراده من الانتحار.
وبينما تزداد حالات الانتحار بين الشباب في المنطقة العربية بوجه عام، كان آخرها حادثة شاب مصري من محافظة الدقهلية، سقط بسيارته من أعلى أحد كباري مدينة المنصورة، تاركًا هو الآخر رسالة على الفيس بوك قال فيها: “أشوفكم بخير وابقوا افتكرونى، وأبويا ما يمشيش فى جنازتى بالله عليكم”.. والغريب أن الشاب نفسه قبل الإقدام على تنفيذ واقعة انتحاره، أعرب عن حزنه الشديد بسبب مقتل الطالبة “نيرة” بآداب المنصورة، على يد زميلها منذ ساعات، حيث نشر الشاب المنتحر صورة الفتاة معلقًا: “يبكى قلبى حزنا عليكِ وأنا لم أعرفك فما حال أمك، ربنا يرحمك ويسكنك فسيح جناته”، بل والمدهش حقًا عزيزي القاريء ويدعونا للتأمل، هو تضامنه وتعاطفه الشديد مع حال أم الفتاة المقتولة غدرًا، ثم يقدم بعدها على حرق قلب أهله والمجتمع بأسره بفعلته النكراء.
في النهاية، ومهما ضاقت بنا الحياة أُذَكِّرُ كل أبناء وطننا الحبيب، بقول الحق سبحانه وتعالى في سورة هود، بسم الله الرحمن الرحيم – {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} صدق الله العظيم، ستظل الحياة هكذا أيها الشباب عبارة عن اختبار إيمان، تُقدر درجاته بالصبر، وتحدي الصعاب بعزيمة الأبطال، بالتواصل المستمر مع الأهل، وبالتقرب إلي الله بالصلاة،، بحب الحياة والإيمان بأنها وسيلة لا يجب التخلي عنها مهما تقطعت بنا السبل، حتى نصل لحسن الخاتمة ولنا الأجر الكبير عند الله،، وللأهل أقول: لا تفقدوا حلقة الوصل بينكم وبين أبنائكم، لا تجحدوهم، ولا تجعلوهم يكفرون بحقهم في الاحتماء بكم من ضعفهم، فيستأسد عليهم ويهزمهم.