د. قاسم المحبشى يكتب: خبرة تعلم التفكير والبحث والكتابة
من تقاليد الدراسات العليا في قسم الفلسفة بجامعة بغداد في الماجستير والدكتوراه تكليف الطلاب بعمل دراسات بحثية تتصل بالمواد التي يدرسونها.
وكان من حسن حظي أن استنهج ستة مواد دراسية لترميم الماجستير الذي قدمت به من جامعة عدن رغم أن ذلك كان متعبا جدا.
إذ كان عليّ دراسة تلك المواد في ذات السنة التحضيرية للدكتوراة، واتذكر أنني درست الفلسفة اليونانية على يد الأستاذ الدكتور ناجي التكريتي وقدمت دراسة بحثية عن أسطورة جرجيس في جمهورية أفلاطون ودرست فلسفة العلم على يد الاستاذة فاتن حمدي وكتبت عن مفهوم الباراديم عند توماس كون ودرست فلسفة الدين على يد الأستاذ الدكتور مجيد طراد الدليمي وكتب دراسة نقدية عن الماركسية والدين ودرست التصوف على يد الأستاذ الدكتور عبدالقادر موسى وكتبت دراسة عن الحقيقة والشريعة عند الحلاج لازلت محتفظا ببعضها ولم تسعفني الذاكرة بالمواد الأخرى.
تلك الدراسات البحثية فضلا عن رسالة الماجستير التي اعددتها بإشراف الأستاذ الدكتور أحمد نسيم برقاوي عن الوجود والماهية عند جان بول سارتر كانت بمثابة التجربة العملية التي اكسبتني الخبرة والتقنية في ممارسة الكتابة البحثية في دروب الفلسفة الوعيرة.
وحينما أعود اليوم إلى قراءة ما سبق وأن كتبته في ذلك الزمن أجدها دراسات قابلة للنشر والتوثيق بعد ترميمها وتصحيحها وبالمقارنة مع ما يتم تعليمه لطلاب الدراسات العليا في بعض أقسام الفلسفة العربية أشعر بإننا تخلفنا أكثر مما كان متوقعا.
وكثير من طلاب الدراسات العليا اليوم لا يوافرون على المفاهيم الأسياسية للمواد التي يدرسونها. إذ من المهم لطالب الدراسات العليا أن يكون مستعدا للجواب على أي سؤال محتمل من حقل تخصصه حتى وأن لم يدرسه في السنة التحضيرية، مثلا:
إذا كنت طالباً للتاريخ القديم فمن المفترض أن تكون مهيئا للجواب عن أي سؤال عن الحضارات القديمة!
وإذا كنت طالبا في الفلسفة فلا عذر لك من معرفة وفهم تاريخ الافكار الفلسفية برمته.
والعبرة من الامتحان الشامل هي اختبار القدرة المعرفية المنهجية والنظرية لدى طالب الدكتوراه في مقاربته للسؤال بطريقة نقدية بما يثبت حقاً وفعلاً أنه بات قادرًا على التفكير والكتابة في قضايا وموضوعات تخصصه العلمي بوصفه عالماً ومفكراً مستقلاً يعتمد على عقله الخاص وليس الكتب والمراجع والملازم والمحاضرات التي قرأها أثناء دراسته.
أنه امتحان لما بقى في الرأس وليس لما حفظه من الكراس!