أمل أمين تكتب: لماذا يتراجع التعليم الفني في مصر ؟
منذ حوالي أسبوعين سمعت قصة طريفة عن إحدى الأمهات التي ترغب في إدخال ابنتها التي أنهت المرحلة الإعدادية إلى مدرسة فنية والابتعاد عن مشاكل التعليم الثانوي ومتاعبه.
في قرارة نفسي باركت قرار السيدة وشجاعتها خاصة أنه أصبح من الصعب أن تجد فنيا محترفا يقوم بما تطلب من إصلاحات سواء في السباكة أو الأجهزة الكهربائية والسيارات وغيرها.
وإذا طلبت أحد هؤلاء الفنيين فعليك أن تنتظر في طابور طويل حتى يتم إصلاح المطلوب وبنسبة كبيرة لن تكون الإصلاحات على المستوى اللائق.
وربما يكون السبب الرئيس في عدم وجود “صنايعي” ماهر أن معظمهم قد ورثوا المهنة عن آبائهم أو كانوا معاونين – صبي معلم – أي أنهم لم يتعلموا وفقا لأسس علمية وبالطبع تقل المهارة مع تغير التكنيكات وأنواع الخامات عبر الأجيال، مما يسبب معاناة وحوادث عديدة للأسرة المصرية المضطرة للتعامل مع هؤلاء المخادعين ودفع فاتورة عدم كفاءتهم.
وإذا قارنا احتياج الأفراد مع احتياج الدول نجدها تتعاظم بل تصل إلى درجة الضرورة القصوى فلا يمكن النهوض بالصناعة أَيًّا كان المجال دون وجود أيد عاملة مدربة ومحترفة وقادرة على تطوير نفسها وتعلم الجديد في صيانة الآلات واستخدامها.
على سبيل المثال إذا قرأنا الإحصائيات في مصر نجد أنها من أكثر الدول العربية احتياجا إلى الفنيين المدربين ويعود ذلك إلى محاولة مصر توسيع رقعة الأراضي الزراعية بالإضافة إلى التوسع في المنشآت الصناعية، والمشاريع القومية الكبرى، وذلك يعني زيادة الطلب على الأيدي العاملة المدربة جيدًا مما يزيد العبء على مؤسسات الدولة التعليمية المختصة.
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وصلت مساحة الأراضي المزروعة عام 2017/2016 إلى 9.1 ملايين فدان منها 59.2 ألف فدان تم استصلاحها فقط في عام 2017/2018. بينما وصلت عدد المنشآت الصناعية في الربع الرابعة من عام 2018 إلى 3163 منشأة، 314 منشأة بالقطاع العام/ الأعمال العام بنسبة 9.9 % مقابل 2849 منشأة قطاع خاص بنسبة 90.1 %. بعدد مشتغلين قوامها 883940 مشتغلًا ما بين قطاع عام وخاص.
وخلال الأيام الماضية حاولت الاستماع لخريجين من مدارس التعليم الفني وبالفعل حالفني الحظ حيث قادتني الظروف للاستماع إلى قصتين من جيلين مختلفين الأول المهندس سمير في الستين من عمره، حصل على منحة من مؤسسة “مصطفى محمود” التعليمية وسافر إلى اليابان لتعلم صيانة الأجهزة الطبية واستمر في التعليم حتى دخل كلية الهندسة في حلوان ليتخصص في أجهزة الأشعة المقطعية.
كان المهندس سمير فخورا بنفسه وعمله وتطوره المهني فقد حصل على أكثر من دورة تدريبية في إنجلترا وألمانيا.
القصة الثانية لمروة شابة في العشرينيات من عمرها خريجة مدرسة مبارك كول للتعليم الفني وتعلمت فيها الخياطة وصيانة ماكينة قطع الملابس.
وخلال الدراسة عملت مروة في أحد مصانع الملابس الضخمة كنوع من التدريب وبعد التخرج اتجهت لتدريس العمل على ماكينة الخياطة وكيفية صيانتها لكن العائد البسيط جعلها تعود للعمل مرة أخرى في تصنيع الملابس، كما بدأت في دراسة الهندسة في جامعة خاصة.
قصة ناجحة لفتاة قوية لكنك تستطيع أن تشعر بالإحباط في كلامها لأن ما توقعته أختلف عن النتيجة النهائية فقد تمنت مروة أن تحصل على منحة لدراسة الأزياء في فرنسا لكن هذا لم يتحقق ولهذا قررت أن تدرس على حسابها الخاص، وهو ما يطرح سؤال هل تراجع الدعم المادي لخريجي التعليم الفني ؟!
الإجابة: لا، بل على العكس فقد شهد التعليم الفنى خلال عام 2021، زيادة فى مخصصاته المالية بنسبة 233،3% لتصل لـ 50 مليار جنيه عام 2021/2022، كما زادت فصول مدارس التعليم الفنى بنسبة 8،7%، حيث وصلت 50،1 ألف فصل عام 2020/2021 فلماذا يستمر تراجع الاستفادة من خريجي مدارس التعليم الفني ؟!
ولعلنا نُلخص أزمة التعليم الفني بمصر في عدة نقاط لعل أهمها قضية تدني نظرة المجتمع إلى التعليم الفني فما زالت الصورة الذهنية الراسخة في المجتمع أن تلك المدارس مكان لتجمع هؤلاء الطلبة الذين لم يُحالفهم الحظ في الحصول على مجموع عال في الشهادة الإعدادية مما يحول دون التحاقهم بالتعليم العام.
النقطة الثانية يوجد ضعف في استقطاب المعلمين المهرة والمؤهلين في بعض التخصصات للعمل في تلك المعاهد والمدارس.
وثالثا لا يوجد خطة واضحة تربط احتياجات سوق العمل ومتطلبات التعليم والتدريب، مما يؤدي إلى عدم التوازن بين العمالة الحرفية والفنيين والمهندسين الخريجين من ناحية واحتياجات سوق العمل من ناحية أخرى.
وعليه فإذا كان هناك رغبة حقيقية لإصلاح التعليم الفني فمن الضروري إيجاد محفزات للالتحاق به، مع ربط احتياجات السوق الفعلية بعدد الخريجين وتخصصاتهم، كذلك لا بد من توفير مشروعات مدعمة للخريج بحسب تخصصه لحل مشكلة البطالة على أن تُراعى فكرة توزيع التخصصات النوعية على المحافظات كَلَّ حسب الطبيعة الجغرافية والميزة النوعية لكل محافظة، وإنشاء المدارس المتخصصة في مناطق الاستصلاح مثل مناطق الاستصلاح الزراعي أو أماكن مشاريع الإنتاج الحيواني والاستزراع السمكي.
كما أنه من الضروري تعزيز التعاون مع القطاع الخاص، وإعداد منظومة تدريبية تستهدف تبني رجال الأعمال لعدد من الخريجين يتم تدريبهم في مصانعهم وشركاتهم، وإذا كانت معظم الشكاوى من عدم وجود أيد عاملة مدربة على النحو الذي يتوافق مع متطلبات سوق العمل صادرة عن رجال الأعمال فمن الأوقع إشراكهم في صياغة خطة تنفيذية وإدخال تعديلات هيكلية في منظومة التعليم الفني للارتقاء بمعاهد ومدارس التعليم الفني والصناعي في مصر لتلبي احتياجات المصانع والورش الفعلية.
ختاما أن أفكارنا هي أكثر ما يحركنا ومن هنا فعلى وسائل الإعلام وقادة الرأي أن يعملوا على نشر الوعي بأهمية الحرف والمهن الفنية واحترام العاملين بها.
وفي اعتقادي أن أكبر عائق يقف أمام تطور العمل الفني والمهني هو تدهور النظرة المجتمعية لهما وإذا كنا نرغب في تغيير تلك النظرة فعلينا أن نبدأ بالأسرة فبدلا من أن تبكي الأمهات على الدرجات والمجاميع المتدنية وتظهر حالات الانتحار بين أوساط المراهقين واللهاث وراء كليات القمة فلماذا لا نغير اتجاهنا و عقولنا ونبحث عن ارتقاء بلادنا وتطورها عن طريق الالتحاق بالتعليم الفني فلا تبكي يا ولدي على عدم التحقاقك بالثانوي العام بل أمامك فرص أكبر أن تبني بلدك.