نحن والصين (1من3) الطريق الثالث للوصول إلى «شينجيانج»
سردية يكتبها: عاطف عبد الغنى
قبل عامين تقريبا وقعّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مشروع قانون بشأن “سياسة حقوق الإنسان الويجور (الإيجور) لعام 2020″، فى هذا التاريخ، كان المصريون، فى هذا التاريخ، ومازالوا، يجهلون الكثير عن قضية “شينجيانج” وهى منطقة ذاتية الحكم، كبيرة جغرافيا، قليلة السكان، ويعيش فيها أقلية مسلمة تبلغ حوالى 11 مليون نسمة حسب الإحصائيات المتاحة.
أؤكد أن معلومات المصريين عن “شينجيانج والمسلمين الذين يعيشيون فيها” ضئيلة جدا إلا من بعض الفيديوهات القليلة المنتشرة، على موقع الفيديوهات الغربى الشهير “يوتيوب” الأعلى مشاهدة فى الدول العربية ومصر، والمادة الفلمية (الوثائقية والفيديوجراف) هى أسهل وسيلة والأكثر رغبة فى الوصول لمعرفة سهلة، تلك التى تشكل وعى العوام، حيث الثقافة الغالبة الآن بصرية، أى من خلال الصور المتحركة والثابتة أكثر من الكلمة، وغالب من يتبع هذه الطريقة فى المعرفة، لا يدقق كثيرا فى المحتوى المقدم، ولا يتتبع مصدره الأصلى أو يخضعه للفحص إلا القليل جدا من المشاهدين ذات الثقافة العالية.
وما سبق لا يمنع أن هناك من المتعلمين والنخبة من لا يقبل هذه المواد بأريحية، وهو مستعد لأن يتقبل وجهة نظر أخرى فى أى موضوع إذا كانت مقنعة.
وقبل ان نغادر هذه المحطة لابد أن نشير إلى أن المادة التى تحملها هذه “الفيديوهات” المنتشرة على “يوتيوب” والتى تمثل الطريق الأول لمعرفة تفاصيل القصة التى نحن بصددها، وهى “قصة الإيجور، سكان إقليم شينجيانج”، والسؤال: كيف تتناولها ؟
الطريق الأول:
باختصار تتناول هذه الفيديوهات القصة حسب النموذج الذى نقدمه فى التالى، وهو أحد الفيديوهات ويحمل عنوان: “معاناة الإيجور فى الصين”، وفى الشرح المختصر المصاحب على صفحة “يوتيوب” للفيديو المنشور بتاريخ: 17/12/2019
نقرأ الآتى: “السلطات الصينية متهمة بتعذيب مسلمون الإيغور من القمع والاضطهاد ضدهم هدمت مساجدهم التي يصل عمر بعضها إلى مئات السنين ومنعوا من الصلاة أو الصوم أو ارتداء الحجاب لنتعرف على قصة الإيغور، سكان إقليم “شينغيانغ” الذي سيطرت عليه الصين عام 1949″.
ويبدأ الفيديو بعرض بعض اللقطات المصورة لهدم مسجد، ولقطات مقتطعة من فيديوهات تحمل الرسم المشهور لـ “هيئة الإذاعة البريطانية BBC” ومن مصادر أخرى، مثل قناة “فرانس 24” وغيرها من الفضائيات الأوروبية، الناطقة بالعربية، وصور ثابتة مقتطعة من سياقها العام، يأتى صوت المعلق الذى يميل إلى لهجة عربية مشهورة فى دبلجة المسلسلات التركية، وبمدخل مثير للشفقة والتعاطف يبدأ، المعلق تعليقه بكلمات تثير العاطفة الدينية، فيقول: “هدمت مساجدهم، التى يصل عمر بعضها إلى مئات السنين، وأغلقت آلاف منها، ومنعتهم من الصلاة أو الصوم، أو أرتداء الحجاب، وعلى الرغم من أن مخزونهم النفطى، ضخم جدا إلا أنهم يعيشون بفقر فى أكبر معسكر اعتقال عرفته البشرية”
وبعد هذه المقدمة المختصرة التى تعكس ملمحا إلى اضطهاد دينى مبالغ فيه لأقلية مسلمة على خلفية الطمع فى سلبها ثروتها (النفط)، يأتى سؤال الفيديو: من هم الإيجور الذين تضطهدهم الحكومة الصينية؟.
وبغض النظر عن حديث الاضطهاد والتعذيب الذى يحمله الفيديو إلا أنه يقدم معلومات تبدو فيه هذه الأقلية غريبة تماما عن نسيج المجتمع الصينى، وكملاحظة أولية فأن كلمات التعليق فى الفيديو لا تدعمها الصورة التى تصاحبها، لكن على الرغم من ذلك يمكن أن تخدع المشاهد غير الواعى، حيث تخاطب العبارات مشاعره بكثافة لمدة تزيد قليلا على 3 دقائق، هى المدة المناسبة للاستمرار فى متابعة مثل هذا الفيديو.
وما سبق هو الطريق الأول أو دليل العربى المسلم متوسط وقليل الثقافة لمتابعة هذه القصة، أما الأعلى فى مستوى الثقافة والتعليم، فهو فى الغالب يتابع المواد المقدمة من الميديا الغربية، وخاصة الناطق منها بالعربية، مثل قناة وموقع “الحرة” الأمريكية، و الـ “بى بى سى” البريطانية، و “فرانس 24” الفرنسية، وغيرها من هذه القنوات، ومواقعها الأليكترونية.
وعلى الرغم من يقين المثقف العربى، والمصرى بخاصة، أن هناك صراعا كبيرا على المسويينال سياسى والاقتصادى بين الغرب، والصين، وأن مثل هذه الموضوعات جزء من هذا الصراع، إلا أن هذه المواد تعبأ جزء من شعور المشاهد العربى والمصرى، لأنها تلعب على وتر الدين، ووتر الإنسانية (العنصر الضعيف) والسبب الثالث هو غياب وجهة النظر الأخرى، المضادة.. نعم وهذا أهم عنصر من وجهة نظرنا.
الطريق الثانى:
ووجهة النظر الأخرى أو الطريق الثانى لمعرفة هذه الرواية تأتى مثلا فيما تقدمه القناة العربية لشبكة تلفزيون الصين الدولية التى يشار إليها بـ (CGTN) ولقد شاهدت أنا كاتب هذه السطور فيديو لإعلامى صينى يدعى لى قانغ، وبرنامجه “حديث لى” وهو يتحدث فى نفس الموضوع، محاولا تصحيح التشويهات المتعمدة للحقيقة من جانب، الغرب الذى يريد بالفعل شيطنة الصين ، فى أعين ليس العرب فقط، ولكن العالم الإسلامى الكبير.
وخلال 3 دقائق إلا 18 ثانية يقول “لى” فى الفيديو الذى يقدمه ويعلق عليه، كلاما مرتبا، منطقيا، مكثقا، بلهجة عربية صحيحة إلا أن طريقة نطقه وملامحه تذكرك طوال الوقت أنه صينى ويجعل المشاهد المتشبع بفيديوهات القتل والحرق والاضطهاد للمسلمين “الإيجور” المصنوعة بإتقان فى الميديا الغربية، أو المأخوذة عنهم مع إعادة إنتاجها فى المنطقة العربية لأسباب موضوعية أو تجارية (كسب الأرباح من اليوتيوب)، ما سبق يجعل الشك قرين وجهة نظر السيد “لى”، ويجعل شهادته مجروحة بشأن القصة.
الطريق الثالث:
والطريق الثالث لمعرفة ما يحدث فى الصين الآن، هو أن تأتلى الشهادة من مصدر محايد، بحيث لا تكون شهادة مجروحة، وفى هذا الصدد، أنقل فى السطور التالية عن مصدر معتبر إلى حد كبير، وهو موسوعة “معرفة” الأليكترونية، وهى موسوعة عربية تضاهى فى الشكل والمضمون إلى حد كبير موسوعة “ويكبيديا” الغربية بالأساس.
وجاء فى الموسوعة، تحت عنوان: “الإسلام في الصين” عن علاقة الدولة ونظام الحكم فى الصين بالمسلمين، وبالتحديد “من سنة 1396 هـ – 1979 إلى الآن ما يلى:
” وبدأت مرحلة جديدة مع عام (1389 هـ – 1978 م)، وأوجد قانون ينص على عدم انتهاك أعراف وعادات أبناء الأقليات القومية ووعد بإعادة فتح المعهد الإسلامي، إعادة إصدار مجلة (المسلمين)، واستئناف بعثات الحج، وإعادة فتح المساجد المغلقة وهى أكثر من 1900 مسجد في التركستان الشرقية وحدها، وعدد المساجد في الصين (40327) مسجداً، وإعادة العطلات الإسلامية.
وساهمت الحكومة بنفقات إصلاح المساجد، وسمحت بدخول أعداد من المصاحف من الدول العربية، وزار وفد من مسلمي الصين باكستان، والبحرين، والكويت، وعمان، واليمن الشمالي، وإيران. وفي سنة (1400 هـ – 1980 م) وأرسلت الجمعية الإسلامية الصينية مندوبين عنها لحضور المؤتمر الإسلامي في باكستان، كما عقد مؤتمراً إسلامياً في تركستان الشرقية وأعلن عن مشروع لطبع القرآن الكريم والكتب الدينية.
(اضغط هنا لتقرأ الكلام فى مصدره)
ومرفق رابط نشط لمن يريد التأكد من الكلام السابق، والتأكد أن الأمور تغيرت كثيرا فى الأقليم المشهور، وأن ما تحاول أن تصنععه الدولة الصينية الآن هو فى حقيقته محاولة لإدماج الأقلية المسلمة فى المجتمع الصينى، وذلك ضد دعاوى الانفصال، أو الأعمال الإرهابية، وهى أمور تتعلق بالأمن القومى الصينى.. وهذا حديث أخر.