د. قاسم المحبشى يكتب: سلام عليه في منفاه
كلما تأملت ما بلغته اليمن من حال ومآل تذكرت الأستاذ الدكتور أبوبكر السقاف وما كتبه في تشخيص الأزمة اليمنية ومآلاتها التي توقعها مبكرا وحذر منها منذ أن أصدر كتابه الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالية عام ١٩٨٨م الذي كتبه بإسم مستعار ( محمد عبدالسلام) حينما لم يكن أحد يجرؤ على الكلام.
مرورا بكتاباته المنهجية الاستشرافية لفشل مشروع الوحدة الاندماجية عام ١٩٨٩ وما تلاها من كتابات عن الحرب والاستعمار الداخلي ولا هوت الوحدة ومشكلة الزيدية ودولة الفقية الشيعية والدولة الريعية والعنف وخراب السياسة وبعبع الصوملة والمشترك والسلطة والحوار الزائف وارادة النهضة والعرب وقضيتهم الأولى والفلسفة والسياسة وجامعة الدول العربية والإنسان والحرية وغيرها.
ويعد السقاف ” أحد أبرز المفكرين التنويريين العرب المعاصرين والحاملين للواء مشروع النهضة والحداثة والدولة المدنية واذا كان غيره من المفكرين العرب لاقوا في اوطانهم أو أوطان مهاجرهم، بيئةً ومؤسسات علمية وثقافية تتفاعل مع نتاجهم الفكري ولو في نطاق نخبوي محدود تسمح بإبراز اهمية مشاريعهم الفكرية وتعريف الجمهور الوطني والعربي والعالمي بضامينها، فإن البيئة اليمنية الطاردة والمطاردة للفكر والمفكرين، حرمت المفكر السقاف من أن يحضى بالاهتمام والتقدير اللائق لشخصه وإنتاجه الفكري الرفيع.
بل كان وبالاً عليه وصل لحد تعرضه للاعتداء الجسدي من الدولة السلطانية الحاكمة لصنعاء”.
وأعرف الكثير من الأكاديميين اليمنيين الذين تم الرفع والدفع بهم إلى مصاف المثقفين ولا زيت عندهم ولا زيتون! وهم الآن يلهثون بين الأطراف المصارعة بحثا عن ادوار تمكنهم من تروج بضاعتهم المستهلكة في سوق صراع الطوائف اليمنية المهين.
بينما المثقف الجدير بالقيمة والأهمية والاعتبار يعيش منفيا وقد بلغ من العمر خمسة وثمانين عاما ولم يعد أحد يتذكره.
أنه أبوبكر السقاف وحده الجدير بالوفاء والتذكير إذ لم يخون الحقيقة ابدا ولم يهادن أحد أو يتملق لأحد يوما في سبيل الحصول على جاه أو ثروة أو حظوة. وهو المثقف اليمني الوحيد من جيل البردوني العظيم الذي كان يعرف عن ماذا يتحدث فضلا عن أن لديه من الزيت والزيتون أجوده وما يستحق القراءة والنقد والتقييم. فمن منكم يتذكره؟.
وفي الفكر والثقافة لا يبقى إلا الجدير بالتأمل والقراءة أما الهرجلة والرثاثة فتذهب هباء.