د. قاسم المحبشى يكتب: التمهيد لما تمخضت عنه ندوة «السلطة الغيبية للأيديولوجيات»
(السلطة الغيبية للأيديولوجيات) هذا هو عنوان الندوة التي نظمتها وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية في المعهد العالمي للتجديد العربي مساء جمعة البارحة الموافق ٢٢ يوليو ٢٠٢٢م. قدمها الدكتور باسل بديع الزين أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة في الجامعة اللبنانية وأدارها بكفاءة واقتدار الدكتور سيدينا سيداتي، أستاذ المنطق في المدرسة العليا للتعليم بنواكشوط موريتانيا وكنت مدعوا للتعقيب على ورقة الندوة مع الدكتورة نجلاء محمد القادري نصائرية من تونس. وبسبب ظرف قاهر لم اتمكن من الحضور المباشر فاضطريت إلى كتابة تعقيبي على عجل وبعثته للأستاذ الدكتور خالد كموني رئيس وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية في المعهد العالمي للتجديد العربي الذي تفضل مشكورا بقراءته. وحينما شاهدت وقائع الندوة في صفحة المعهد العربي للتجديد العالمي واستمعت إلى المداخلات والنقاشات من المعقبين والمتدخلين الأعزاء تولدت لي تغذية راجعة عن الندوة المهمة وموضوعها الإشكالي؛ السلطة الغيبية للأيديولوجيات التي تبدو أشبه بالمفارقة المنطقية إذ لا سلطة للغياب أبدآ والغيبيات مثل الكلمات لا تستمد سلطتها من ذاتها وفي ذاتها بل تأتيها السلطة والطاقة والقوة من المستخدمين لها فالسلطة بحسب ميشل فوكو هي حضور دائم وهي التي تقول ولا تتكلم! فمن يمنح الغيبيات السلطة ليس السماء أو الكائنات الغيبية المختلقة بل هم البشر الأحياء الذين يستخدمونها ويستميتون دونها من أجل تحقيق مصالحهم السياسية والأيديولوجية الضيقة هنا على هذه الأرض الواقعية الحقيقية الصلبة. فكرة، رؤية، راية، شعار، صرخة ، معتقد، حكاية، منظمومة من الأفكار والآراء والقيم والرموز والشعارات والمعتقدات والطقوس تمارسها وتؤمن بها جماعة من الجماعات وتمنحها صورة عن ذاتها والأخرين والعالم والحياة والموت تلك هي الايديولوجيا بمختلف صورها وصيغها ؛ خرافة، اسطورة، عقيدة، مذهب، فكرة كلية، شعار عام فحيثما تحضر ال ((نحن)) تكون الايديولوجيا وحينما تغيب ال نحن لا تحضر الايديولوجيا وكما تنحل حروف المطبعة في الكلمات تتلبس الايديولوجيا أجساد الجماعات بوصفها باراديغيم في رؤية العالم وتفسيره وتبريره.والأمر المهم في الايديولوجيا ليس معناها بل وظائفها المتمثلة في الطاقة الاستيعابية للجماعة الحشد الجمهور، أنها تجمعهم وتمنحهم هوية ومعنى وقوة دافعة للفعل والسلوك. وكل ايديولوجية دينية أو غير دينية تستلهم الغيب والذاكرة والرغبة والخيال إي الحاجة والماضي والحلم والأمل . وعلى عكس “ما يُعتقد حول تماهي المرء مع الآيديولوجيا، فما يتماهى المرء معه في الخطاب الآيديولوجي هو الضعف وليس القوة، النقص وليس المثال، ويعدّ هذا التماهي القانون الأول لعملية الأدلجة. ما تبحث عنه الذات في الآيديولوجيا، ليس صورة بطل، وليس مثالاً تستمد منه قوة أو قدرة، بل تبحث عن ضعفها الذي تشرّع من خلاله وجودها وتكتسب قواماً وكثافة” ويبقى السؤال الملح الذي لم تجب عنه الندوة : هل للغيب سلطة؟ وماهي ملامح تلك السلطة؟ وكيف نحددها ونقيسها؟ وكيف يمكن التمييز ما بين السلطة الغيبية والسلطات الأخرى ؟ وسوف تكون لنا وقفة قادمة مع موضوع الندوة ومداراتها المحتملة. مع خالص الشكر والتقدير للدكتورة ريم الدندشلي منسقة الوحدة والندوة والشكر موصول للأستاذ الدكتور بن شرقي بن مزيان أستاذ الفلسفة في جامعة وهران على مداخلته الرائعة ولكل المتداخلين التقدير والاحترام .