د. قاسم المحبشي يكتب: الأمن القومي العربي وتحدياته الراهنة (٢من٢)

من هنا نرى أن هناك علاقة وثيقة بين الأمن والتنمية، فالتنمية معنية بإزالة مختلف العقبات التي تعوق الحياة الإنسانية، وتقف حائلا دون ازدهارها، وكما مر بنا في المباحث الماضية فإن مضمون فكرة التنمية البشرية واسع ولها صفة “حمائية” لكونها متصلة بالتقدم والنمو والأمن الاجتماعي، من خلال الاهتمام المباشر بالخدمات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية كافة.

ومفهوم الأمن الاجتماعي يُستخدم في بعض الأحيان ليُعبّر عن الضمان الاجتماعي أو برامج التأمين الاجتماعي, وتقديم الخدمات للشباب وللكبار والمسنين والمتقاعدين..الخ

لكن مفهوم الأمن هو من السعة والشمول بحيث يتجاوز الضمان الاجتماعي والتأمين الاجتماعي، وهو يرمز إلى الحماية من خطر المرض والجوع والبطالة والجريمة والصراع الاجتماعي، والقمع السياسي، والمخاطر البيئية، فبالنسبة لمعظم الناس يمثل الأمن إشباع حاجاتهم الاقتصادية والحصول على أعمال، أو وظائف تؤمن لهم الحاجات الإنسانية الأساسية، وأن تكون أحياؤهم السكنية آمنة من الجريمة، وهو ما أكّد عليه الرسول الكريم بقوله: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسمه، معه قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

وقد عرّفته لجنة الأمن الإنساني على انه “حماية أساسيات البقاء بطريقة ترقي من حقوق وحريات الإنسان “.

فالفرد جوهر الأمن الإنساني ، إذ يعنى بالتخلص من كافة ما يهدد أمن الأفراد السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال التركيز على الإصلاح المؤسسي وذلك بإصلاح المؤسسات الأمنية القائمة وإنشاء مؤسسات أمنية جديدة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية مع البحث عن سبل تنفيذ ما هو قائم من تعهدات دولية تهدف إلى تحقيق أمن الأفراد وهو ما لا يمكن تحقيقه بمعزل عن أمن الدول

أما كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة في تقريره للأمم المتحدة عام 2000 والمعنون بـ “نحن البشر” أعطى توصيف للأمن الإنساني كالآتي :

(يتضمن أمن الإنسان بأوسع معانيه ما هو أكثر بمراحل من انعدام الصراعات العنيفة فهو يشمل حقوق الإنسان ، الحكم الرشيد وإمكانية الحصول على التعليم وعلى الرعاية الصحية وكفالة إتاحة الفرص والخيارات لكل فرد لتحقيق إمكاناته، وكل خطوة في هذا الاتجاه هي أيضا خطوة نحو الحد من الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي ومنع الصراعات والتحرر من الفاقة وحرية الأجيال المقبلة في أن ترث بيئة طبيعية صحية هي اللبنات المترابطة التي يتكون منها أمن الإنسان وبالتالي الأمن القومي)

الأمن القومى العربى هو السياج الأمنى الذى يحمى العمل العربى المخطط إستراتيجياً لمواجهة المتغيرات الدولية والإقليمية وبما يهيئ أنسب الظروف للعمل العربى المشترك لتحقيق أهداف وركائز ومصـالح وغايات قومية عربية ومحددات وعـوامل ، لذلك فإن بنـاء تلك الإستراتيجية لابد أن يحقق وحدة النظام والتضامن العربى بالتنسيق والتشاور والتعاون والسعى إلى تحقيق الأهداف المشتركة لجميع الأطـراف وإحترام الإرادة والسيادة العربية الوطنية اليمنية ، كما يجب أن تحقق تلك الإستراتيجية المعادلة الصعبة بالحفاظ على علاقات قوية ومتوازنة مع الدول العظمى والكبرى بسياسات تحكمها حرية الإرادة والقرار وتوسيع أوجه التعاون مع جميع القوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولى من خلال الإعتماد على الذات وبث روح الولاء وتعظيم وحسن إستخدام الطاقات والمـوارد والإمكانيات البشرية والمادية المتـاحة فى ظل الإدراك والوعى بحقيقة التهديدات والتحديات التى تواجه الأمة العربي وتعتبر مصر من أهم المرتكزات المحورية في الأمن القومي العربي لما تحظى به من مكانة تاريخية ودينية وسياسية وثقل بشري واقتصادية على الأمن القومي العربي والإقليمي ومنها لا من غيرها يبدأ الأمن القومي العربي.

وقد كانت اليمن في زمن مضى بوابة الجنوب العربي وأمنه واستقراره ففي حرب اكتوبر 1973م.. وقفت دولة اليمن الجنوبي موقفا قوميا مع مصر حينما اغلقت باب المندب في وجه السفن الاسرائيلية.

وقد ظلت مسألة بناء الدولة فى اليمن تمثل معضلة مزمنة تستهدفها كل المشاريع والقوى الوطنية وتكافح للوصول إليها الكثير من النخب والقوى السياسية والإجتماعية وظلت معضلة بناء الدولة وغياب أىمشـروع ناهض للدولة والمجتمع مستمرة بفعل تشغيل مشـروع التوريث وحكم العائلة وبفعل ذلك إنحدرت الأوضاع العامة فى البلاد وبصورة متدرجة إلى أزمة عامة وأخذت تنتقل من وضع سئ إلى وضع أشد سوءاً حيث أوغل النظام فى السياسات الهادفة إلى الإستفـراد الكلى بالسلطة والثروة والقـرار ومارس العديد من مظاهر الإقصاء تجاه المكـونات السياسية والإجتماعية والجغرافية فى البلاد .

  • أثبتت الأزمة اليمنية بما لا يدعُ مجـالاً للشك بأن الأمن الوطنى اليمنى جـزء لا يتجزأ
    من الأمن الوطنى الخليجى والعربى وأن أى تهاون فى حمايته سيعود بالضرر على أمن وإستقرار المنطقة العربية وأن أى تهميش أو تراخى فى معالجة الأوضـاع الأمنية والسياسية والإقتصـادية فى اليمن سيؤثر سلبياً على أمن وإستقـرار كل دول المنطقة وأن أى معالجات شكلية دون دمج حقيقى وواقعى لليمن فى جواره الخليجى لن يخدم المصالح والأمن القومىالعربى .
  • يتطلب تحقيق الأهداف المرجوة من التحالف العربى الراهن الإسراع فى إستعادة الشرعية اليمنية وإنهاء الصراع والمعاناة الإنسانية للشعب اليمنى وإعادة بناء ما خلفته الحرب من دمار للبنية التحتية وفرض سلطة القانون وبناء مؤسسات الدولة وتحقيق الأمن والإستقرار والعدالة الإجتماعية بين مختلف فئات المجتمع .
    يجب أن يستقرفى الذهن أن الأمن اليمنى لابد أن ينبع أولاً من قوته الذاتية وليس
    من القوى الأخرى التى تواجدت سعياً منها لتحقيق أهداف بعيدة المدى وليس من أجل مسانده حقيقية لليمن وأن شراء الأمن لن يحقق الأهداف الإستراتيجيةالعربية وإنما القوة الذاتية التى تحقق هذا الأمن وتخضع الأعداء للإنصياع للإرادة الوطنية .
  • إنشاء بنية قوية قادرة على قيادة المجتمع والمضىباليمن نحو المستقبل فى مواجهة التحديات والتهديدات التى نالت من الأمن الوطنى اليمنى وذلك بالمساهمة الفعالة من كافة الجهات المعنية والمؤثرة فى المجتمع بالتعاون على بناء إستراتيجية تخلق جيل جديد قادر على إستيعاب المتغيرات الدولية ومؤمن بالعمل الجماعىالمشترك والقادر على النهوض بالدولة اليمنية وتحقيق حياة كريمة بعيداً عن التعصب القبلى والطائفى.
زر الذهاب إلى الأعلى