أسماء خليل تكتب: “كنباوي” في مليون كيلومتر مربع

كم كان قدر اندهاشي حينما علمتُ منذ سنوات أن جميع المصريين يعيشون على ٤٪ فقط من مساحة مصر، و٩٦٪غير مأهول بالسكان، وكنتُ أتعجب وأندهش وأسأل نفسي هل بلدٍ بحجم مساحة بلدنا والتي تبلغ مليون كيلومتر مربع يعيش سكانها على تلك المساحة الضئيلة ويترك الباقي؟!.. ولكن يبدو أن الجميع يُجيد فن التَّعجب ولكنه لا يجيد فن التصَّرف.

يهمك.. أسماء خليل تكتب: محمد رمضان بين النوايا الحسنة والدكتوراة الفخرية

فكم كنتُ أسمعُ بعض الآراء من هؤلاء القاطنين “الكنب” وهم جالسون يُنظِّرون مؤكدين على ضرورة أهمية بناء الصحراء، ورغم كم الاعتراض كنوع من الإلحاح بضرورة توسع الدولة في تعمير الصحراء؛ إلَّا أنَّني لاحظتُ أن الجميع لا يُريد أن يبتعد عن أهله، أو أن يبتعد أولاده عنه بارتحالهم للمعيشة في مكانٍ آخر.

اشتريتُ مثل الباقين اراضٍ زراعية بغرض استخدامها في البناء وكان“ السماسرة” يبيعون تلك النوعية من الأراضي بثمن مرتفع بحجة أنها أوشكت أن تُبنى.. لم أفكر للحظة أنني أنتوي مُسيَّرة مع التفكير الجمعي تدمير الأرض الزراعية بيومٍ من الأيام!!..

ما أتعس أصحاب الفكر التنظيري!!.. بل ما أدعي للعجب من ازدواجية المعايير!!.. نريد التوسع والخروج من ال ٤٪،وفي نفس اللحظة نُخطط بالبناء في نفس “القُمقم”.. إلى أن مرت بضع سنوات وأصدر الرئيس “عبد الفتاح السيسي” قرارًا بتجريم البناء على الأراضي الزراعية منعَا باتًّا، بعدما حاول كل الرؤساء السابقين ولم يستطيعوا التنفيذ بشكل جاد.

هاج وماج كل مالكي الأراضي التي كان سيتم البناء عليها مُستقبلًا، وكم انتابني- أنا الأخرى- ضيق داخلي بصفتي التحقتُ بالمُتضررين؛ حتى قرأتُ تلك الآية الكريمة “فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ”..من سورة عبس.. فتأملتُ في حزنٍ على ما فاتني من نقصٍ لفهم بعض أحكام الدين؛ فالله تعالي قد وصف الأرض الزراعية ب“المُتَع” ، فهل من العقل أن نحرم الناس من مُتع الله التي وهبها لعباده؟!..

كما أن دار الفتوى ذكرت ، أن التعدي على الأراضي الزراعية هو عكس مراد الشرع الذي حث على الزرع والغرس، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:“ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” صدق الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم.

وما برحتُ أسمع من “الكنابويين” وهم ما زالوا على أرائكهم جالسين تلك الكلمات “ما يزرعوا في الصحرا إيه الظلم دا”..
آهٍ.. ثم آهٍ.. هل من العقل أن نبني ونزحف بالعمران جائرين على التربة الطينية الطميية الخصبة التي كونتها رواسب نهر النيل منذ “آلاف السنيين” لنزرع في الصحاري ذات التربة الرملية الصفراء الأقل خصوبة؟!.. أو نزرع بالأراضي القريبة من البحر المتوسط الأكثر ملوحة؟!..
أيُّ دينٍ وعقلٍ يجعلنا ندمر أراضي الدلتا التي زرع بها أجدادنا بقلوبهم قبل أيديهم فعلمتهم الزراعة الولاء ..
أي انتماءٍ هذا لأرضٍ لم يبعها صاحبها – على أقل تقدير – لينتفع بها غيره؛ بل يدمرها..
إنَّ الإنسان يثبتُ يومًا بعد يوم.. أنه أمهر من يجيد امتلاك النعرات الكاذبة، فهو ذلك المتضرر من تلوث البيئة وما ترتب عليها من آثار سيئة على صحة الفرد والمجتمع، وهو نفسه من يؤذي البيئة ويصيبها بالتغيرات السلبية المُناخية المُدمِرة.
فهو مَن قطع الأشجار وأزال المراعي وتعدَّى على الغابات.. هو من جار على الأراضي الزراعية ليحرم الناس من أرضٍ تزداد فيها إنتاجية الفدان؛ ليجعلهم يزرعون في أرض تقل فيها الإنتاجية، ويحرم الناس بعضًا مما يقتاتون به!!
أعزائي الآباء والأمهات، لا تبنوا لأولادكم على الأرض الزراعية لتوجدوا لهم مكانًا ينامون فيه وتحرمونهم من مصدر رزقٍ يعيشون منه..
فهل من العقل أن نبني بيوتًا بالوادى والدلتا ومنخفض الفيوم وهم مصدر العطاء، ثم نزرع الصحراء الجدباء وننتظر مئات السنين حتى يزيد الإنتاج!! ..
وهل من العقل أن يجعل الله تعالى الأرض ذلولا لنمشي في مناكبها، ثم نأتي نحن لنضيق على أولادنا بحجة مرافقتنا؟!
لقد زرع المصري القديم ضفاف النيل بالبذور والتقاوي فكانت “الحضارة”، ثم أتى المصري الحديث ليبني بالطوب والأسمنت ويهدم تلك الحضارة !!.

زر الذهاب إلى الأعلى