“صفحات من حياة المصريين”.. حكم العثمانيون الأتراك لمصر

 

طارق متولى   سرد تاريخى يكتبه: طارق متولى

حكم  العثمانيون الأتراك مصر خلال الفترة ١٥١٧ – ١٧٩٨م / ٩٢٣ – ١٢١٣هـ ، وقد دخلوا مصر على يد السلطان  سليم اأاول الذى هزم السلطان الغورى فى موقعة مرج دابق بالقرب من حلب، وكانت تابعة لمصر آنذاك، ثم دخل القاهرة بعد عدة معارك مع المماليك الجركسية بقيادة طومنباى نائب السلطان الغورى و قائد المماليك، فر على أثرها طومنباى إلى نواحى الجيزة واختبأ عند تاجر يعرفه وكان له عليه فضل، لكن التاجر غدر به وأبلغ عنه قوات سليم الأول فقبض عليه واستضافه فى خيمته التى عسكر بها عند القلعة لمدة سبعة عشرة يوما أكرمه فيها وظل يحدثه ويسأله عن أحوال البلاد ويعرف منه نظام الخراج وإدارة شؤون الدولة، وأحوالها، حتى شعر طومنباى بالأمان وظن أنه سوف يعيّنه واليا على مصر، إلى أن فوجىء بالجنود يأخذونه صبيحة يوم إلى باب زويلة ووجد الحبال مدلاة على الباب فإيقن أنهم سيعدموه  فقرأ الفاتحة والشهادتين، وتم شنقه وسط صراخ الأهالى وبكاءهم وهو السلطان الوحيد الذى تم إعدامه وشنقه فى تاريخ مصر كله.

خاين بك

لم يمكث بعدها سليم الأول السلطان العثمانى أكثر من شهرين ثم توجه عائدا إلى بلاده وعين خير بك (أطلق عليه المصريون خاين بك) وهو أحد المماليك المتواطئين الذين ساعدوه وأمدوه بالمعلومات عن قوة المماليك وأسرارهم.

السلطات الثلاث

وقبل عودة سليم الأول إلى القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية، أقر الشكل الجديد للحكم فى مصر بأن جعل ثلاثة سلطات تحكم البلاد كالتالى:

  • السلطة الأولى هى الوالى الذى يعينه السلطان لإدارة شؤون البلاد.
  • السلطة الثانية هى جيش الحامية والذى كونه السلطان سليم الأول بنفسه من ست فرق وجعل عليهم قائدا يقيم بالقلعة وكون منه ديوان يساعد الوالى فى إدارة البلاد وله الحق فى رفض مشروعاته إذا وجد أنه ليس بها مصلحة البلاد.
  • السلطة الثالثة هى البيكوات المماليك الذى عين كل قائد منهم على سنجق (مديرية) وكانت بمصر أربعة وعشرون مديرية فى ذلك الوقت تعرف باسم السناجق.

الضرائب وقلم الأفندية

وقام العثمانيون بفرض خراجا سنويٍّا على مصر، يُرسل إلى السلطان أو الباب العالى، إلى الوالى فيُجمع من ضرائب الأملاك وخاصة الأراضي، وكانت هذه الضرائب تسمى «الميرى» أي الأموال الأميرية وعينوا من أجل ذلك  لكل جهة ملتزم يتعهد بتوريد ما يخصها من الضرائب، التى تجمع من الفلاحين وفى المقابل تعفى ارض الملتزم  من الضريبة ويقوم الفلاحون بزراعتها بالمجان، علاوةً على ضريبة أخرى يجبيها لنفسه منهم، وكانت حقوق هؤلاء الملتزمين  ومناصبهم وراثية.

وكان جانب عظيم من الأرض موقوفًا على المساجد والمدارس والأربطة وغيرها من الأمور الخريية، وهو معفى أيضا من الضريبة، وهذه الأراضي فى معظمها كانت تزرع بالتسخير، وأنشأ السلطان سليم بالقاهرة قلما يُعرف بقلم «الأفندية» لتقرير الضرائب، ومراقبة جمعها من الملتزمين وجعل فيه دفاتر لحصر حساب الحكومة وأخرى لتدوين الأراضى وعمليات انتقال الملكية.

ومع الشدة فى التحصيل والعبء فى المقدار، أصبح كاهل الفلاح المصرى المواطن الاصلى للبلاد مثقلا  بالضرائب وأعمال السخرة، وياليت الأمر توقف عند ذلك  الحد  فإن ما كان يبتزه منه بيكوات المماليك أنفسهم كان أدهى وأمر، فإن كل بك من حكام المديريات كان يفرض على محصول الأراضي ضريبة لإدارة المديرية تُسمى «كشوفية»، وكثيرا ما كان  يفرض على السكان ضرائب أخرى إضافية كلما احتاج الى المال.

فقر البلاد والعباد

وبسبب هذه الضرائب المضاعفة التي لم يكن لها حد معلوم تسرب الفقر إلى أهل البلاد حتى وصلوا في أواخر القرن الثاني عشر الهجري الخامس عشر الميلادى إلى درجة من الفقر  لم يسبق لها مثيل ولم يعرفها المصريون من قبل. أما وعلى الصعيد الاجتماعى، احتكر العثمانيون كل شىء فى مصر تقريبا، وبفرمان من السلطان العثمانى سليم الأول تم تحريم زواج الأتراك من المصريات أو من أرامل المماليك، ونظر العثمانيون للمصريين بنظرة تعالٍ واحتقار، وقصروا الوظائف الإدارية على عنصرهم التركى والمماليك الشركس، فانحط المستوى الاجتماعى للشعب المصرى، وشاع الاعتقاد فى السحر والخرافات.

ورصد ابن إياس المؤرخ الشهير فى كتابه “بدائع الزهور فى وقائع الدهور” كيف أن سليم الأول أمر بجمع ألفين من المصريين من رجال الحرف والصناعات وكبار التجار والقضاة والأعيان والأمراء، وأرسل للقسطنطينية، ليعمرها، ويجعلها أجمل من القاهرة حسدا وغيرة.

ومع بداية ولايتهم اندفع الغزاة الأتراك إلى نزع ما فى بيوت مصر والقاهرة وأثمن ما فيها من منقول وثابت، حتى الأخشاب والبلاط والرخام والأسقف المنقوشة ومجموعة المصاحف والمخطوطات والمشاكى والكراسى النحاسية والمشربيات والشمعدانات والمنابر، وهناك ما يشبه الإجماع بين المؤرخين على أن مصر دخلت بالفتح العثمانى طور الكمون والسبات العميق لمدة ثلاثة قرون.

ومع بداية القرن 18 بدأت مرحلة ضعف الدولة العثمانية وتكسرت القواعد، وهذه حكاية أخرى، فانتظرونا.

زر الذهاب إلى الأعلى