صفحات من حياة المصريين (3) المحروسة تحت حكم البكوات والباشوات

 

 

طارق متولى

سرد تاريخى يكتبه: طارق متولى

أول من ولى العثمانيون على مصر من الولاة كان خير بك، ولاه السلطان سليم الأول مكافأةً له على خيانته ومساعدته له في فتح مصر والشام، وبقي في منصب الولاية أكثر من خمس سنوات كان فيها مكروها من جميع المصريين، فحاول استقطاب اليهود والنصارى، ليأخذهم بطانة نكاية فى المسلمين، فلم يغن ذلك عنه شيء وهذا يدل على وحدة هذا الشعب ووحدة عواطفه ولما ازدادت الكراهية له أفرج عن كثير من المسجونين، ووزع كثير من أملاكه على المساكين وخدمة المعاهد الدينية وقد أبدى أسفه الشديد قبل موته على أفعاله، وخيانته، ودفن بمسجده الذي بناه بالتبانة بالقرب من باب الوزير بجهة الخريبكية المسماة بهذا الاسم نسبة إليه.

الخلف

وخلف «مصطفى باشا» خير بك، وكان هذا الوالى الجديد زوج أخت السلطان سليمان القانوني، وهو أول من لُقب بلقب باشا من ولاة مصر، وكان لا يعرف العربية، ولا يُظهر شيئًا من الحفاوة لأهل مصرن بل كان يعيش فى قصره ومع المحيطين به من الجنود الأتراك ولا يهتم بشؤون المصريين .

وكان السلطان سليم الأول يحتاط بشدة لتقليص صلاحيات الوالى فى مصر مخافة أن يعمل هذا الوالى على الإستقلال بحكم مصر عن الإمبراطورية العثمانية ولكن ما كان يخشاه حدث بالفعل فإن الواليَ َّ الثالث «أحمد باشا» هم بمحاولة الإستقلال بملْك مصر فأمر بسك العملة باسمه، والدعاء له في على المنابر، ولم يلبث أن قبض عليه وشنق على باب زويلة وأرسل رأسه إلى الأستانة.

الولاة المعينين

والحقيقة أن القرنين الأولين من الحكم العثمانى لمصر لم يكن فيهما من الأمور العظيمة المتعلقة بأحوال البلاد الشىء الكثير سوى سلسلة من الولاة المعينين من قبل الباب العالى، لا يكاد الواحد منهم يعين، حتى يتم عزله، وبعضهم قام بتشييد المبانى والمساجد والمدارس ولكن الغالبية العظمى لم يكن يعنيهم سوى التزود من المال قبل أن تنقضي مدة ولايته، وعلى الرغم من ذلك كان ولاة القرن الأول وأكثر الثاني افضل ممن أتى بعدهم.

 “صفحات من حياة المصريين”.. حكم العثمانيون الأتراك لمصر

وفي هذه الأثناء كانت الجنود العثمانية بمصر دائبة على جمع السلطة في قبضتهم، وكان الجيش يتألف من الجنود العثمانلية فقط ولا يحق للمصريين الإنضمام للجيش وكان الولاة إلعوبة في أيدي الجنود العثمانلية فلم يكن فى إستطاعتهم ردعهم وتأمين الأهالى من شرهم وشططهم ومفاسدهم.

وصارت كل طائفة من الجند تأخذ في حمايتها جملة من التجار أو المزارعين، فيقتسمون معهم الأرباح مقابل أن يحمونهم من أداء حقوق الحكومة.

وظلوا فى صراع ومشاحنات مع الولاة حتى عظمت قوة البكوات المماليك مرة أخرى فقضوا على نفوذ الطائفتين معا، ومما ساعد المماليك على استعادة نفوذهم مالهم من قوة راسخة فى البلاد، واتباع كثيرين وإنشغال الولاة والجند بالصراع بينهم على السلطة فلم يلتفتوا لشىء اخر سوى هذا الصراع .

ومما ساعد المماليك على القبض على السلطة مرة أخرى تمهيدهم الطريق بإتحادهم واختيارهم زعيم من بينهم عين حاكم للقاهرة وسمى «شيخ البلد» وكان لهذا الحاكم الملقب بشيخ البلد عصبية كبيرة من أتباعه من المماليك الذين يجلبهم من الخارج ليكونوا له حاشية وأنصار.

الولاة العثمانيين

فلما رأى الولاة العثمانيين ازدياد قوة المماليك ونفوذهم عملوا على الوقيعة بين طوائفهم المختلفة، ومنها الفقارية نسبة إلى زعيمهم ذو الفقار، وكان من بكوات المماليك طائفة أخرى تسمى القاسمية والكردلية، وظلوا فى تقاتل وتناحر فيما بينهم يقتلون بعضهم البعض بدس السم الذى اشتهروا به وبالحرب حتى أن أحد الحروب بينهم استمرت ثمانين يوما كانوا يخرجون فى الصباح بالسيوف يحاربون ويعودون إلى بيوتهم فى المساء يبيتون وسط الأهالى وسط ذعر الأهالى ومعانتهم التى لم تنقطع، وقد أصاب البلاد فى هذه الأثناء الكثير من الأوبئة التى أودت بحياة الكثير.

وهكذا حتى ولى على بك الكبير زعيم عليهم عام ١٧٦٨م والذى انتهز فرصة انشغال الدولة العثمانية بالحرب مع روسيا والنمسا فأعلن استقلال البلاد وجهز جيشا كبيرا بقيادة محمد بك أبو الدهب استولى به على جزيرة العرب بما فيها الحرمين الشريفين، لكنه ما لبث أن تواطأ أبو الدهب على على بك الكبير، وخطب ود الباب العالى مخافة أن تعود سيطرتهم على البلاد فاقروه حاكما على البلاد ولقبوه بلقب باشا وقتل على بك الكبير فى معركة كبيرة بين أتباعه واتباع  أبو الدهب كان النصر فيها حليف للأخير، لكنه لم يلبث أن مات بعد عامين من الحكم ومسجده لا زال حتى الآن بالقاهرة إمام الجامع الأزهر.

كبار المماليك

بعد ذلك تولى اثنين من كبار المماليك الأمر، وهما مراد بك، وابراهيم بك، إلا أنهما اشتطا في ابتزاز أموال الناس وخصوصا التجار حتى الأجانب منهم، كل هذا والباب العالى لا يحرك ساكنا، ولا يلتفت لهذا البلد الكبير الذى اصابه الخراب والدمار وسوء الأحوال فكثرت شكاوى الأجانب إلى دولهم مما لفت نظر أوروبا إلى مصر وجعله الفرنسيين ذريعة لإغارتهم عليها في (١٢١٣ه/١٧٩٨م).

وهذه بداية صفحة جديدة نتعرف عليها فى القادم باذن الله.

زر الذهاب إلى الأعلى