العالم يحتفل بالذكرى الـ 99 على أهم كشف أثرى فى القرن العشرين.. الملك الذهبى

كتب: طارق متولى

فى مثل هذا اليوم قبل 99 عاما، وبالتحديد فى الرابع من نوفمبر عام 1922، وبعد بحث وحفريات لمدة عند مدخل النفق المؤدي إلى قبر رمسيس السادس في وادي الملوك تثنى لعالم الآثار الأشهر، والمولع بالآثار المصرية هوارد كارتر، أن يطل من كوة صغيرة على منظر بدا له أنه فتح فى الاكتشافات الأثرية، وما كان ذلك إلا مقبرة الصغير توت عنخ آمون، وفي 16 فبراير عام 1923 كان كارتر يقف على قدميه فى غرفة المقبرة التي يوجد بها تابوت توت عنخ أمون بالفعل

 من هو

هو أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية التى تولت حكم مصر لمدة أربعة عقود  ١٥٧٥-١٣٠٨م  بداية من الملك أحمس قاهر الهكسوس، ونهاية بحكم حور محب أخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة، ومؤسس الأسرة التاسعة عشر وقد بلغت مصر أوج قوتها وعظمتها فى عصر الأسرة الثامنة عشرة من حيث الثراء والسيطرة على البلاد المحيطة بها من كل جانب .

اقرأ أيضا.. انفراد| «الملك الصغير» يحدد ميعاد افتتاح المتحف المصرى الكبير (صور)

تولى توت عنخ آمون الحكم وهو غلام صغير لم يتجاوز السابعة عشر بعد وفاة أخويه اخناتون وسمنخ كارع وكانت فترة حكمه قصيرة لم تتجاوز الثمانى أو التسع سنوات فى الفترة مابين 1347 ق.م إلى 1339 ق.م وكان يلقب فى البداية بتوت عنخ آتون نسبة إلى الإله آتون الذى دعى إليه أخيه اخناتون، وجعله الإله الواحد، وأبطل عبادة الإله آمون وعبادة جميع الآلهة الأخرى التى كانت منتشرة فى البلاد، وخرّب معابدهم، وهدم تماثيلهم، مما أحدث اضطرابات فى البلاد وانقسامات كبيرة بين كهنة المعابد وبين نظام الحكم.

ولما تولى توت عنخ آمون، عمل على إعادة الأمور إلى نصابها، وإعاد عبادة الإلة آمون ليكون الإله الرسمى للبلاد وكذلك أعاد عبادة الآلهة الأخرى، كما أعاد مقر الحكم إلى طيبة بدلا من اخيتاتون عاصمة اخناتون فى تل العمارة.

غلام صغير

كان وقتها “توت” غلاما لم يبلغ التاسعة من عمره وكان كبير الوزراء والكاهن الأعظم “اى” هو الوصى على العرش والذى يدير شؤون البلاد فعليا باسم الملك الصغير.

تزوج توت عنخ أمون من بعنخس آمون وهو ما زال بعد غلاما، ولم تحدث فى عصره الذى لم يتعد الست سنوات أحداث جسام تستحق الذكر غير أنه مثل كل الملوك كان يتدرب على الصيد وفنون القتال.

ولم يشرع الصبى الصغير فى بناء مقبرته الملكية مثل أسلافهن حتى مات فى ظروف غامضة ودفن على عجل فى المقبرة الصغيرة التى يعتقد أنها كانت للوزير “اى” ويدل على ذلك  صغر حجمها التى لا يتناسب مع حجم مقابر الملوك أسلافه وعدم ترتيب محتويات المقبرة وكأن من أتوا ليدفنوا الملك الصغير ألقوا الأشياء فيها لينتهوا سريعا من مراسم الدفن.

بعدها تولى الوزير “اى” الحكم وكان أول ملك من عامة الشعب، واستعان فى الحكم بقائد الجيش آنذاك “حور محب” الذى سرعان ما تولى الحكم بعد سنتين قضاهما الوزير “اى” فى الحكم وبهذا انتهى عصر الأسرة الثامنة عشرة حيث كان القائد العظيم حور محب الذى أعاد الاستقرار للبلاد، وأعاد العدل والنظام بعد سنوات من الفوضى والقلاقل بمثابة فترة انتقال بين الأسرة الثامنة عشرة والأسرة التاسعة عشرة التى أسسها قائد الجيوش العظيم “رعمسيس” وأبناءه العظام “سيتى الأول و “رمسيس الثانى”.

توت عنخ اَمون
توت عنخ اَمون

لعبة القدر

إنها لعبة القدر، تلك التى أرادت أن تكون فيما هذه الشهرة الكبيرة للملك الصغير، الذى تم الغدر به، وقتل غيلة ولم يأخذ حقه من التكريم فى حياته مثل  أسلافه العظام “أحمس وتحتمس والملكة حتشبسوت”.

أما عالم الآثار الكبير هوارد كارتر فقد ساهم فى اكتشاف  جميع مقابر وادى الملوك والملكات من عصر الأسرة الثامنة عشر والأسرة التاسعة عشر فى مدينة الأقصر، ولكنه  ظل يبحث عن مقبرة “توت عنخ آمون” ولديه يقين بأنها موجودة وأنه لم يصل إليها أحد حيث أنه لم يشاهد أية قطع أثرية تخص هذا الملك فى الأسواق أو الآثار المكتشفة، وظل طوال ست سنوات يبحث عنها رغم أن كل زملائه اقنعوه بأنه لم يعد هناك شىء آخر فى الوادى لكى يتم اكتشافه.

لكن كارتر بحسه وموهبته كان ظل على يقينه فى وجود هذه المقبرة حتى أنه طلب من ممول بعثته اللورد كارنوفون فرصة أخيرة وموسم اخر ليستمر فى بحثه، حتى كانت المفاجأة عام ١٩٢٢م عندما عثر العمال المصريين على درجات سلم هابطة تغطيها الرمال وكان من حسن الحظ أن هذه المقبرة التى لم يقترب منها أحد ووجدت كاملة بكل مقتنياتها قد غطتها مقبرة أخرى من مقابر “الرعامسة” من الأسرة التاسعة عشر فلم يرها لصوص الآثار ولم يقتربوا منها وكأنها كانت محروسة بعناية إلهية من العبث بها وبمحتوياتها.

وظلت مقبرة الملك الصغير كما هى حتى اكتشفها هذا العالم الكبير، ويقلب الدنيا راس على عقب باكتشافه، وتأتى إليه

كل وسائل الإعلام المتاحة فى هذا الوقت (قبل 99 عاما) من وكالات الأنباء، وغيرها من كل بلاد العالم لتعاين الاكتشاف العظيم.

وأكد المراقبون للحدث أن هوارد كارتر كان أمينا جدا فى التعامل مع المقبرة، ومحتوياتها فلم يدع أى شخص يقترب من المقبرة أو يحرك أى قطعة من مكانها حتى يوثق كل شىء فيها، وكذا لم يسمح حتى للزوار الذين أتوا من جميع أنحاء العالم بالدخول للمقبرة حتى ينتهى من عمله الذى استغرق عشر سنوات، وذلك من عام ١٩٢٢ إلى ١٩٣٢ وليترك لنا فى النهاية هذا الإرث العظيم من محتويات المقبرة التى لم يكتشف مثلها بكامل حالتها ومحتوياتها، مقبرة أخرى من العصر الفرعونى.

تضمنت مقبرة “توت عنخ أمون” أثاث الملك الأخروى (ما يتعلق بحياته الأخرة)، وبعض ما كان يعتز به من مقتنياته الشخصية، ومقتنيات أسرته.

المحتويات الملكية

ومن أروع القطع التى احتوتها المقبرة، قناع الملك الذهبى وتوابيته الثلاثة التى شكلت على هيئته، وقد صيغ الداخلى منها من الذهب الخالص وصفح الآخران بالذهب، وتم تطعيمهما بأحجار شبه كريمة ثم مقعد عرشه وصندوقه الخاص ومجموعة من ثماثيله المعدنية الصغيرة، وتماثيل بعض أفراد أسرته ومجموعات من أدوات الزينة والأوانى المرمرية الشفافة تعتبر من أرق نماذج الصناعة الفنية فى العالم القديم كله.

وظلت هذه القطع الفريدة فى المتحف المصرى شاهدة على مدى عظمة المصريين القدماء، وثرائهم المادى والفنى والمعنوى، بل وجابت بعض هذه القطع العالم أجمع وتسابق الزوار فى كل بلد تذهب إليه لرؤية آثار هذا الملك الفرعون المصرى التى تدهش العقول والنفوس.

وأخيرا فأن مقتنيات الملك، وكل ما يتعلق به من آثار سوف تكون أخر المحطات فى القطع التى تنقل إلى المتحف المصرى الكبير فى الهرم، والذى سيتم افتتاحه قريبا باذن الله .

زر الذهاب إلى الأعلى