حروب الشبكات.. معارك الفضائيات الإليكترونية التى تمارسها الدول الكبرى
سردية تكتبها: أسماء خليل
هل توقعت يومًا وأنتَ تشاهد أحد الأفلام الخيالية الفضائية “مغامرات بلوتوناش” أو “غرباء من الفضاء”؛ أن يصبح ذلك حقيقةً يومًا ما، وهل تصورت أن تلك الشخصية الكرتونية التي تجلس داخل المركبة الفضائية وتضغط على بعض “الأزرار” لتحرك العالم وتقلبه رأسًا على عقب؛ أن يصبح ذلك هو الواقع الفعلي في العام ٢٠٢١؟!
نعم.. لقد أضحى الخيال العلمي حقيقة يُعاصرها العالم، ويمارس اللعبة بعض الدول الكبرى، فالبطل الذي يحرك المعركة الفضائية الإلكترونية هو من يمتلك أكبر قدر من التقدم التكنولوجي، و المركبة هي الشبكة العنكبوتية الإنترنت، و الأزرار هي وسائل الـ“سوشيال ميديا” التي كان غرضها التواصل بين الشعوب فتحولت عن مهمتها تجاه منحى آخر، وفرقت بين تلك الأمم بحروب رسائلها الشفهية، التى هى أحيانا أكثر فتكًا من الأسلحة النَّووية.
فقد أكدت أحدث الإحصائيات انخفاض معدل حدوث الحروب على أرض الواقع بين الدول بشكل كبير بمرور الوقت؛ وذلك بسبب الأزمات الاقتصادية التي تجتاح العالم، فضلًا عن خسائر الأرواح التي تتكبدها الدول المتحاربة، والمُعادية والمُحتلة، فضلًا عن التكاليف الهائلة للحروب.
وكان عدد الحروب بالعالم سنويًا بالفترة ما بين عام 1950 إلى عام 2000 أكثر انخفاضًا بمقدار عشر حروب مما كان عليه بالحقبة الزمنية بين عام 1820 إلى عام 1949.
التجارة الدولية
إنها واحدة من أهم أسباب انخفاض الحروب التقليدية، و اللجوء إلى حروب الشبكات المجهولة الفاعل، والتي تظل لغزًا يحير الدولة المُعتدَى عليها، فربما تتبادل دولة مظاهر الود مع الأخرى وهي تطعنها من الخلف.. ومن جانب آخر، فالتجارة بين الدول تزيد من كثافة التحالفات بحيث تكون الدول أقل عرضة للهجوم والحروب، مما لا يؤثر بالسلب على تلك العلاقات التجارية،،
وتؤكد البيانات مدى العلاقة العكسية بين الحروب والتجارة؛ حيث أنه كلما زادت الحروب قل الرواج التجاري بين الدول والعكس صحيح، فتُظهر الإحصائيات أن الانخفاض الكبير في الحروب بين الدول منذ عام 1950 يلازمه زيادة كبيرة واستقرارًا في العلاقات والتحالفات التجارية.
حروب الشبكات
“حروب الشبكات” هي الورقة الرابحة بالوقت الراهن، وتقعٌ فيها الفريسة بشبكة صائد حاذق ليس باستطاعتها رؤيته، إنها أكثر الأنواع شيوعًا في وقتنا الحالي، حيث تُخضع العدو ودولته للمثول أمام الـ “طيف الكهرومغناطيسي”، وتشهد تلك التقنية قفزات سريعة لانتشار الطيف والتبادل السريع جدا للرسائل.. إنها الإجراءات الإلكترونية المضادة، حيث تتبدى مظاهرها في التنصت على اتصالات العدو، وبواسطة استخبارات الإشارات؛ والغرض منها التشويش للحد من قدرة العدو على تبادل المعلومات.
لقد أصبح جمع المعلومات الاستخباراتية أكثر أهمية فيما يتعلق مباشرة بالتعقيد التقني المتزايد للحرب الحديثة، إنها الحروب الباردة المُدعمة إلكترونيا لاكتساب معلومات استخبارية عن العدو، حيث يمكن استخدام المعلومات كأساس للتعرف على التهديدات وتجنبها واستهدافها وإطلاقها.
“بسمارك” والتحالفات الحديثة
كان ذلك الرجل المُحنك “أوتو فون بسمارك”، رجل دولة سياسي بروسي، ألماني الجنسية شغل منصب رئيس وزراء مملكة بروسيا بين عامي 1862 و1890، وأصبح أول مستشارًا لها بعد قيامها في عام 1871وأشرف على توحيد الولايات الألمانية وتأسيس إمبراطوريتها،،
أيد بسمارك بشدة فكرة ترتيب تحالفات متعددة لضمان السلام العالمي بالشكل الحديث وليست بالطرق التقليدية، واعتقد بأن الدول الأوروبية يمكن أن تتحالف بطرق من شأنها الحفاظ على توازن سلمي للقوى، حيث أنه كان هناك حروبًا بين عامي 1823 و 2003 ، أسفرت 40٪ من تلك الحروب عن أكثر من 1000 ضحية أو أكثر بين كل دولتين مُتنازعتين، ومنها ما كان مُدمرًا جدًّا، مثل الحروب العالمية والحرب الكورية وفيتنام وحرب الكونغو الأولى والثانية… إلخ.
لذلك فإن نهج نمذجة الشبكات الحديثة، بدلًا من التحالفات على النظام القديم، حيث تنقسم فيه البلدان إلى مجموعات متحالفة ومتشابكة مع أنماط التجارة الدولية؛ يجد رواجًا فكريًّا من كبار السَّاسة بالعالم.
حرب باردة بين “أمريكا” و“الصين”
ومثولًا أمام ساحة الحرب الباردة التكنولوجية، والتي تحولت بسرعة إلى ساحة معركة حاسمة بين كلا الدولتين العُظميين الولايات المتحدة والصين؛ فقد عرقلت أمريكا صعود الصين ككقوة من الناحية التقنية، وحظرت شبكة 5G من Huawei في الولايات المتحدة وفرضت حظرًا افتراضيًا على الشركات الأمريكية التي تزود البرامج والمكونات لشركات التكنولوجيا الصينية.
وقام “ترامب” بإصدار أوامر إلى إدارته بحظر TikTok في الولايات المتحدة، في العام الماضي ، خوفًا من النظام الشيوعي في بكين، والذي يسرق بيانات المستخدمين الشخصية.. إنَّ حرب التكنولوجيا الحديثة هي عبارة عن عالم توجد فيه مجموعتان من البلدان بمعيارين منافسين.
خطر الصين
وقف مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة Facebook أمام جمهور جامعة جورج تاو في عام 2019 ، وقام بعرض تحذيرًا في غاية الخطورة، حيث قال :“إن الصين تعمل على تطوير عالم على الإنترنت غير مألوف لمن هم في الغرب ، بقيمها ومنصاتها الخاصة”.
وارتكز خطاب مارك على التحذير من عواقب النظام البيئي البديل للإنترنت في الصين على حرية التعبير، على عكس ما بدت عليه وسائل التواصل بالتعبير بحرية تامة عن الآراء الشخصية.
واستكمل زوكربيرج تحذيره : “تقوم الصين ببناء شبكة الإنترنت الخاصة بها التي تركز على قيم مختلفة ، وتقوم الآن بتصدير رؤيتها للإنترنت إلى دول أخرى”.
صراع أمريكا وأفغانستان
إنه الصراع الأشهر على الإطلاق في الآونة الأخيرة، فبعد صراع دام لسنوات توجهت الولايات المتحدة أخيرًا إلى محاولة التفاوض على نهاية سياسية للحرب مع طالبان. بعد أن كان ترامب- سابقًا- قد اتخذ موقفًا مختلفًا فيما يتعلق بأفغانستان، وذلك بعكس ما قام به بأوباما. فبعد انسحاب القوات الإضافية، زاد ترامب التدخل العسكري الأمريكي، وزاد من قتله وغاراته على أفغانستان، لكن قوات طالبان كانت ما تزال بقوتها ونفوذها العسكري كان ما يزال لديها نفوذًا، فاستطاعت أفغانستان بعد 17 عامًا من الصراع على السيطرة ما بين 60٪ إلى 70٪ من البلاد.
هل انتهى الصراع إلى هذا الحد؟!.. إن شئت قل لقد بدأ الصراع، فقد كان الاعتقاد بأنه بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان، وكذلك إصابة أمير افغانستان أو رجلهم الثاني قد يخلخل الانسجام بين صفوفهم، ولكن قامت داعش بصنع شبكة مرنة باستطاعتها التكيف مع كل الأوضاع ولكن اكتشف العالم أن شبكتهم مرنة بحيث يتكيفون مع الأوضاع فتبيَّن أنَّ لديهم وسائل لتوصيل المعلومات بسرعة استثنائية.. من هنا بدأت أمريكا بتكوين شبكة تكنولوجية لتوصيل المعلومات إلى أفراد الشبكة بكامل المصداقية وتحت مُراقبة صارمة..وبدأت حروب أخرى ولكن بشكلٍ مختلف.
