د. محمد ابراهيم بسيوني يكتب: شأن عام

الأستاذ عمرو أديب في حلقة من “الحكاية” حاول إثبات وجهة نظر أن الذوق العام هو الذي يحدد المحتوى الذي تقدمه المنصات الإعلامية.. وأخذ يكرر السؤال.. “انتوا بتتفرجوا على إيه؟”.
ما نراه ونسمعه اليوم هو نتاج هدم ممنهج لتطور المجتمع المصري والتفوق الثقافي والحضاري وانهيار الذوق العام المنسجم مع تطور المجتمع الذي بزغ وسط منطقة غارقة في الجهل والتخلف والبدائية الثقافية والحضارية والفكرية.

لا نقابة الموسيقيين ولا المصنفات الفنية ولا وزارة الثقافة ولا أي جهة رسمية ستوقف موجة الإسفاف العاتية الصاخبة التي يطلق عليها غناء المهرجانات، طالما هناك ناس يتكالبون على ما يقدمونه ويحققون لهم أرقاما مليونية على اليوتيوب، ومتعهدون حفلات في مصر وفى دول عربية يتعاقدون معهم بالجملة لإحياء أفراح وحفلات، وجهات رسمية وقنوات إعلامية تحتفى بهم. فهذا يناسب ذوق كثير من الناس ولكن هناك واجب قومى على الإعلام أن يتجاهلهم ولا ينقل أخبارهم، ويصنع لهم شهرة زائفة، ويعطى انطباعا للمجتمع بأن هذا فن يستحق ان نسمعه.
المواءمات مع التيار الاسلامي المتطرف الذي اغرق سوق السينما بالاموال لإنتاج أفلام هابطة إباحية للقيام بالتوازي بدور المنقذ من الفحش والفجور ونجحوا.

طالع المزيد:

فكل من عاصر زمن السبعينيات، عصر أفلام المقاولات، كان غالبيتها تمويل خليجي ومعهم لبنانيون من الباطن استحوذوا علي إنتاج الأفلام، وأغرقوا الشاشات بأفلام خالية من المضمون وغريبة علي اخلاقيات المجتمع المصري وهدمت السينما المصرية.

وكان ما سبق مقدمة لتصدير الفكر والثقافة المتطرفة بالتوازي لتسيدها. من هنا بدأت عمليه اختراق كافة مؤسسات الدولة. فقد نجحوا في التلاعب بعقل وعواطف الشعب المصري ومن هنا بدأ الطاعون الوهابي الاخواني يضرب بسطاء المصريين ومنه لباقي فئات المجتمع الذي تم تغييبه بتجهيله بعد الهيمنة علي المؤسسات التعليمية ونقابات كل المهن. سيطروا علي العقول والأذهان باختراقهم السينما، ‏من أجل ان يكفر المجتمع بالسينما والثقافة والفن الراقي بل ويصنفها من المحرمات والبدع والضلالات، وتزامن ذلك مع فتح سلاسل تجارية كبري علي امتداد المدن والقري لتبيع ما يطلق عليه “ملابس الحشمة” بأسعار رمزية.

.. والذوق العام يحدده الوعي العام، والوعي العام هو نتاج التربية والتعليم الحكومي، الفن الحكومي، الإعلام والصحافة الحكومي، المكاتب ومراكز الشباب والنوادي الحكومية، المواقع الحكومية، أي المصادر حكومية كلها.
ولكي ترتقي بالذوق العام لابد من دعم وتنمية وتبنى ما يرفع الذوق العام.
وماذا تنتظر من أجيال تشب على سماع موسيقى شوبان وبيتهوفن وموزارت وغيرهم وأنت مهمل ومتجاهل تربية وتعليم وحصص موسيقى وليس هناك طالب يتعلم العزف على آله موسيقية طوال سنوات تعليمه؟!.

هذا غير الشيوخ المطلوقين في كل خطبة وكل فضائية يحرموا عليهم الفن والموسيقى. فطبيعي أن يتدنى الذوق لأنك حرمته من الرقي في الذوق.
أجيال المهرجانات والراب الجديدة لم يتعلموا الموسيقى في المدارس ولم يتعلموا العزف على آلات الموسيقية. فلا تنتظر منهم الرقي بالذوق الموسيقي وإختيار وسماع ما لم يتعلموه ولم يألفوه منذ صغرهم.
نحن نحتاج دم جديد في قطاع الثقافة والسينما والتلفزيون والفنون كافة. دم جديد ومستوي ثقافي وفكري واجتماعي وإداري مختلف تماما عن الموجودين. نحن نحتاج لتعين ارقي البشر وأكثرهم تطورا وانفتاحاً علي العالم ومعرفة وذكاء اجتماعي وحكمة وحنكة في ادارة المنظومة واختيار فرق عمل مختلفة تماما.

 

زر الذهاب إلى الأعلى