طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (41) وكر الزومبى الليلى

كلفنى الأستاذ منصف رئيسى فى العمل بمصاحبة بعض ضيوف الشركة من الإخوة المستثمرين العرب شركاء العمل ودعوتهم على العشاء فى إحدى المطاعم الفاخرة .
كانوا ثلاثة تتراواح أعمارهم ما بين الخامسة والأربعين إلى الخمسين تقريبا.
فكرت فى دعوتهم فى أحد مطاعم الفنادق لضمان مستوى الخدمة والطعام لكننى فوجئت بهم يطلبون أن يكون العشاء فى مكان يكون فيه رقص شرقى مما يسمعون عنه فى مصر .
بحثت وسألت حتى توصلت لمطعم أو مكان على النيل فى منطقة العجوزة لديه برنامج غناء ورقص شرقى .
كان المفترض أن التقى بالرجال الثلاثة فى السابعة مساءا حتى نذهب سويا إلى حفل العشاء لكنى عندما وصلت إلى الفندق الذى يقيمون فيه لم أجدهم،
حاولت الاتصال بهم فى الغرف فلم يرد أحد مضت ساعة ونصف وأنا انتظر فى بهو الفندق قبل أن اشاهدهم يدخلون من باب الفندق يحملون شنط مشتريات ويضحكون وما أن رأونى حتى اعتذروا عن التأخير، حافظت على هدوء أعصابى احتراما لكرم الضيافة، وطلبت منهم الإسراع حتى لا نفوت موعد العشاء، فصعدوا إلى غرفهم ليضعوا مشترياتهم ويغيروا ملابسهم وينزلون مرة أخرى.

ضاعت ساعة أخرى الزومبى لا يعرف الإلتزام بالمواعيد مطلقا (!!).
أصبحت الساعة التاسعة والنصف عندما غادرنا الفندق وتوجهنا إلى المطعم بسيارة الشركة، دخلنا المطعم وكأننا دخلنا عالم آخر الأضواء خافتة والضيوف من علية القوم يجلسون على الموائد الفاخرة، الرجال يرتدون معاطف وبذات أنيقة والنساء يرتدين ملابس سهرة مثل ملابس مهرجانات السينما .
رحب بنا مدير المطعم بلهجة خليجية مبالغ فيها عندما رأى الأخوة العرب معى مثل” يا هلا والله” و “نورتوا المكان وايد” تعجبت من طريقة كلامه اكتشفت أنه زومبى متحول يغير لهجته حسب جنسية الزبائن لأنه فى نهاية حديثه وجه كلامه لى قائلا: “سعادة الباشا منور الدنيا”.

هذا الكلام والترحيب من المفترض أن نترجمه نحن لإكرامية نعطيها له عند المغادرة بالطبع .
رأيت أول ما رأيت داخل صالة الطعام الكبيرة التى تحتوى على مسرح فى نهايتها زجاجات الخمر موضوعة على ترابيزات الزبائن، كنا نحن الترابيزة الوحيدة الخالية من زجاجات الخمر، لذا كان الجميع يتعجب منا حتى عمال المطعم.

طلبنا الطعام وزجاجات المياه الغازية كنا أغراب بالنسبة لرواد المطعم الذين يعرفون بعضهم البعض تقريبا، أتى الطعام وكان سىء للغاية وبارد فهم يهتمون فى هذا المكان بالشراب والمقبلات أكثر من الطعام طلبت مدير المطعم وأخبرته بسوء الطعام فتأفف ولسان حاله يقول هذا ليس مكان للأكل هذا مكان للشرب والإنبساط.

بعد ظهور مطرب شعبى على المسرح راح يداعب الحاضرين الذين يعرفهم جيدا بحكم أنهم يأتون ربما كل ليلة للسهر فى هذا المكان.

تجاوزت الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل والراقصة لم تظهر بعد كنت متخيل أن هذا العشاء سينتهى فى العاشرة مساءا أو الحادية عشرة على أقصى تقدير فأنا لا أحب السهر خارج المنزل.

بعد عدة دقائق صعدت الراقصة الشهيرة إلى المسرح فرأيت زومبى راقص يجرى على المسرح فى اتجاه اليمين والشمال والأمام والخلف كل لحظة تنظر وراءها وكأن شخص يطاردها، ثم تقفز فى الهواء وتنحنى إلى الأمام لترى جمهور الحاضرين مواهبها فى اللاشىء.

ومازلت لا أفهم ما الفن فى هذا النوع من الرقص.. هز الجسد أو هز أجزاء من الجسد، تركت الضيوف يتابعون الراقصة بشغف وإنبهار ورحت أتابع جمهور الحاضرين من زومبى ليل القاهرة.

وجدت رجلا يرتدى بدلة كاملة فاخرة تبدو عليه علامات الوقار، يجلس وحيدا على مائدته وجهه أحمر منتفخ له شارب أسود سميك يشبه زعماء المافيا فى أفلام السينما أمامه زجاجة خمر وكأس، يأتى نادل المطعم كل فترة ليملأ له كأسا بعد كأس وهو يراقب حركات الراقصة البهلوانية بهدوء وثقة كأنه فى مهمة رسمية، رأيته بعد عدة كؤوس يقوم من مكانه فجأة ويصعد على المسرح، وسرعان ما أخرج من جيب جاكيت البدلة رزمة من النقود وراح يلقيها فوق رأس الراقصة وأنبرى سريعا عامل من خلف الفرقة الموسيقية وراح يجمع النقود من على الأرض وبعد أن حيته الراقصة بحركتين من خصرها عاد إلى مكانه منتشيا يتخبط فى المقاعد والجالسين حتى وصل إلى مائدته وجلس بنفس الهدوء والوقار .

تتابع بعدها قيام الحاضرين من الرجال إلى المسرح وإلقاء النقود على الراقصة بنفس الطريقة وانا أتعجب مبالغ كبيرة ألقيت على الأرض لماذا ؟ لا تسأل الزومبى عما يفعل !

عرفت بعد ذلك من العمال على بوابة المطعم بعد أن اطمئنوا أننى ليس رواد مثل هذه الأماكن أن هذا الرجل الوقور الذى يجلس وحيدا يعمل حارسا شخصيا للراقصة وأنه يقوم بتمثيلية إلقاء النقود على الراقصة فى البداية ليحث ويستفز الحاضرين على تقليده.

بمجرد أن انتهينا من تناول الطعام السىء الذى لا يساوى الثمن الذى دفعناه على الإطلاق غادرنا المكان وخرجنا من وكر الزومبى الليلى.

زومبى ليل القاهرة مختلف تماما عن زومبى النهار ومتقدم عليه بمراحل.

نكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.

اقرأ ايضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى