د. مجـدي هـاشم يكتب: حرب أوكرانيا ونهاية العالم أحادي القطبية (2من2) ملامح النظام العالمى الجديد
ومن ملامح النظام العالمي الجديد إنشاء مؤسسات مالية كبيرة لتكون بديلا عن البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي اللذان يهيمن عليهما الولايات المتحدة الآمريكية.
وأهم هذه المؤسسات “بنك التنمية الجديد” الذي تم الاتفاق خلال قمة تحالف بريكس في يوليو 2014 على إنشائه في شنجهاي علي أن يبدأ عمله عام 2018 ليكون بديلا عن البنك الدولي للإنشاء والتعمير لتمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة بدول تجمع «بريكس» وغيرها من الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية.
ويبلغ رأس مال البنك ١٠٠ مليار دولار. ويهدف البنك إلي توسيع نطاق عمله جغرافيًا ليصبح المؤسسة التنموية الأولى لخدمة اقتصادات الدول الناشئة والبلدان النامية. وقد تم قبول عضوية مصر في بنك التنمية الجديد في نهاية العام الماضي.
وفي خلال انعقاد نفس قمة 2014 تأسس صندوق الاحتياطي النقدي لدول البريكس ليكون بديلا عن صندوق النقد الدولي وليحمي الدول الأعضاء من الضغوط المالية العالمية في سوق العملات التي يتحكم فيها الدولار كعملة وحيدة للمعاملات التجارية الدولية.
كما بادرت الصين في عام 2012 بتأسيس نظام الدفع العابر للحدود بين البنوك وهو نظام تتم من خلاله المعاملات المالية للدفع بين أعضائه باستخدام عملتها الرسمية “اليوان”، وقد أنجز هذا النظام في عام 2021 عمليات بلغت قيمتها نحو 80 تريليون يوان (12.68 تريليون دولار)، وبلغ عدد المؤسسات المالية المشاركة في هذا النظام نحو 1341 مؤسسة في أكثر من 100 دولة ومنطقة مرتبطة بالنظام حتي يونيو من العام الحالي من بينها مصر.
ولا شك أن هذه التحولات في النظام العالمي ستؤدي إلي تداعيات خطيرة، فالنظام العالمي الناشئ قد اشتد عوده وبات يشكل تهديدا حقيقيا علي استمرار الهيمنة الأمريكية علي العالم.
ومما لا شك فيه أيضا أن أمريكا لن ترفع الراية وتسلم بالواقع الجديد، ولذلك فإن الحرب في أوكرانيا ما هي إلا أحد مظاهر هذا الصراع وأكثرها سخونة وربما أكثرها تأثيرا علي نتائج هذا الصراع، فهدف أمريكا هو إسقاط الرئيس بوتين الذي يعد أحد القادة المؤسسين للنظام العالمي الجديد ومن أهم أركانه، وأن إسقاط الرئيس بوتين هو أمر يصعب توقعه في المدي القريب، ومن ثمّ فإن هذه الحرب قد تطول وبالتالي استمرار تداعياتها الخطيرة علي المجتمع الدولي ككل.
وسوف تتضافر جهود عديدة من أجل إيقاف هذه الحرب فالصين وقادة العالم الجديد لن يقبلوا بهزيمة روسيا، كما أن دول الاتحاد الأوروبي حلفاء أمريكا التقليديون لن تستطيع احتمال الآثار شديدة الوطأة علي شعوبها في حال استمرار هذه الحرب، فالوصول إلي حلول وسط دون هازم أو مهزوم قد يكون الحل الأمثل لإنهاء الحرب هذا في حال لو لم يتمكن الرئيس بوتين من تحقيق نصر حاسم علي الأرض في زمن قريب.
كذلك فأن انضمام مصر لعضوية تحالفات النظام العالمي الجديد “بريكس بلس” ومنظمة شنجهاي يؤكد توتر العلاقة بين مصر وأمريكا وأن مصر قد ضاقت بالضغوط التي أعتادت أمريكا ممارستها من خلال شروط البنك الدولي القاسية التي تهدد السلام المجتمعي.
لذلك فمن المتوقع أن تفرض الولايات المتحدة علي مصر بعض العقوبات الاقتصادية مثل تخفيض المعونة المخصصة لها، إلا أن الأهم والأخطر من العقوبات الاقتصادية هو الدعم الأمريكي الذي لم ينقطع منذ يناير 2011 لحملات تأليب الشارع المصري علي الدولة، التي تساندها أمريكا وحلفائها الأوروبيون والتي تسعي إلي إدخال الدولة المصرية في آتون الفوضي لتلحق بأشقائها في ليبيا وسوريا والعراق واليمن والسودان ويتحقق لأمريكا ما فشلت في تحقيقه في 25 يناير 2011.
ويعد تشدد البنك الدولي في إقراض مصر والإصرار علي فرض شروطه ذات التداعيات السلبية علي المواطن المصري أحد أهم الضغوط والتي تأمل أمريكا وحلفائها أن تؤدي إلي نشوب الفوضي التي تسعي إلي إحداثها.
ومع ذلك فإن انضمام مصر لتحالفات النظام الجديد هو خطوة صحيحة وفي الاتجاه الصحيح إلا أنها تتطلب دعم المصريين للقيادة المصرية والوقوف ضد حملات التشكيك مهما تباينت بيننا وجهات النظر، فهذه القيادة تقود سفينة الوطن في ظل ظروف دولية شديدة التعقيد والتداخل والتغير، وفي خضم مخاطر سياسية واقتصادية إقليمية ودولية كبيرة، وتهديدات أمنية خطيرة تحوط بها من كل جانب شرقا وغربا وجنوبا.
حفظ الله مصر وأبنائها المخلصين واللهم ادحر كل من أراد بها سوءا.