أمل محمد أمين تكتب: دائرة الضياع

كان يقف على حافة الباب الأمامي للحافلة متكئً بطريقة مستهترة على عمود حديدي يفصل بين المقاعد وكبينة القيادة، لم استطع تحديد عمره على وجه التحديد هل هو في منتصف العشرينات من عمره أم في نهايتها، شاب طويل شديد النحافة يثرثر  في كلمات متتالية بالغة الوضوح يحكي بصوت عال لأحدهم في تليفونه المحموله عن توقفه عن تعاطي المخدرات لأنه لم يعد يقدر على دفع ثمنه وأن جسمه أصبح خالٍ من المخدرات الآن؟

أغلق المحادثة واستدار بوجهه يتحدث إلى سائق الحافلة يحكي له قصته وكيف أنه أدمن المخدرات منذ أن كان مراهقا ودخل عدة مصحات لكن دون جدوى فكلها كانت مرتع لتوزيع كل أنواع المخدرات على عكس الغرض من وجودها لكنه توقف لوحده لأنه لم يعد قادر على دفع مخدر “الشابو” وأصبح يتردد على عيادة أحد أطباء مكافحة الإدمان الذي يعطيه دواء يجعله لا يرغب في التعاطي، وأكمل الشاب حكايته ” وفي يوم من الأيام ضايقني أحد الشباب اخذت المخدر وانتظرته تحت منزله لمدة أربع أيام حتى خرج و طعنته بسكين وذهبت لأسلم نفسي في القسم لكنهم أطلقوا سراحي وقالوا “اذهب ولا تعد ثانية!” واسترسل الشاب في حكايته وكيف أن والده طرده لكن الحمام الذي يربيه استمر في النقر كل يوم على باب بيتهم حتى أعاده والده إلى المنزل”  وختم قصته بأنه متأكد أن الله يحبه لأن الحيوانات تحبه” ثم نزل عن الحافلة تتابعه العيون بدهشة وغير تصديق.

لا اعرف كيف استقبل باقي الركاب الحكاية ولكن كل ما فكرت فيه أن هذا الرجل يرغب أن يحبه الناس ويبحث عن الحنان الذي افتقده في قلوب أقرب الناس من عائلته، لا أعرف إذا كانت هذه الحقيقة أو أنه مجرد شاب ضل الطريق كالعشرات غيره.

لم تكن هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها أحد المدمنين، فوجودهم منتشر في كل مكان و المشترك بينهم اللامبالاة الشديدة بحياتهم وأحيانا يؤذون الآخرين.

وفي كل مرة أرى أحد المدمنين  كنت أسأل نفسي لماذا يتعاطى البعض المخدرات، لماذا يبيع الناس عقولهم ويشترون المخدر؟! هل يصل المدمن إلى درجة من التجلي والنشوة تجعله يستمر  في دائرة الضياع بلا توقف حتى يأتي الموت؟!

لأحصل على بعض الإجابات قرأت إحدى الدراسات التي توضح أن البعض يميل لتقليد أبطال الأفلام فالعديد منهم يظهرون وهم يشربون سيجارة أو يشربون كأس وكأن الرجولة والقوة لا تكتمل إلا بالسيجارة وتعاطي الكحوليات.

لذا فإن تناول وسائل الإعلام والسينما لتلك المخدرات يكون لديه أثر سلبي على اختيار المراهقين لتلك المواد المخدرة والكحوليات بصفة عامة، السبب الثاني لتعاطي المخدرات بحسب الدراسة الهروب من الواقع، فأحيانا يكون السبب الأساسي الذي يدفع الشباب إلى تناول المخدرات هو علاقة المراهق بأسرته، فإذا كانت لديه بعض من المشاكل الأسرية وبعضا من مشاكل الصداقة والمشكلات العامة التي تواجه كل طالب داخل المدرسة أو الجامعة.
وإذا ابتعد هذا الشاب عن المواجهات السليمة ودعم الأسرة فإنه يقوم باللجوء إلى المخدرات كأحد فرص الهروب من ذلك الواقع المرير، فالشاب يرى المخدرات في هذه الحالة كما لو كانت ملجأ للأمان وحتى لو كانت لفترة قصيرة.
ويرجع البعض تعاطي المخدرات إلى عدم قبول الذات أو النفس فأحد الأسباب التي تدفع الشباب إلى تناول المخدرات هو عدم قبول أنفسهم في تلك المرحلة الحرجة من الحياة فمثل هؤلاء الشباب يرغبون في أن يحصلوا على صداقات كبيرة وأن يكونوا مميزين وسط أصدقائهم فضلا عن عدم معرفتهم بقدراتهم والمواهب التي منحها لهم الله.

وفي ذات السياق أحيانا يشعر المراهق أنه محاط بالضغوط والأوامر التي يتلقاها من أبويه ومن المتوقع أنه سوف يتم الرد على تلك الأوامر والضغط بشكل عكسي ومن وجهة نظره فأحد الأسباب التي تدفع الشباب إلى تناول المخدرات هو رغبته بالشعور بأنه شخص مستقل متمرد على تلك الأوامر، وألا يشعر كما لو كان طفل صغير.
حيث دائما يكون في حالة غضب اللاوعي ومن ثم فانه يرغب إلي تغذية هذا الغضب والشعور بأنه إنسان ناضج حتى ولو كانت تكلفة هذا الشعور هي تكلفة باهظة نتيجة اتجاهه إلي تناول تلك المخدرات.

وقد يكون الدافع الأكثر غرابة هو فضول الشباب في تجربة كل جديد غير مدركين للعواقب خاصة إذا كانت الخمور والمواد المخدرة متاحة أمامهم وبوجود أصدقاء السوء الذين على ثقة بذلك الشخص أو الشابة الذين يمهدون الطريق وإقناعهم أن تناول هذه المخدرات والكحوليات لمرة واحدة لن يكون ضارا، ويتم إخبارهم أن هذا الشيء وارد في مرحلة المراهقة، ولا مانع من القيام به في الواقع فان هؤلاء الشباب يقومون بالكذب على انفسهم وتعتبر تلك المرحلة أو الخطوة التي يقومون بها هي أولى المراحل في إدمان المخدرات وتعاطيها بشكل كبير.

وإذا امعنا النظر في الأسباب كلها سنجد أن أساس تعاطي المخدرات هو تشوه نفسي يسببه خلل في التربية سواء عن طريق الاهتمام الزائد من الأب والأم او الإهمال من كليهما لفلذات أكبادهم؛ فالاهتمام الزائد أو قلته تؤدي إلى ضعف الثقة في النفس والرغبة في جذب الانتباه والإفراط في طلب رضا المجموعة أو الشلة .

ولا بد أن نسأل أنفسنا كيف نحمي أطفالنا وأبنائنا  من تعاطي المخدرات؟ وأعتقد أن الإجابة هي القرب من الله والخوف من معصيته وتأدية الصلاة بانتظام.. لا اتحدث عن التدين الظاهري بل ما استقر في القلب من ورع ويقين بالله يتحول إلى درع أو جدار عازل يحمي الإنسان من الزلات والشهوات والسقوط في بئر الاكتئاب والحزن وما يعقبها من محاولات للنسيان والتجاوز عن طريق المخدر أو الأسوء عن طريق الانتحار.

اقرأ أيضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى