د. قاسم المحبشى يكتب: ليس لدى الفلاسفة ما يخفونه
ربما كانت الفلسفة من بين جميع أشكال التفكير والمعرفة هي الأكثر شفافية وعلنية وشفافيتها تنبع من طبيعتها الفكرية العقلية المجردة التي تناقش مفاهيم تتصل بحياة كل إنسان عاقل (العدالة والحرية والمعرفة والوجود والذات والموضوع والعقل والانفعال والخير والشر واللذة والآلم والتاريخ والإنسان والعلم والتعليم والتربية والثقافة.. الخ).
فحيثما تحضر الفلسفة تحضر الإنسانية بكل صورها وتجلياتها الظاهرة والخفية فلا شيء لدى الفلاسفة يمكن اخفاءه.
تداعت إلى ذهني تلك الفكرة الليلة في اجتماع وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية بالمعهد العالمي للتجديد العربي وأنا استمع للزملاء والزميلات في نقاش مشروع استكتاب كتاب عن الفلسفة العربية الراهنة والمشكلات المعيشية المحتدمة في واقعنا العربي.
أدار الحوار الدكتور خالد كموني أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية ورئيس الوحدة مع الدكتورة ريم الدندشلي نائبته.
كنا من مختلف الأقطار العربية من مصر واليمن والعراق ولبنان وتونس والجزائر وسوريا والمغرب والسودان وموريتانيا. تداولنا الرأي بكل شفافية واحترام في الموضوعات الإشكالية بلا تعصب ولا تشنج ولا ضجيج ولا انفعال وتحول الاجتماع بكل سلاسة إلى ندوة فلسفة ثرية وممتعة ومفيدة وهذا قلما يحدث في الاجتماعات الرسمية في المجالات الأخرى.
اختلفنا وتحاورنا واتفقنا على القواسم المشتركة التي تجمعنا. ربما كان اجتماع الليلة من أفضل الاجتماعات التي تستحق التنويه والاشادة.
وأنا استمع المتداخلين تذكرت وضع المشتغلين في الفلسفة في العصور العربية الوسطية زمن الكندي والفارابي والغزالي وابن سيناء وابن رشد وابن خلدون إذ من المؤكد أن الأفق الثقافي الذي كان مهيمنا في زمانهم لم يسمح لهم بالاجتماع العلني ومناقشة قضاياهم بشفافية كما سمح لنا الآن بل قلما قرأنا عن اجتماع ثلاثة فلاسفة عرب في العصور القديمة.
ولعل أبو حامد الغزالي حينما كتب (المضنون به على غير أهله) كان يتحدث عن الأفق الثقافي المهيمن في زمانه حيث كانت المرأة مستبعدة عن العلم والتفكير كما يروي ابن جني في كتاب الخصاصة ومنع النساء عن الكتابة.
اجتماع وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية الليلة بحضور متساوي من النوع الاجتماعي وما دار فيه من نقاش رصين من الزميلات والزملاء يعد نقلة نوعية كبيرة في البرادايم الثقافي العربي الراهن.
نعم هو اجتماع افتراضي وربما لم نعرف بعضنا الا عبر الفضاء ومع ذلك يشعر المر وكأنه يعرف الزميلات والزملاء منذ زمن طويل. ثم هم يجمعنا وفكرة توحدنا ولغة مشتركة تسهل التواصل فيما بيننا وتاريخ وحضارة تسندنا.