لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: هل هناك بوادر لحل سياسي؟
بدأ الثلج يهطل على العاصمة الأوكرانية، كييف، في نفس الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، أن عشرة ملايين من شعبه يعانون من انقطاع الكهرباء، نتيجة القصف الصاروخي الروسي، للمدن الأوكرانية، الذي استهدف البنية الأساسية، وعلى رأسها محطات الكهرباء، حيث وصل عدد الصواريخ الروسية، على العاصمة كييف، إلى مائة صاروخ، في يوم واحد، الأمر الذي دعا الجيش الأوكراني للتصدي لذلك القصف، بإطلاق الصواريخ المضادة، ومنها الصاروخ S300، التي سقط أحدها، نتيجة عطل فني، على قرية بولندية، مما أثار حفيظة العالم.
وفي محاولة منه لإثارة دول حلف الناتو ضد روسيا، أعلن الرئيس الأوكراني أن الصاروخ الذي سقط على بولندا يتبع القوات الروسية، ليتهمها بالتصعيد المباشر ضد واحدة من دول حلف الناتو، فردت روسيا، على الفور، بأنها لم تقصف بولندا بأي أنظمة صاروخية، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في تصريح له بأن الصاروخ لم يوجه من روسيا، ولكنه صاروخ دفاع جوي، من أوكرانيا، سقط على بولندا بطريق الخطأ.
وفي نفس الوقت، نجحت الأمم المتحدة في تمديد اتفاق مرور الحبوب الأوكرانية والروسية عبر الممر الآمن من البحر الأسود إلى ممر البسفور والدردنيل، لمدة 120 يوم إضافية، إذ تشير التقارير أنه من خلال الاتفاق الأول نجحت أوكرانيا في تصدير 12 مليون طن من الحبوب. ورغم ما تزعمه روسيا من أن تلك الأحجام تم تصديرها إلى الدول الغنية، بينما لم يزد نصيب الدول الفقيرة عن أقل القليل، إلا أن ذلك الاتفاق، ومد العمل به، أدى لتهدئة الموقف الاقتصادي العالمي، رغم رفض روسيا لتمديد العمل بالاتفاق، لمدة عام، وذلك لضمان سيطرتها على الوضع في المنطقة.
وعلى صعيد غير منفصل، فإن فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في الكونجرس الأمريكي، خلال الانتخابات النصفية الأخيرة، يُتوقع معه تغير الحسابات المستقبلية، بشأن الدعم الأمريكي لأوكرانيا، حيث يرى الجمهوريون أن الإدارة الأمريكية، الحالية، قد دعمت أوكرانيا من احتياطي الأسلحة الاستراتيجي للجيش الأمريكي، مما من شأنه إضعاف القوة الدفاعية الأمريكية، بينما يرى الجمهوريون أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا لابد وأن يستند على تقدير للموقف في المنطقة، بما لا يزيد من اشتعال الحرب بين الدولتين. ومن هذا المنطلق، صرح رئيس الأركان الأمريكي بأن وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا لن يتم إلا من خلال حل سياسي بين الدولتين.
وفي ذات السياق، انعقد اجتماع بإسطنبول، في الأسبوع الماضي، بين رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، ونظيره الروسي، أكدا خلاله على أنه لا نية، لأي طرف، في استخدام السلاح النووي في الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا. وفي أعقاب الاجتماع، صرح رئيس الاستخبارات الأمريكية بأن الحل السياسي بات الأقرب عما كان عليه من قبل، في نفس الوقت الذي يتردد خلاله في بعض الأوساط الإعلامية الأمريكية، أن أمريكا بدأت تمارس بعض الضغوط، على الرئيس الأوكراني، للدخول في مفاوضات مع روسيا، للوصول إلى حل لتلك الأزمة، وهو ما يؤكد عدم قدرة جو بايدن في الحصول على موافقة الكونجرس، على تقديم دعم مالي وعسكري إلى أوكرانيا مستقبلاً.
وبعد استخدام روسيا لسلاح الغاز الطبيعي، ووقف إمداداتها منه إلى أوروبا، كأحد وسائل الضغط، مع دخول فصل الشتاء القارس، مستهدفة ثورة الشعوب الأوروبية على حكوماتها الداعمة لأوكرانيا، إلا أنها قد أعلنت استعدادها للتفاوض مع أوكرانيا للوصول إلى حل سياسي لهذه المشكلة. وعلى الطرف الآخر، ورغم إعلان زيلنسكي، منذ عدة أسابيع، رفضه الدخول في مفاوضات سياسية، مع روسيا، لحل النزاع، إلا بعد رحيل الرئيس الروسي بوتين، إلا أنه قد بدأ الإفصاح عن بعض شروطه لبدء التفاوض، والتي منها انسحاب روسيا من كل الأراضي الأوكرانية، والوصول إلى حدود 1991، مع إلزام روسيا بدفع تعويضات عن الخسائر التي لحقت بالبنية الأساسية الأوكرانية، وهو ما رفضته روسيا، بالطبع، باعتبارها شروطاً تعجيزية لبدء أية مفاوضات.
ورغم ما سبق، إلا أن جميع الشواهد تؤكد على اتجاه كافة الأطراف لدفع أوكرانيا في الدخول في مفاوضات، مع روسيا، والتوصل لحل سياسي ودبلوماسي، لإنهاء هذه الحرب التي أنهكت الاقتصاد العالمي، ودفعت أعتى الاقتصادات لحافة الهاوية، بما نال من الاستقرار السياسي لبعضها، فها هي الإدارات الأوروبية تواجه أزمة مع شعوبها بسبب نقص إمدادات الغاز الطبيعي، نتيجة دعمها لأوكرانيا على حساب روسيا. وها هو الحزب الديمقراطي الأمريكي، يستعد لخوض انتخابات رئاسية، بإعادة ترشيح الرئيس الحالي، جو بايدن، بالتزامن مع فقد أغلبية مقاعده في الكونجرس الأمريكي، لذا يسعى جاهداً للنجاح في خفض سعر الوقود في الولايات المتحدة، خاصة بعد النقد الموجه للإدارة الأمريكية الحالية بفقد جزء كبير من احتياطي النفط الأمريكي، بما أدى لارتفاع سعره داخل البلاد، في سبيل دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.
ورغم ما تبذله بعض الدول من محاولات لأن تكون طرفاً في حل الأزمة الروسية الأوكرانية، ومنهم تركيا، التي تسعى للقيام بدور الوسيط في تلك المرحلة، إلا أنه من غير المُتوقع أن تسمح لها الولايات المتحدة القيام بهذا الدور، ليحتفظ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، به لنفسه ولإداراته، ليكون أحد ركائز حملته الانتخابية، باعتباره من حقق السلام الدولي، بما يمنحه دفعة قوية، في الانتخابات القادمة أمام منافسيه، ومنهم الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أعلن عن خوضه للسباق الانتخابي.
Email: [email protected]