روما تكرّم سيد مكاوى

إكرامى هاشم

رسالة إيطاليا: إكرامى هاشم

مساء أمس الأربعاء 7 ديسمبر، كان الفنان الراحل شيخ الملحنين العرب، الموسيقى، والمطرب الكبير، سيد مكاوى، حاضرا، بروحه، وتراثه، وامتداده فى ابنته، السفيرة إيناس مكاوي، التى حملت التكريم نيابة عنه.

كرمت روما عاصمة إيطاليا، ممثلة فى جمعية الصداقة العربية الإيطالية الراحل العبقري سيد مكاوي، الذي غاب عن عالمنا في شهر أبريل من عام 1997 و ترك وراءه تراثا موسيقيا عربيا متنوعا مازالت تتغني به الأجيال.

جاءت المبادرة من قبل الشاعر الإيطالي “فرانشيسكو تيروني” المرشح لجائزة نوبل في الأدب بالتعاون مع جمعية الصداقة الإيطالية العربية والتي يترأسها الصحفي و الاعلامي طلال خريس مدير وكالة الأنباء اللبنانية، وتم دعوة نجلة الفنان الراحل، السفيرة إيناس مكاوي رئيسة بعثة جامعة الدول العربية في إيطاليا لتسلم درع التكريم .

وحضر التكريم مجموعة من رجال الإعلام و الصحافة و بعض سفراء الدول العربية بإيطاليا علي رأسهم سفير المملكة الأردنية، والصحفي الإعلامي محمد يوسف، المتحدث بإسم الجالية المصرية في روما، والإعلامية الصاعدة إيمان فتحي.

وأقيمت أمسية و ندوة علي هامش مراسم التكريم اعربت فيها سعادة السفيرة إيناس مكاوي عن سعادتها بالمبادرة وأمنيتها أن تكون تلك المبادرة بداية للتعاون الثقافي العربي الإيطالي، وأن يستمر تكريم كل مبدعينا العرب الراحلين كأمثال الفنان محمود درويش، وصاحب السمو الأمير طلال و الذين أثروا الفن العالمي بإبداعاتهم و سكنوا وجداننا بفنهم المتفرد.

وتحدثت نجلة المبدع الراحل عن أهم ما مميز فن والدها، فقالت إنه كان من المحافظين علي تراث الشعوب وأنها دائما ما تفتخر بكونها نجلة الراحل سيد مكاوي، ودائما ما تقدم نفسها بصفتها ابنة لهذا الفنان العظيم.

وفي حوار خاص لمراسل “بيان” في روما إكرامي هاشم قالت السفيرة إيناس مكاوي إنها دائما ما تحضر تكريم الفنان الراحل كونها ابنته إلا أن سعادتها هذه المرة تأتي لكون التكريم يأتي في مكان غير عربي.

وفى الإجابة عن سؤال: ماهى قصة أغنية الراحل الشهيرة “الأرض بتتكلم عربي” والتي مازالت تلهب حماس كل أبناء الوطن العربي قالت ابنة الفنان الراحل:

“لم يكن أبى يغني قبل هذا الوقت حتي حدثت نكسة عام 1967 فصعد إلي المسرح وغني تلك الأغنية الشهيرة كمشاركة منه لفناني ذلك العصر في المجهود الحربي وقتها”.

وعن الرسالة الموجهه من خلال هذا التكريم قالت نجلة الفنان الراحل إن الفن رسالة لا تنقطع حتي بوفاة صاحبها وإن الفن الأصيل الصادق يؤثر في الوجدان دائما مهما مر عليه من وقت.

و في نهاية الأمسية وجهت السفيرة إيناس نجلة الفنان الراحل سيد مكاوى الحضور ومنظمي الفاعلية.

من هو

ولتعريف الأجيال بسيرة الفنان الراحل سيد مكاوي نذكر الآتى:

ولد الفنان سيد مكاوي في مايو من عام 1928 في حي السيدة زينب بالقاهرة كفيفا و حفظ القرآن الكريم صغيرا ثم إتجه في بداية شبابه للإنشاد الديني و كان معروفا عنه ولعه الشديد بالموسيقي و ذاكرته الموسيقية القوية فما أن يستمع للدور أو الموشح لمرة واحدة فقط حتي تنطبع في ذاكرته .

طالع المزيد من رسائل إيطاليا: 

وفى بداياته كان مكاوي مهتماً أكثر بالغناء ويسعى لأن يكون مطرباً وتقدم بالفعل للإذاعة المصرية في بداية الخمسينات وتم اعتماده كمطرب بالإذاعة وكان يقوم بغناء أغاني تراث الموسيقى الشرقية من أدوار وموشحات على الهواء مباشرة في مواعيد شهرية ثابتة.

وجاءت الشهرة لمكاوي من خلال لحن لشريفة فاضل وهو (مبروك عليك يا معجباني يا غالي) واللحن الأشهر لمحمد عبد المطلب وهو (إسأل مرة عليّا) والذي دوى في جميع أنحاء مصر وسلط الضوء على ذلك الملحن الناشئ والذي تتجلى عبقريته في شدة بساطته وعمق مصريته والتي استمدها من المدرستين الموسيقتيين التين كان ينتمي إليهما ونهل من علمهما وهما مدرسة سيد درويش التعبيرية ومدرسة زكريا أحمد التطريبية، وكان كثيراً ما يغني ألحانهما سواء في جلساته الخاصة أو حفلاته العامة وكان دائم الاعتراف بفضل سيد درويش وزكريا أحمد على الموسيقى وإن كان لم يعاصر الأول ولكن كانت تربطة صداقة بالثاني وهذا نوع من أنواع الوفاء النادر والذي قل في أيامنا هذه.

وبدأ تهافت المطربين والمطربات على الملحن سيد مكاوي كل يسعى للحصول منه على لحن فقدم للمطربة الكبيرة ليلى مراد (حكايتنا إحنا الاتنين)
للمطربة شادية (هوى يا هوي ياللي إنت طاير) و (همس الحب يا أحلى كلام).
ولشهر زاد (غيرك أنت ما ليش)
ولنجاة الصغيرة (لو بتعزني)
ولصباح (أنا هنا يا ابن الحلال)
ولسميرة سعيد (بعديـن نتعاتب)
للفنانة وردة الجزائرية مجموعة كبيرة من الأغاني الناجحة مثل (أوقاتي بتحلو وقلبي سعيد وشعوري نحيك وياما ليالي وبحبك صدقني).
كما لحّن لأم كلثوم أغنية (يا مسهّرني).
انطلق الشيخ سيد مكاوي يصول ويجول بألحانة لكبار المطربين وكذلك للجيل الصاعد منهم آنذاك مثل المطربة فايزة أحمد حيث كان أول لحن تقدمه للإذاعة المصرية من ألحان سيد مكاوي وهو أغنية (يانسيم الفجر صبح).

وكانت الدراما والتمثيليات الإذاعية تتمتع بإقبال جماهيري كبير وتحظى بنسبة استماع كبيرة. وقد أقنع سيد مكاوي المسئولين بالإذاعة بضرورة تطوير شكل المسلسلات الإذاعية بعمل مقدمات غنائية لهذة المسلسلات فكان له الفضل الأول في وضع هذه القاعدة وقدم من خلالها عشرات المقدّمات الغنائية لمسلسلات شهيرة للفنان أمين الهنيدي ومحمد رضا وصفاء أبو السعود مثل مسلسل شنطة حمزة ورضا بوند وعمارة شطارة وحكايات حارتنا وغيرها الكثير.

وراعى سيد مكاوي في تلحين هذه المقدمات أن يكون الغناء بشكل كوميدي ويتمتع بخفة ظل حيث كان هو شخصياً خفيف الظل، بل ومن ظرفاء عصره وقد كانت هذه المقدمات من تأليف صديقيه الشاعران عصمت الحبروك وعبد الرحمن شوقي.

وأسندت الإذاعة لسيد مكاوي تلحين عدد من حلقات المسحراتي وأشترط أن يقوم هو بغنائها. وكم كانت دهشة المسئولين بالإذاعة كبيرة حين قرر الملحن سيد مكاوي الاستغناء نهائياً عن الفرقة الموسيقية وتقديم المسحراتي بالطبلة المميزة لتلك الشخصية وقدم سيد مكاوي ثلاث حلقات فقط مشاركة مع باقي الملحنين وفور إذاعة الحلقات الثلاث بأسلوب سيد مكاوي حتى حقّقت نجاحاً منقطع النظير مما حدا بالإذاعة في العام الذي يلية الي الاستغناء عن كل الملحنين المشاركين في ألحان المسحراتي وإسناد العمل كاملا لسيد مكاوي.

بدأ مكاوي تقديم برنامج المسحراتي الرمضانى مع الشاعر فؤاد حداد الذي صاغه شعراً.

وظل يقدم المسحراتي بنفس الأسلوب حتى وفاته وهو أسلوب على بساطته الشديدة يعتبر بصمة فنية هامة في الكلمات ومحطة من المحطات اللحنية المتفردة في التراث الموسيقي الشرقي.

كان لسيد مكاوي اهتمام شديد بقضايا مصر وكذلك القضايا القومية للوطن العربي وشارك في الكثير من المناسبات القومية الهامة ففي أثناء عدوان 1956 على بور سعيد قدم سيد مكاوي أغنية جماعية كانت من عيون أغاني المعركة وهي أغنية (ح نحارب ح نحارب كل الناس ح تحارب).

وفي حرب 1967 قدّم سيد مكاوي عقب قصف مدرسة بحر البقر أغنية (الدرس انتهى لموا الكراريس) للفنانة شادية وعقب قصف مصنع أبو زعبل قدم أغنية جماعية هي (إحنا العمال إلي إتقتلوا) والأغنيتان للشاعر العظيم صلاح جاهين.

كما اشترك سيد مكاوي في بداية الستينات في الحفل الكبير الذي أقيم بأسوان احتفالا بالبدء في بناء السد العالي وتحويل مجرى نهر النيل وحضر الحفل الزعيم جمال عبد الناصر ورئيس الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروشوف والرئيس السوري شكري القوتلي وكذلك نخبة من روّاد الفضاء الروس ومعهم الرائدة الشهيرة فالنتينا، حيث غنى سيد مكاوي أغنية ترحيب بأول رائدة فضائية من كلمات صلاح جاهين وهي أغنية (فالنتينا.. فالنتينا.. أهلا بيكي نورتينا).

كما قدّم للشاعر فؤاد حداد (مصر مصر دايما مصر) وأغنية (مافيش في قلبي ولا عينية إلا فلسطين) وأثناء حرب السويس قدم لصديقه كمال عمار (يا بلدنا الفجر مادنة ونار بنادق).

25 عاما علي رحيل الفنان سيد مكاوي و مازالت ألحانه و موسيقاه تسكن وجداننا و تعيش داخلنا شاهدة علي عظمة هذا الفنان العظيم .

زر الذهاب إلى الأعلى