طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (55 ) الزومبى المتدين

حدثت تغيرات كثيرة فى حياتنا وفى سلوكنا دون أن ندرى، لا أستطيع أن احدد متى حدث ذلك ولا كيف لكن الملاحظ الآن اننا تغيرنا كثيرا هل هذا عائد الى اجيال الزومبى الجديدة التى خرجت منا وبدأت تشاركنا احيانا وتحتل مكاننا أحيانا .

عندما دخلت الى المسجد الصغير أسفل إحدى العمارات أو الزاوية كما يسمونها لأصلى صلاة المغرب قبل أن التقى بجماعة الأصدقاء فى مقهى الحى نظرت إلى ساعة المسجد وكان الوقت المتبقى على إقامة الصلاة حوالى خمس دقائق وفقا لهذا النظام الجديد الذى استحدث فى المساجد وتطلب شراء ساعة معينة كبيرة تظهر أوقات الصلاة وتظهر أيضا الوقت المحدد للإنتظار قبل إقامة الصلاة الذى يترواح بين عشرة إلى خمسة عشرة دقيقة حلا للخلاف.

اأذكر أننى عندما كنت صغيرا لم تكن هناك ساعة مثل تلك الساعة وكان المؤذن ببساطة بعد أن يصلى الناس ركعتين سنة يقيم الصلاة ببساطة وهدوء قبل أن يظهر الزومبى الذى بظهوره حدثت خلافات بين الناس بسبب أمور تافهة وصغيرة ، فمن يأتى متأخرا قليلا كان يعتب على المؤذن إقامته الصلاة بسرعة حتى أنه لم يلحق الصلاة فى أولها ومن يجلس فى المسجد ينتظر كان يتعجل المؤذن لإقامة الصلاة حتى ينتهى منها ويخرج لأشغاله.

كان الخلاف يصل أحيانا إلى المشاجرة ورفع الصوت حتى وجدوا الحل فى هذه الساعة وتوقيت إقامة الصلاة الذى يسرى على الجميع ومع ذلك لم تنتهى الخلافات فإذا تأخر المؤذن بعد انتهاء الوقت لإنشغاله بإعادة الوضوء أو بعمل شىء ما تجد شخص أو مجموعة من الأشخاص يظهروا تذمرهم ويتعجلوه لإقامة الصلاة وربما قام واحد منهم بإقامة الصلاة من تلقاء نفسه وبدأ يصلى بالناس دون استئذان أو رجوع الى إمام المسجد .

عالم الزومبى امتد حتى إلى المساجد لم أكن أتخيل وأنا جالس فى المسجد فى الصف الأول حيث ذهبت مبكرا أن يأتى رجل كبير وعاقل ينقر بأصابعه على كتفى من الخلف وعندما التفت إليه لأستطلع الأمر يقول لى: “لوسمحت أصل انا متعود أجلس فى هذا المكان”، ثم يطلب منى الإنتقال إلى مكان آخر (!!).

أو أن يقوم مجموعة من الأصدقاء بحجز أماكن فى المسجد لبعضهم البعض فى صلاة الجمعة حيث يأتى واحد منهم مبكرا ويضع مصاحف أو مفاتيح ليحجز بها الأماكن ، زومبى عقله صغير جدا يفكر دائما فى صنع الأختلاف وإثارة المشكلات . المهم هذا المسجد أو هذه الزاوية الصغيرة القريبة من منزلنا لم يكن لها فى الحقيقة شيخ معين من وزارة الأوقاف فكان صاحب العمارة هو الذى يتولى شؤونها ويتفق مع أحد الخطباء كل جمعة ليلقى خطبة الجمعة ويصلى بالناس فى بقية الأيام.

كان الأوسطى سيد النجار صاحب الورشة المجاورة للمسجد هو من يؤدى الآذان والإهتمام بنظافة المسجد حتى أنه ترك ورشة النجارة وتفرغ لهذا العمل قبل أن يحدث بينه وبين صاحب العمارة والمسجد خلاف بسبب التبرعات ويقصيه عن إدارة المسجد.

وفى يوم لم يكن أحد يجيد أو يريد أن يتقدم لإمامة الناس فى صلاة العشاء وجدت نفسى مدفوعا من قبل المصلين لأصلى بهم فقرأت فى الصلاة بعض الآيات مما احفظه من القرءان الكريم، بعد انتهاء الصلاة أثنى على قراءتى بعض المصلين فشكرتهم ثم وجدتهم بعد ذلك ينتظرونى فى اليوم التالى لأصلى بهم بعد عدة مرات فوجئت بأنهم يلقبونى بالشيخ ويتعاملون معى بإجلال وتقدير حتى أن بعضهم جاء يستفتينى فى أمور دينية كأنى فقيه فى الدين اكتشفت أن الناس بسطاء جدا ومن السهل خداعهم بالمظاهر هكذا يصنع الناس اوهامهم ويضخمون الأشخاص والأشياء فى عيونهم ويحيطونها بهالة مقدسة ثم يسيرون خلفها ويتعصبون لها.

قررت عدم الإنسياق وراء هذا التبجيل وهذه المكانة فى نفوس البسطاء واوضحت لهم أننى لست عالما ولا شيخا ولست اهل لذلك واخترت مسجد آخر لأصلى فيه بعيدا عن ممن يحسبونى شيخا أو فقيها .

واعتقد أن الناس يجب أن يبحثوا ويتعلموا بأنفسهم حتى لا يقعوا فريسة للجهل ، الجهل الذى جعل صديقنا أشرف يقاطعنا نحن مجموعة أصدقاء الحى بعد تدينه ومتابعته لأحد الشيوخ فلم يعد يجلس معنا أو حتى يلقى علينا السلام إذا مر بنا أو لقينا بل كان ينظر إلينا أحيانا بإزدراء حين يمر من أمامنا ونحن جالسين على المقهى نتسامر ونشرب الشاى والقهوة رغم أنه كان يجلس معنا ويتسامر معنا، ما الذى حدث له لكى يبتعد عنا هكذا بل يبتعد عن الناس العادية فى الحى ويصبح قليل الكلام متجهم الوجه تظهر عليه علامات الجدية فى جميع الأوقات.

على الجانب الآخر كان يجلس معنا دائما الحاج طه صاحب مطعم مأكولات يتبع إحدى الطرق الصوفية يقضى معظم الوقت فى الموالد والأحتفالات التى تقام هنا وهناك حول الأضرحة المختلفة لمشايخ الصوفية بعد أن ترك أدارة المطعم لأحد أشقائه وأبنائه وفى نفس الوقت يتعاطى المخدرات ولا يواظب على الصلاة فى المسجد ويتعامل على أنه ولي من أولياء الله الصالحين .

ونكمل فى يوم آخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.

اقرأ ايضا للكاتب:

 

زر الذهاب إلى الأعلى