القس بولا فؤاد رياض يكتب: أصوام مقبولة وأصوام مرفوضة
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كل عام بصوم الميلاد المجيد والذي يبدأ من يوم ٢٥ نوفمبر حتى يوم ٧ يناير وينتهي بالاحتفال بميلاد السيد المسيح.
الصوم ليس معناه الامتناع عن الطعام والشراب، إنما هو الامتناع عن الشرور. وهناك أصوام مقبولة، واخرى مرفوضة.
أولاً: الأصوام المقبولة
“قَدِّسُوا صَوْمًا. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ.” ( يوئيل 1: 14)
١- الصوم الشامل:
صوم الفم هو انقطاع عن الطعام والشراب مدة معينة، وصوم الفم عن الخطية، وصوم الحواس (ضبط اللسان والعينين والأذنين عن كل خطية)، صوم الفكر هو تنقية الفكر وتقديس المشاعر والافكار، صوم القلب أي نقاوة القلب من كل شر.
٢- الصوم مع الصلاة:
“فَصُمْنَا وَطَلَبْنَا ذلِكَ مِنْ إِلهِنَا فَاسْتَجَابَ لَنَا.” (عزريا 8: 23)
الصوم والصلاة هما اللذان خلصا إيليا، وخلصا دانيال من جب الأسود. ومعروف عن قداسة البابا كيرلس السادس أنه رجل الصلاة.
٣- الصوم مع العطاء والرحمة:
“أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ. (أقاربك)” (إش 58: 6، 7)
مثال طابيثا التي في الكتاب المقدس، ومن تاريخ الكنيسة الأنبا إبرام وغيره من بقية القديسين.
قال القديس أغسطينوس “أتريد أن تصعد صلاتك إلى السماء، فامنحها جناحين وهما الصوم والصدقة”.
٤- الصوم مع التوبة:
ليس الصوم معناه الجوع، بل التوبة والرجوع الى الله.
“ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. (على الخطايا) وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ (ندم وتوبة) لاَ ثِيَابَكُمْ». وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.” (يوئيل 2: 12، 13)
وخير مثال على ذلك توبة أهل نينوى
٥- صوم للفضيلة:
ليس الصوم هو امتناع عن الخطايا فقط (الجانب السلبي)، بل اقتناء الفضائل الجانب الإيجابي
مثل المحبة والصبر والاحتمال والرحمة والتواضع …إلخ
“وَلِهذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً،” (رسالة بطرس الثانية1: 5)
ثانيا: أصوام مرفوضة
١- الصوم الذي لكسب مديح الناس:
“«وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. ” (مت 6: 16- 18)
٢- صوم الافتخار والكبرياء:
مثل صوم الفريسي “أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ.” (لو 18: 12)
٣- صوم الانتقام:
مثل اليهود الذين “وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ صَنَعَ بَعْضُ الْيَهُودِ اتِّفَاقًا، وَحَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ قَائِلِينَ: إِنَّهُمْ لاَ يَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْرَبُونَ حَتَّى يَقْتُلُوا بُولُسَ. وَكَانَ الَّذِينَ صَنَعُوا هذَا التَّحَالُفَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ. ” (أع 23: 12، 13).
٤- صوم الجسد الجائع:
مثل هؤلاء هم الذين صاموا والرب لم يقبل صومهم
فقال لأرميا النبي: ” «لاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ لِلْخَيْرِ. حِينَ يَصُومُونَ لاَ أَسْمَعُ صُرَاخَهُمْ، وَحِينَ يُصْعِدُونَ مُحْرَقَةً وَتَقْدِمَةً لاَ أَقْبَلُهُمْ، بَلْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ أَنَا أُفْنِيهِمْ».” (إر 14: 12)
فالله يريد القلب النقي..
“يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي.” (أم 23: 26)
٥- الصوم البعيد عن الرحمة والصدقة:
هناك من يصوم لكنه لا يعرف الرحمة مع المساكين والأرامل والأيتام وكل محتاج، فالصوم عنده عادة
ونسى كأس ماء بارد لا يضيع أجره
ونسى طوبى للرحماء على المساكين
٦- الصوم الذي ليس لأجل الله
فقد يصوم الانسان لأن الأطباء أمروه بهذا، وقد يصوم الاخر لأجل رشاقة جسده وحسن منظره، وكلاهما ليس من أجل الله، ولا ينتفع روحياً بصومه.
قد يصوم إنسان ثالث بأسلوب إضراب عن الطعام وليس بهدف روحي، ولا من أجل الله، كما يمتنع رابع عن الطعام حزناً أو يأساً، ولن نستطيع أن نعتبر أحد من هؤلاء صائماً بالحقيقة.
تمنياتي بصوم مقدسا مباركاً، وكل عام وأنتم بخير
…………………………………………………………………………….
كاتب المقال: كاهن كنيسة مار جرجس المطرية القاهرة