إسلام كمال يكتب: التطبيع العلنى بين الرياض وتل أبيب..إلى أين ؟!
العلاقات السعودية الإسرائيلية، تظل واحدة من أكثر التحديات المعقدة فى الصراع العربي الإسرائيلى، بالذات مع التطورات التى مرت بها خلال العامين الماضيين على خلفية ما يسمى بإتفاقيات السلام الإبراهيمية، ومنها فتح الأجواء السعودية للطيران الإسرائيلي، الأمر الذي وفر كثير من النفقات والوقت على شركات الطيران الإسرائيلي المتوجهة للخليج وجنوب شرق أسيا.
التطورات السعودية الإسرائيلية، ليست من الملفات التى تخفو وتظهر على السطح كل فترة، بل هى دائما من الملفات الحيوية الملحة على السطحين الإقليمى والدولى، ولذلك كان من المهم التعرض لها بشكل أكثر تفصيلا معلوماتيا وتحليليا، خاصة مع التأكيد الإسرائيلى المتواصل على قرب التوقيع على إتفاقية تطبيع بين الرياض وتل أبيب، وأخرها تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى الجديد، فى وسائل الإعلام الأمريكية السعودية نفسها، رغم النفى السعودى المتكرر.
دور تيران وصنافير
ولا يغيب على أحد من المختصين والمسؤولين في كل الإقليم، وليس مصر والسعودية وإسرائيل فقط، أن هذا الملف يتعلق بشكل أساسي، بجزيرتى تيران وصنافير وأمن البحر الأحمر، فعندما جاء الرئيس الأمريكى چو بادين للسعودية في يوليو الماضي، كان قريبا من انهاء تسوية تسليم الجزيرتين من مصر للسعودية بشكل كامل، وتنفيذ الأمور المتعلقة بهذا التطور في معاهدة كامب ديفيد، ومنها نقل قوة المراقبين الدوليين من تيران وصنافير لداخل سيناء، مع ضمان سعودي للملاحة الدولية في مضيق تيران وفق المذكور في معاهدة كامب ديفيد، وفي هذا السياق أشار موقع “والا” الإسرائيلي إلى تجدد تحفظات مصر حيال استكمال الاجراءات النهائية لتسليم الجزيرتين، وربطها بعد أمور منها تفاصيل تموضع وإمكانيات قوة المراقبين الدوليين الذين سيأتون لسيناء من تيران وصنافير، وربط ذلك كله مع الوقف الجزئي المتكرر للمساعدات العسكرية الأمريكية للقاهرة، ولم تعلق أية جهة رسمية مصرية على هذه الترويجات الإسرائيلية ، وبالطبع أنا لست من مدرسة ترك الساحة، فيجب الرد بشكل مباشر أو غير مباشر.
لم تتوقف الترويجات الإسرائيلية عند هذا الحد، حيث أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إلى أن نتنياهو الذي أعلن عن نجاحه بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، يجري منذ مطلع الشهر الماضي، “اتصالات سرية” مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والإدارة الأمريكية، في محاولة للتوصل إلى اتفاق تطبيع علاقات مع السعودية، دون تقديم أي التزام من جانبه في قضية حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، يفتتح به ولايته الجديدة.
فيما أشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن مؤشرات نجاح ذلك ليست كبيرة حتى الآن، وسيأتى التعويض من المحتمل من دول مثل سلطنة عمان أو السودان.
الصحيفة الإسرائيلية أفادت ايضا أن هناك تطور جديد حاليًا في الاتصالات التي تجري بين نتنياهو وبن سلمان، وهو أن “الجانب السعودي، يُبدي استعدادا حقيقيا للتفاوض مع إسرائيل، وإنشاء تعاون إستراتيجي بينهما ضد إيران.
مبادرة ومبادرة.. من تنجح؟!
ومنطّق المراقبون وأنا معاهم تصريحات نتنياهو في مقابلة مع قناة العربية السعودية حول إمكانية التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية فى إطار هذه المعلومات التى تروجها تل أبيب، حينما قال : “سنتمكن من الحصول على مبادرة سلام جديدة وستكون قفزة كبيرة نحو حل الصراع العربي الإسرائيلى”.
وفى مقابل المبادرة الإسرائيلية التى يروج لها بعد حوالى عشرين عام من مبادرة السلام السعودية، بلا أى إلتزام إسرائيلى تجاه الفلسطينيين، تضطر الرياض إلى التأكيد كل فترة إنها باقية على الثوابت العربية، وتؤكد وقوفها بجانب الشعب الفلسطيني، وتشدد على أهمية السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط بوصفه خياراً استراتيجياً لإنهاء أحد أطول وأعقد الصراعات التاريخية التي شهدها العالم المعاصر، استناداً على أساس حل الدولتين ووفقاً للمرجعيات الدولية، ومبادرة السلام العربية لعام 2002م، التي تضمن قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء احتلال إسرائيل لجميع الأراضي العربية بما فيها الجولان العربي السوري والأراضي اللبنانية”.
لكن نتنياهو يرى في المقابل إن الفلسطينيين لا يريدون حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، فقط يريدون التخلص من إسرائيل، وعلينا أن نفكر في هذا الإطار خارج الصندوق، خاصة أن تل أبيب توصلت لسلام مع عدة دول عربية بدون السلام مع فلسطين.
خطورة الاتصالات السعودية الإسرائيلية
خطورة هذة التطورات والإصرار الإسرائيلى على إتمام تطبيع مع السعوديين بضغط أمريكى، تنبع من كون أن نتنياهو يروج لها وهو يقود أكثر الحكومات الإسرائيلية فاشية منذ تكوين هذا الكيان، بما تضم من الفاشيين الصهاينة الذين يزايدون حتى على مخططات هرتزل وجابوتينسكى المتزمتة المعادية للعرب، وأبرزهم بتسلئيل سموطرتيش، وإيتمار بن جفير، وأفى ماعوز رؤوساء أحزاب الصهيونية الدينية، وقوة صهيونية، ونوعام، والذين يخططون لكل أنواع التصعيد ضد الأقصى والفلسطينيين.. تدمير الأقصى أو على الأقل بناء كنيس بداخله، وإعادة ضم الضفة الغربية كلها ومضاعفة الاستيطان بشكل ينهى على أى إحتمال لحل الدولتين.
واعتبر بن جفير وسموطرتيش تفاعل السفارتين الإماراتية والبحرينية بتل أبيب معا، هو دافعا لإقامة سلام بلا تنازلات، وطبعا العنوان الرئيسى حيال ذلك هو مواجهة التهديد الإيرانى، التى تروج تل أبيب إلى وصوله لأقصاه مع اقتراب البرنامج النووى الإيرانى للتخصيب، بخلاف الدور الإيرانى فى الحرب الروسية الأوكرانية، والتمركز الإيرانى فى سوريا.
تاريخ الترويجات حول الاتصالات السعودية الإسرائيلية، حتى لو كانت سرية، كانت متقاربة مع توقيت مبادرة السلام العربية فى 2002، ومنها ما كان على المستوى المخابراتى، وأيضا الاقتصادى، ومنها ما قد أعلنه اتحاد أرباب الصناعة الإسرائيلي حول أن هناك 16 شركة إسرائيلية تصدر منتجات إلى السعودية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مضيفا أن عدد الشركات المصدرة ارتفع بنسبة 70 في المائة مقارنة بعددها عام 2004.
وذكر راديو إسرائيل أن الصادرات إلى السعودية، تشمل أجهزة طبية ومعادن وماكينات، والمملكة قد نفت صحة هذه الانباء، مؤكدة انها ليست لديها ‘سياسات معلنة وأخرى غير معلنة’، وان المملكة تقوم بأدوارها الوطنية والقومية بوضوح وشفافية.
والمثير أن نفس هذه الترويجات لاتزال حتى الآن، ووصلت لحد وصول المنتجات السعودية إلى الهايبرات بالمستوطنات الإسرائيلية فى الضفة، فيما زعمت الصحيفة الإسرائيلية “جلوبس” الاقتصادية إن العشرات من رجال الأعمال ورواد التكنولوجيا الإسرائيليين دخلوا إلى السعودية لإجراء محادثات متقدمة بشأن استثمارات سعودية في شركات وصناديق استثمار إسرائيلية.
ووفقا للموقع الإسرائيلى فقد دخل رجال الأعمال الإسرائيليين إلى السعودية بجوازات سفر إسرائيلية وتحتوي على تأشيرات خاصة.
هل هناك تحول في الرؤية السعودية؟!
وذكر موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإسرائيلي أنه لا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكن العلاقات السرية تحسنت في السنوات الأخيرة، حيث ورد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رأى إسرائيل كشريك استراتيجي في الحرب ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، وفق الترويج الإسرائيلى، الذى ينطلق مما يعتبروه رسائل بن سلمان فى حواراته الأجنبية ولقاءاته بالمسؤولين الغربيين وبالذات الأمريكان.
لكن ردت السلطات السعودية عمليا على مثل هذه الترويجات الإسرائيلية بقرارها استبعاد السلع المنتجة فى المناطق الحرة، أو التى تستخدم مكونات إسرائيلية فى تصنيعها، وذلك على خلفية توقيع الامارات واسرائيل إتفاقية تجارة حرة لأول مرة بين دولة عربية وإسرائيل، تبعتها فى ذلك المغرب.
توقعى والخلاصة
ستظل الرياض تنفي كل الترويجات الإسرائيلية عن تقدمات غير اعتيادية في الاتصالات السعودية الإسرائيلية، وستظل تؤكد على محورية القضية الفلسطينية في علاقتها مع إسرائيل، واشتراط إقامة دولة فلسطينية للتطبيع مع إسرائيل، لكن الواقع يؤكد غير ذلك، فالأمور في الشرق الأوسط تتغير بشكل كبير لصالح إسرائيل، والخطورة إنه لن يكون من الاعتيادى إحراز أى تقدم لصالح نتنياهو مهما كانت الضغوط أو الرغبة حتى في ظل، هذه الحكومة الفاشية الصهيونية، خاصة أنه ستكون الرسالة في غاية التعقد والخطورة، ونحن في حالة ترقب مشدد حيال هذا الملف الحيوى جدا لتأثيره المباشر على الأمن القومى المصري والإقليمى.