عاطف عبد الغنى يكتب: البعث الثانى للديناصورات (1من2)
«الدولة اليهودية» نحن أمام معتقد ومفهوم يبدو أنه دينى وهذا خطأ يقع فيه كثير من المتعاملين معه حتى من الكُتّاب والمفكرين حينما يتعاملون مع اليهودية بمفهومهم هم وليس بمفهوم أصحابها.
اليهودية بالنسبة لليهودى هى جنسية وعرق وخصوصية تاريخية وثقافية قبل أن تكون ديناً أو عقيدة.
ثمة خطأ آخر وهو تصور البعض أن طرح فكرة الدولة اليهودية (دولة يسكنها اليهود فقط) طرح حديث رفضه رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق شارون وأخرجه إلى الوجود نظيره اللاحق له إيهود أولمرت وبعث فيه الحياة بنيامين نتنياهو ليغرى به الأحزاب اليمينية المتطرفة، والأحزاب الدينية للانضمام إلى حزبه فى ائتلاف يستطيع أن يضرب به حزب كاديما ويشكل الحكومة.
والحقيقة هى أن الدولة اليهودية فكرة أقدم بكثير، أقدم من نتنياهو وأولمرت وشارون، إذا عدنا بالترتيب إلى الوراء.
بل أقدم من الصهاينة الذين أعلنوا قيام دولة إسرائيل قبل عام 1948، ولا أبالغ إذا قلت إنها أقدم حتى من أيام تيودور هرتزل باعث الصهيونية ونبيها فى العصر الحديث ويمكن أن نعود فيها إلى عزرا نبى الصهيونية الأول الذى جمع لليهود التوراة العبرانية (هناك تواراة أخرى هى التوارة السامرية).
وقاد عزرا هجرة اليهود من بابل فى العراق إلى فلسطين بعد أن أقام لهم الهيكل أو المعبد لثانى مرة وكان قد هدمه القائد البابلى نبوخذ نصر وساق يهود فلسطين سبايا إلى العراق .
وفى رحلة العودة استبعد عزرا من استبعد واختار من اختار من بين اليهود المنفيين فى العراق على أساس عنصرى.
وفى وجودهم الثانى فى فلسطين لم يستطع اليهود أن ينشئوا كيانا مستقلا لكنهم عادوا من العراق ومعهم أسطورة استلهموها من العقيدة البابلية وهى أن هناك رسولا يأتى إلى الأرض كل ألف عام لينشر فيها السلام والعدل بعد الظلم والجور، هذه الأسطورة صنع منها اليهود أسطورتهم المقدسة عن المسيح المخلَّص الذى سوف يأتى من نسل داود ليعيد إليهم ملكهم ومملكتهم ويجعلهم يسودون كل الأمم.
ومع زيادة الضربات على اليهود عبر العصور المختلفة صارت هذه الأسطورة هى حلم الأجيال المتعاقبة، حتى المسيح عيسى بن مريم الذى بُعث فى اليهود يدعوهم إلى مملكة السماء وملكوت الله طلبوا منه مملكة على الأرض وحاولوا أن ينصبوه ملكاً وقائدا حربياً، وعندما رفض ساقوه إلى الصلب!.
طالع المزيد:
-
عاطف عبد الغنى يكتب: « حيث يلعب العرب واليهود معا »
-
عاطف عبد الغنى يكتب: الكتابة خارج الصندوق (2) محمد جورج ليس هو الحل !
-
عاطف عبد الغنى يكتب: الدين والسياسة (1)
حكاية التاريخ مغرية بالاسترسال.. فلنقفز إلى الماضى القريب لنفهم كيف عاد الديناصورات إلى الحياة ؟ ومن بعث فيها الروح ؟! .
زواج الدين والسياسة خلال القرنين الـ 18، والـ 19 ظهر بين اليهود فى أوربا ما يسمى باليهودية العصرية لتقف أمام التيار الأصولى الدينى أو الراديكالى الذى تركز فى الحارات والأحياء المغلقة ليهود أوربا الشرقية.
ومع اليهودية العصرية أنهى كثير من اليهود انتظارهم السلبى للمسيح اليهودى المخلّص وبدأوا البحث عن تفسيرات أخرى لتحقيق الحلم المسيانى الذى يعنى مجىء المسيح اليهودى لينشئ لهم مملكة اليهود.
ووجدوا فى النشاط الصهيونى هذا التفسير.
ولم يكن نبى الصهيونية هرتزل ولا رجاله الذين اضطلعوا معه بالمشروع الصهيونى يعيرون للدين أو العقيدة اليهودية اعتبارا لكنهم كانوا يرون إنشاء دولة لليهود ضرورة اجتماعية والدليل على هذا أن فكرة إنشاء كيان سياسى يجمع اليهود دون النظر إلى العقيدة الدينية يفسرها قبول بعض الصهاينة لطرح ومناقشة اقتراح القبول بوطن بديل عن فلسطين فى أوغندا أو أمريكا الجنوبية أو سيناء لكنهم قرروا فى النهاية توظيف العقيدة الدينية لإقناع كل يهود العالم بالهجرة إلى فلسطين.
ونستطيع أن نلخص نظرة الصهيونيين الأوائل للدين اليهودى كالتالى: «حيث إن اليهود شعب كسائر الشعوب على غرار النموذج الأوربى التقدمى يمكن منح كهنة الدين المكان الجدير بهم فى النطاق المحدود الذى حدده لهم هرتزل على غرار الثكنات العسكرية إلى آخره…».
وعلى الأساس السابق تعاملت صهيونية العصور الحديثة العلمانية مع الديانة اليهودية التى رأت فيها فلكلور الشعب اليهودى المقدس ومن بعد هرتزل جاء بن جوريون ورفاقه ليستخدموا نفس الأسطورة أو الفلكلور ويصنعوا منها برنامجهم السياسى لدولة إسرائيل فيقرر بن جوريون حدوداً للدولة الإسرائيلية مسترشدا بمفاهيم التوراة التى لا يؤمن هو نفسه بها لأنه كان ملحدا!.
أكثر من هذا استخدم الصهاينة رجال الدين لنشر الفلسفة الصهيونية وعلى سبيل المثال فالحاخام الأكبر لفلسطين أيام الانتداب البريطانى واسمه إبراهام كوك دعا إلى توحيد الجسد والروح، الوطن والإيمان، وبشر بالوحدة بين المقدس والدنيوى أو رجال الدين والصهاينة العلمانيين، وهكذا لبس الصهاينة الملحدون عباءة البركة الدينية لأنهم شاركوا فى المخطط الإلهى وأعلنوا اقتراب المسيح المنتظر بإنشائهم دولة إسرائيل.واستمرت اللعبة نكتفى بهذا القدر من حكاية التاريخ.
………………………………………………………………………………………………..
هذا المقال نشر لأول مرة في جريدة “مصر الجديدة” بتاريخ 28 – 06 – 2009