رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (31) السلام
تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الله السلام جل جلاله.
ورد هذا الاسم الكريم مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ المَلِكُ القُدّوسُ السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ سُبحانَ اللَّهِ عَمّا يُشرِكونَ﴾ (الحشر: 23 )
وفي السنة المطهرة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا،
وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السلام وَمِنْكَ السلام، تَبَارَكْتَ يا ذا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
وتأتي كلمة السلام بمعنى السلامة، البراءة من المكروه والعيب، والأمراض والأسقام، وتسلّم منه: تبرّأ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَعِبادُ الرَّحمنِ الَّذينَ يَمشونَ عَلَى الأَرضِ هَونًا وَإِذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلامًا﴾(الفرقان63) ومعناه: قولاً فيه براءةٌ من الشرّ والسفه، وقوله تعالى: ﴿ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾ (طه: 47)، ومعناه أن من اتبع هدى الله سلم من عذابه وسخطه.
والجنّة هي دار السلام، قال الله عزّ وجل: ﴿لَهُم دارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِما كانوا يَعمَلونَ﴾ (الأنعام: 127).
وقد سُمّيت الجنة بذلك لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع ولا تفنى، ويجوز أن يكون قولنا: “دار السلام” إضافةٌ إلى اسم الله، فتكون الإضافة لأجل التعظيم .
أما المعنى في حق الله عز وجل، فيقول الزجّاج: ” السلام هو الذي سلم من عذابه من لا يستحقه”، والسلام أي: المعظم المنزه عن صفات النقص كلها، وأن يماثله أحد من الخلق.
ويبيّن الإمام ابن القيّم أن الله سبحانه وتعالى أحق بهذا الاسم من كل مسمّى به لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، فهو سبحانه سلامٌ في ذاته عن كل عيب ونقص، وسلامٌ في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص، وشر وظلم، وفعلٍ واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه.
وقد ذكر بعض علماء التفسير معنىً آخر يتضمّنه اسم الله “السلام”، ويختصّ بفعلٍ من أفعال الله تعالى التي لها علاقةٌ بهذا الاسم، فقالوا: ” السلام، أي: ذو السلام على عباده في الجنة”، واستدلّوا عليه بقول الحقّ في محكم تنزيله: {سلام قولا من رب رحيم} (يس:58).
و نرى فضل الله عز وجل على يحى عليه السلام في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَسَلامٌ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَموتُ وَيَومَ يُبعَثُ حَيًّا﴾ (مريم: 15)
( وسلام عليه ) أي : سلامة له، ( يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا )
قال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون الإنسان في هذه الأحوال : يوم ولد، فيخرج مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم ير مثله. فخص يحيى بالسلامة في هذه المواطن .
والفرق بين اسم الله السلام والقدوس، هو أن القدوس المبرئ من جميع العيوب في الماضي والحاضر، أما السلام فلا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان والمستقبل فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب تزول سلامته ولا يبقى سليما.
من آثار الإيمان بهذا الاسم الكريم أن يتبيّن للمسلم حقيقةَ أن صفات القهر والعزّة، والقوّة والانتقام، وغيرها من صفات الجلال التي اتصف بها الخالق جلّ وعلا، منزهةٌ وسالمةٌ من الجور والظلم على العباد: ﴿ وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ ( الكهف: 49 )
وإنما هي مجازاةٌ بمقتضى العدل الإلهيّ الذي هو كمالٌ مطلق.
وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.