القس بولا فؤاد رياض يكتب: اللسان و خطورته
اللِّسان: قوة هدم وموت أو قوة بناء وحياة
نقرأ في سفر الأمثال 21:18 “اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسان، وَأَحِبَّاؤُهُ يَأْكُلُونَ ثَمَرَهُ” يعلن لنا الله هنا حقيقة صادمة تتعلق بقوة الكلام واللسان. وهذه الحقيقة ببساطة تبين لنا قدرة اللسان على جلب الموت والدمار وكذلك قدرته على الحياة والبناء.
اقرأ أيضا:
-
د. ناجح إبراهيم يكتب: عبقرية محمد والمسيح في فكر د. نبيل بباوي
-
د. قاسم المحبشي يكتب: العلاقة بين العلم والثقافة في المجتمعات العربية
-
عماد أبو جبل يكتب: أرخص أداة لجريمة التخلص من الحياة.. امنعوها أو اوجدوا لها حلا!
-
لواء د. سمير فرج يكتب: الجيش المصري يتقدم في الترتيب العالمي والأول عربياً وأفريقياً
أولاً: لسان الموت والدمار: قال السيد المسيح في متى 36:12 “إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاس سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ”. وقوله هنا يعني ببساطة أن كل إنسان مسئول عن كل كلمة تخرج من شفتيه، وأن الكلام الباطل سيجلب على صاحبه دينونة الله العادلة. فكل واحد منا سيقدم حساباً لله على ما نقوله من كلام. فانتبه واحرص أن لا تنطق بكلام الموت والدمار، وهذا النوع من الكلام يشمل:
1. الكلام التافه والسَّفيه والرخيص: يطلق النَّاس كلاماً جارحاً أو كلمات لاذعة أو ملاحظات لا ضرورة لها تؤدي إلى نتائج وخيمة في حياتهم وحياة غيرهم. فكل يوم نتحدث مئات وربما آلاف الكلمات، وبعض الكلام يكون لطيفاً ومدروساً، والبعض يكون قاسياً وجارحاً دون التفكير بتأثيرها على الآخرين.
كم من شاب أصيب بالإحباط بسبب كلمات سلبية: أنت فاشل. أنت لا تصلح لشيء، أنت متهور، وغيرها من كلمات القسوة. وكم من صبية تعقدت حياتها من سماع كلمات لاذعة مثل أنت لست جميلة، أنت غبية، أنت سمينة، وغيرها من الكلمات.
قال أيوب لأصدقائه في أيوب 2:19 “حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلاَمِ”. جاء أصدقاء أيوب لتعزيته عند دمار ممتلكاته وموت أولاده، ولكنهم بدل التعزية، وجدو في آلامه فرصة للشماتة والتطاول عليه ولومه. وكأن مصيبته لم تكن كافية.
في رسالة أفسس 29:4، يحذرنا الله بلسان رسوله بولس قائلاً: “لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ”. فالله يدعونا هنا أن نلاحظ إن كان كلامنا للبناء أم أنه للهدم. وبالتالي للحذر من أن لا تخرج كلمات ردية من أفواهنا.
ما أكثر الأشخاص الذين دمرت حياتهم لأن سيرتهم تشوّهت بسبب الاشاعات الباطلة أو الكلام الكاذب عنهم. كأن يقول النّاس: فلان حرامي. فلان محب للمال. فلان كذّاب. فلانه ساقطة. فلان نصّاب. وهم بهذه العبارات يشوهون سمعة غيرهم من البشر غير مدركين بأنهم يطعنوهم بألسنتهم في مقتل.
ما أكثر الآلام التي نتجت عن اتهامات باطلة.
ما أكثر الأشخاص المرضى نفسياً والمصابين بالاكتئاب والشعور بالحقارة والذل والعار بسبب كلمات نابية قيلت ضدهم.
2. كلام النميمة ونشر الإشاعات واستغيّاب الآخرين: النميمة هي إشاعة أو حديث أو تقرير يتعلق بأمور خاصة وحميمة جداً، وتكون عادة بين شخصين أو أكثر بغياب الشخص الذي يدور الحديث عنه. وبالتالي، فالنمام أو ناشر الإشاعات هو شخص معتاد على كشف أمور شخصية أو مثيرة عن الآخرين وبغيابهم، فالنمام هو شخص يتحدث معك عن الآخرين، ثم يتحدث مع الآخرين عنك.
النميمة في طبيعتها هي أن نقول شيئاً أو أشياء، حتى ولو كانت صحيحة، بقصد الإساءة للآخرين. أي إن الإنسان النمام هو شخص يفتقر للحياة الصحيّة والمفرحة والمشبعة، ويجد لذته وشبعه في تحطيم الآخرين. فالنميمة قاتلة. وكم من صداقة انتهت، وأشخاص ارتكبوا جرائم و خطايا بسبب النميمة والكلام غير الضروري
والسؤال الذي علينا طرحه على أنفسنا: كيف أعرف إن كنت نماماً أو أستغيب الآخرين؟ للإجابة على هذا السؤال من الضروري أن يسأل كل إنسان نفسه الأسئلة العمليّة التّالية قبل أن ينطق بأي حديث عن الآخرين.
هل كلامي صحيح : تذكر أنه كلما ازدادت إثارة الكلام، كلما قلت مصداقيته.
هل كلامي ضروري.
هل كلامي مفيد وبناء ولطيف.
هل عندي الحق أو الإذن في أن أتحدث عن الآخرين.
هل دوافعي صادقة.
حتى ولو كانت إجابات الواحد منا هي “نعم” لكل واحد من هذه الأسئلة، فمن الأفضل أن تصمت وأن لا تتحدث عن الآخرين بأي سوء في غيابهم.
لا يوجد أي إنسان في الوجود يستطيع أن يقول وبملأ الفم بأنه لم يستغيب أي إنسان في حياته، فكلنا ارتكبنا خطيَّة النميمة. والله يدعونا إلى التوبة عن هذه الخطيَّة البشعة. وهذه التوبة تتم باتخاذ ثلاث خطوات عملية للخلاص من هذه العادة الرّدية:
لا تنطق ولو بكلمة واحدة بحق أي إنسان في غيابه إن كنت لا تستطيع أن تنطق بنفس الكلمة في حضوره.
لا تقل أي شيء عن شخص معين دون حضور هذا الشخص للرد عليك.
ارفض الاستماع للشخص النّمام أو الذي يتحدث أمامك عن الآخرين، وادع هذا الشخص إلى تغيير موضوع الحديث والكف عن النميمة.
إذا جاء شخص وقال لك: أريد أن أخبرك شيئاً عن “فلان” أو “فلانة”، فقل له: “عفواً، هل يمكنني أن أقتبس كلامك وأنقله إلى الشخص المعني بالحديث؟”. تأكد بأن ناقل الحديث سيتوقف رأساً لأنه يعلم بأن ما سيقوله سلبي وبأن دوافعه غير مقدّسة.
لذلك دعونا نتوقف عن الكلام عن الآخرين، ولا تترك الفرصة لأحد أن يتكلم أمامك ضد الآخرين، حتى لو استمعت لكلام ضد شخص ما، فلا تنقله لغيرك وبذلك تعمل على توقيف دائرة وحلقة النميمة. وواجه الأشخاص النمامين بمحبة ناصحاً إياهم أن يتوقفوا عن هذا الأسلوب في الحياة.
3. الأكاذيب وشهادة الزور: عندما يتحدث النَّاس بكلام غير صحيح، أي كلام كذب، فإن أقوالهم مخجلة ومكروهة من الله. نقرأ في سفر الأمثال 22:12 “كَرَاهَةُ الرَّب شَفَتَا كَذِبٍ، أَمَّا الْعَامِلُونَ بِالصِّدْقِ فَرِضَاهُ”. في الأصل العبري، كلمة كراهة هنا تعني حرفياً “شيء مقرف ومقزز”. أي أن الكذب شيء مقرف ومثير للغثيان. وما أكثر النَّاس الذين دمرت حياتهم بسبب الكذب. حتى عندما ينطق النّاس بأكاذيب يصفونها بأنها أكاذيب بيضاء أو لا تضر بأحد، فهي في النهاية أكاذيب، وهي أمور باطلة أمام الله، بل إنها مكروهة ومقرفة ولا تليق بالإنسان مهما كان .
4. الحلفان والشتائم والتجديف: أعطانا الله وصاياه المقدّسة بدافع من محبته ولانه يريد الخير لنا. وواحدة من أهم وصايا الله لنا هي قوله: ” لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً”. (خروج 7:20). عندما يقسم أو يحلف الإنسان فإنه لحظتها ينطق باسم الله باطلاً، وسبب ذلك هو أن الإنسان الصادق لا يحتاج أن يقسم ليبرهن على صدق كلامه. وقد قال السيد المسيح بكل وضوح: “لا تحلفوا البتّة …بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشّرير” (متى 33:5 – 37). ونقرأ في رسالة يعقوب تحذيرا صارماً ضد الحلفان: “وَلَكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ يَا إِخْوَتِي لاَ تَحْلِفُوا لاَ بِالسَّمَاءِ وَلاَ بِالأَرْضِ وَلاَ بِقَسَمٍ آخَرَ. بَلْ لِتَكُنْ نَعَمْكُمْ نَعَمْ وَلاَكُمْ لاَ، لِئَلاَّ تَقَعُوا تَحْتَ دَيْنُونَةٍ” (يعقوب 12:5). أي أن دينونة الله ستقع على من يحلف. وكذلك التجديف على الله أوعلى النَّاس هو قمة الشّر والخطية. لذلك على كل إنسان أن ينتبه لنفسه ويتأكد بان لا ينطق بلسانه كلام الموت والدمار. إن من كان هذا وضعه فانه يعيش في خطيَّة قاتلة في لحياته وعليه أن ينتبه لما يقوله بلسانه. علينا جميعاً أن ننتبه مع من نتحدث، وكيف نتحدث، وأين نتحدث، وبماذا نتحدث.
علمنا السيد المسيح أن نبارك حتى من يلعننا.
ثانياً: لسان الحياة والبناء. توجد عدة صفات لهذا اللّسان ومنها:
1. اللِّسان الذي يصمت عند الضرورة.
2. اللِّسان الذي لا يشي بقريبه.
3. اللِّسان الذي لا يتحدث بالنميمة.
4. اللِّسان الذي يعتاد على الصلاة والترنيم وتسبيح الله.
5. اللِّسان الذي يشهد عن عمل الله في حياته.
6. اللِّسان الذي يقول الصدق بمحبَّة.
7. اللِّسان الذي لا يشتكي ولا يتذمر.
8. اللِّسان الذي يقدم رسائل إيجابية للآخرين، أي لسان اللطف والتشجيع والمدح والعطف.
9. اللِّسان الذي يمجد الله دائماً.
خطوات عملية لضبط اللِّسان وحفظه
1. يحتوي سفر الأمثال كلام عن اللِّسان نافع لحياتنا اليومية، لأن فيه حكمة الله التي تهذب النفس البشرية.
استمع لما يقوله الله لك في سفر الأمثال 18:12 “يُوجَدُ مَنْ يَهْذُرُ مِثْلَ طَعْنِ السَّيْفِ، أَمَّا لِسَانُ الْحُكَمَاءِ فَشِفَاءٌ”.
2. صلِّ وفكر أوّلاً: على كل إنسان أن يعترف بأنه كإنسان ضعيف وعاجز، وما أسهل أن يسقط بالتجربة ويتلفظ بما لا يليق بحق الآخرين. لذلك فكل واحد منا بحاجة إلى نعمة خاصة وقوة من السماء لتساعدنا على ترويض ألسنتنا وضبتها. علينا أن لا نيأس قائلين بأننا لا نستطيع أن نروّض ألسنتنا ونضبطها. يستطيع الله أن يعطينا النصرة على ألسنتنا. وبالتالي لا ننطق إلا بما هو نافع ويليق ويمجد الله.
صلِّ كما صلى داود في مزمور 14:19 “لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي”.
3. قلل من كلامك: نقرأ في سفر الأمثال 19:10 “كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَمَّا الضَّابِطُ شَفَتَيْهِ فَعَاقِلٌ” . فكلما ازداد كلامنا، كلما ازدادت فرص سقوطنا في الخطيَّة وقول ما لا يليق. وهذا الدرس علينا أن نتعلمه ونمارسه في حياتنا اليوميّة.
لنترك عادتنا القديمة بكثرة الكلام، ونبدأ أسلوباً جديداً في الحياة المنضبطة. قال النبي داود : “أَتَحَفَّظُ لِسَبِيلِي مِنَ الخطأ بِلِسَانِي. أَحْفَظُ لِفَمِي كِمَامَةً فِيمَا الشِّرِّيرُ مُقَابِلِي”. (مزمور 1:39).
4. شجع وابن الآخرين: يذكرنا الله باستمرار أن نشجع بعضنا البعض، ونبني بعضنا البعض. فالكلمات الإيجابية والمشجعة تعطي الحياة للناس. نقرأ في سفر الأمثال 25:12: “الْغَمُّ فِي قَلْبِ الرَّجُلِ يُحْنِيهِ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تُفَرِّحُهُ”. فمثلاً: عندما يرتكب ابنك عملاً خاطئاً أو عملاً لا يليق. عليك أن لا تقول له: “أنت ولد رديء. أنت ابن شرير أو ابن عاق”. بل قل له: “ما الشيء الذي فعلته ولا تريد أن تفعله مرة أخرى؟”. أو قل له: “الذي فعلته لا يليق بولد مؤدب وخلوق مثلك، وأنا متأكد بأنك لن تفعله مرة ثانية”. في الواقع أن الولد أو البنت يتصرف بحسب ما تقوله له. فإن اعتاد أن يسمع منك بأنه شرير أو رديء أو فاشل، فإنه سيعيش حياة الشر والفشل.
أريد بهذا الصدد أن أضع تحدياً أمامنا جميعاً: حاول كل يوم من أيامك الباقية على الأرض أن تقول ولو جملة تشجيع واحدة لمن تتحدث معهم، أو لمن يضعهم الله في طريقك.
أيها الأب: قل لابنك أو لابنتك كلاماً يبني ويشجع.
أيها الشاب: قل لأمك أو لأبيك كلاماً يفرحهم بك.
أيها الصديق: قل لصديقك عبارة ترفع معنوياته.
أيتها الزوجة وأيها الزوج: تبادلوا كلمات المحبَّة والمدح والثناء.
5. اطلب من الله قلباً جديداً: أنا واثق بأن الله يعرف بأننا لا نستطيع أن نروض ألسنتنا ونهذبها بقوتنا البشرية. لذلك إن أردت أن يتوقف لسانك عن النميمة وكلام السفاهة وعن الكذب واللعنات والحلفان، ثم صلِّ كما صلى نبي الله داود في مزمور 10:51 “قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي”. فمن “فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ” “اللِّسان” (متى 34:12).
كذلك تذكر كلمات السيد المسيح في متى 35:12 “اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ”.
……………………………………………………..
كاتب المقال: كاهن كنيسة مارجرجس المطرية – القاهرة