أسماء خليل تكتب: للديموقراطية ثوبٌ آخر

حينما اجتاحت ثورات الربيع العربي عالمنا، لم يكن هناك مفهوما يطرح نفسه أكثر من “الديموقراطية”.. وكان أي شيء يتم طرحه على الشباب غير التغيير الجذري، حتى ولو شوارع البلاد واقتلاعها من جذورها؛ ما كان سيسلم من هجومهم..

كان يتم شرحها وتصويرها على أنها أهازيج من علو الصوت والنزول بالشوارع والهُتافات التي تحمل فحوى تلك الجملة الهزلية الشهيرة “خُلقتُ لأعترض” ..مفاهيم خاطئة يتم ترسيخها بشكل غير مسؤول وما هي إلا فوضى، وربما مُمنهجة..

إن للديموقراطية مفهومين متباينين تماما لدى الغرب، مفهوم تُمارسه تلك الدول وحكوماتها على أنفسهم وشعوبهم، وذلك يقتضي وجود الثواب والعقاب والحزم والقانون، والثوابت التي تنص عليها الدولة والحسم.. وربما القمع.

والمفهوم الثاني هو الذي توجهه تلك الدول الغربية للشعوب العربية، وتبثُ أهدافها على أنها واقع حقيقي، وتدس أفكارها داخل نفوس الشباب استكمالا لسلسلة التغييب والوعي المعكوس،لغرسه داخلهم..

وبالرجوع إلى التاريخ الإسلامي، الذي هو المقصد حينما تتوه البشرية بين الأزقَّة؛ نجد أنه أصَّلَ مبدأ “الشورى”، أي الحوار والتشاور البناء، ثم القرار لولي الأمر ..فلم توجد الديموقراطية بالمعنى الاصطلاحي الذي وضعته الدول العلمانية..

وإذا كانت الليبرالية هي مطلب من الجميع، فليست معناها أن أكون بوقًا ناطقا ببذيء الألفاظ مُتهمًا أي شخص بمزيد من الاتهامات الجذافية، وأقول هذه هي الليبرالية..

وعلى جانب آخر، يوجد من يجلسون على المقاعد في بيوتهم، وهم المسَّمُون ب“ الكنباويين” ..يمتهنون مهنة واحدة وهي التنظير، فتُراهم يقولون – دائما – كان من المفترض أن يحدث كذا وكذا.. وهب أنهم تولوا أي مسؤولية..ماذا تراهم يفعلون!!.

يُحكى أنه كانت هناك سفينة لها رُبٌَان واحد،وكان القوم بالسفينة لا يتفقون على رأي بأي حال، وأراد الرجل أن يرضي قومه، فبدأ الإبحار بالسفينة، فأتتهُ فئة من قومه قائلين: لابد أن نبحر من الجهة الشرقية؛ فأبحر من تلك الجهة.

وبعد قليل أتاهُ فئة أخرى وقالوا له: كيف أبحرت من الجهة الشرقية، لابد أن تسير في الاتجاه الغربي، فأبحر من الاتجاه الغربي.

وحينما تعمق في السير وجد أن الأفضل لبقاء السفينة مستقرة والوصول إلى الشاطئ بأمان؛ أن يبحر تجاه الجنوب الشرقي،لأنه هو من يقود ويرى عمق البحر الذي لا يراه الآخرون.

وعلم كل من بالسفينة، ما فعله الربان، فقام الفريق الأول بالتجمهر بالطابق الأول، ثم احتج وثار الفريق الثاني بالطابق العلوي وقالوا كيف لا ينفذ الربان ما ذكرناه له، نحن جميعا خبراء بشأن الإبحار وما رأيناهّ هو الصواب، وكذلك كانت حجة الفريق الآخر .

فاندفعوا يتشاجرون ويتشاكسون حتى أحدثوا خرقا بالسفينة فغرقوا جميعا.

لن يوجد شعب بالعالم متفق على كل الأمور، لابد من وجود اختلافات جلية بالآراء .. عليك أن تقل رأيًا وفقط..ثم على ولي الأمر أن يكون له القرار بما يراهُ صالحا لبلاده ..وأي قرار سيتخذه ربان السفينة سيكون له معارضون ..وفي كل حال سيبقى مخالفون الرأي ما بقيت الحياة..لعدم وجود شيء واحد سيتفق عليه جميع البشر ..

ليس معنى ذلك عدم إبداء الرأي.. ولكن شورى ..وللولي مستشارون على أعلى درجة من الثقافة والفهم يتشاور معهم بشكل دائم لصالح البلاد، فمن العقل أن يعي الجميع جيدا أن كل ولي يفكر في أن ترسو السفينة على أفضل ميناء؛لأنه بذلك سينعم مع الجميع، ولكن إن هلكوا جميعا لم ينجُ هو الآخر، لذلك هو دائما سيفكر في الصالح.

يرى علماء الدين أنه لا خروج على الحاكم، إلا إذا مُنع الدين وتم إغلاق المساجد وحُرم الناس من الطرق المؤدية لعبادة ربهم ..

إذا كنت في بلدةٍ آمنه؛ فمن المحقق أنك ستعبد الله أكثر وأفضل.. فدع السفينة تسير حتى لو لم تجد داخلها وسائل ترفيه أو طعام فاخر أكثر ..

أن تصل لبر الأمان وينقصك شيء، خير من ألا تصل ويضيع كل شيء.

اقرأ المزيد للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى