أمل محمد أمين تكتب: بالتأكيد كانت عظيمة !
قرأت منذ فترة مقال مثير عن حياة الروائي تولستوي يصف علاقته بزوجته صوفيا أندريفينا وحاول المقال أن يبتعد عن التحيز ضد هذه السيدة التي شيطنها البعض وتجاهلها الكثيرون إلا أن علاقة تولستوي بزوجته خاصة في الأيام الأخيرة من حياته لم تكن واضحة تمامًأ!.
من يقرأ أكثر عن حياة الزوجين يعرف أن تولستوي كان يكن الكثير من الحب لصوفيا التي كرست حياتها لعائلتها وعملت كسكرتيرة ومديرة أعمال لزوجها إلى درجة أنها نقحت رواية الحرب والسلام المكونة من 2300 صفحة ثمان مرات حتى تصل إلى القراء بالشكل المبهر الذي جعلها من الأعمال الخالدة عبر التاريخ.
في مذكراتها تتحدث صوفيا إلى تولستوي قائلة: “في كل هذا الزحام، فإن الوجود بدونك يشبه تركك بلا روح، يمكنك وحدك إضافة الشعر والسحر إلى كل شيء، ورفع كل شيء إلى مستوى الارتفاع، بالنسبة لي، كل شيء ميت بدونك، أنا فقط أحب.. ما تحب”.
وعلى الرغم من كل هذا فقد شكك العديدون في علاقة السيدة بزوجها وأنها كانت السبب في رحيله ووفاته بعيدًا عن ضيعته وقصره، فهل كان ما سبق هو الحقيقة؟ أم أنها كانت زوجة مخلصة ساعدت زوجها على النجاح والعالمية؟!.
لم تكن صوفيا المرأة الوحيدة التي لم يعلم العالم الكثير عن دورها في نجاح زوجها فهناك السيدة “عطية الله” زوجة الأديب الكبير “نجيب محفوظ” والذي أبقى زواجه منها في الخفاء لمدة 10 سنوات كاملة ليس عن المجتمع فقط بل وعن أمه أيضا التي كانت تجهزه للزواج من قريبة ثرية وتحملت “عطية الله” كل هذا في صمت ولم تحاول الخروج إلى الضوء حتى بعد إنجابها أولى بنتيهما “أم كلثوم” يقول محفوظ عنها “زوجتي تحملتني كثيرًا وساعدتني على تطبيق النظام الصارم الذي فرضته على حياتي.. ووفرت لي جوًّا مكنني من التفرغ للكتابة».
ويُضيف محفوظ في حوارٍ آخر: «كانت عطية زوجة تفهم أننى لست كائنًا اجتماعيًّا، ولا أحب أن أزور أحدًا أو يزورني أحد، وأنني وهبت حياتي كلها للأدب، ووجدت في عطية الله هذا التفهم وتلك الصفات المناسبة لي”.
وإذا بدأنا في التحدث عن دور الزوجات والأمهات في حياة العظماء والمشاهير وكيف أثرت أفكارهن وتضحياتهن في نجاح هؤلاء الرجال فلن تكفي عشرات المقالات فكلنا نعرف طه حسين لكن تغيب عن ذاكرتنا دور زوجته الفرنسية سوزان التي عاشت معه خمسين عامًا تقريباً بحب واخلاص وإيثار وبفضلها تعلّم اللغتين الفرنسية واللاتينية وكانت سندا له وساهمت في الحد من تأثير إعاقته.
وهناك شهرة فائقة للسيدة ميرسيديس زوجة غابريل ماركيز مؤلف مائة عام من العزلة والذي حكى كثيرا عن مواقف زوجته وكيف أنه ينسى كيف رهنت السخانة الكهربائية ومجفف الشعر لتسديد المستحقات البريدية لإرسال رواية “مائة عام من العزلة” إلى الناشر ولم يتبق في منزلهما أي شيء سوى الآلة الكاتبة التي كانت مصدر الكتابة والرزق.
وفي اعتقادي ان أعظم زوجة في التاريخ على الإطلاق هي السيدة خديجة رضي الله عنها، ومهما حاولت ان أصف مدى انبهاري بأفعالها وأعمالها فلن أوفيها حقها فلقد عاشت هذه المرأة العظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 25 عاما متصلة ولم يحدث أي خلاف بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا قبل البعثة ولا بعدها؛ فلم نسمع عن غضب أو هجر؛ بل لم نرَ طلبا طلبته خديجة رضي الله عنها لنفسها؛ فقد ظلت تؤازر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحرج أوقاته، وتعينه على إبلاغ رسالته، وتُهوِّن عليه الصراع الذي دار مع كفار مكة، وتُواسيه بمالها ونفسها، وتُجاهد معه بحقٍّ كجهاد الرجال أو أشد.
شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك وعايشه؛ لذلك كان من المستحيل أن ينساها، بل كان صلى الله عليه وسلم وفيّا لها بعد وفاتها؛ فقد كان يكرم أصدقاءها، وكان دائم الحديث عنها، وقال عنها: “ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها؛ قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء”.
ختاما إن البعض يردد مقولة نابليون بونابرت” وراء كل رجل عظيم إمرأة ” على سبيل المجاملة لكن التاريخ والحاضر يحمل في طياته عدد لا حصر له من قصص النساء اللاتي تحملن أصعب الظروف مع أزواج كانوا عاديين لكن مع دعمهن وصبرهن أصبح هؤلاء الرجال نقاط مضيئة في حياة أوطانهم. ويمكن وصف كل واحدة منهن بأنها كانت عظيمة..