أحمد عاطف آدم يكتب: الاحتواء الحميمي و«عفريت أمينة»

يتعجب الكثيرون من زمن “سي السيد والست أمينة”، ولسان حالهم يقول، كيف كان هذا الانسجام بين الرجل صاحب السطوة الغاشمة، وزوجته صاحبة الخضوع المبالغ فيه، كما جسدتها السينما المصرية برواية “بين القصرين” للأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ ضمن ثلاثيته الشهيرة؟!.

لكنني أجد أن حقيقة هذا الدور الذي لعبته الفنانة آمال زايد وأتقنته بحرفيتها المعهودة – لم يكن متسقًا تمامًا مع حذافير الواقع المعاش حينها، بل هو مجرد تشخيص لرؤية درامية بحتة، أراد مخرج العمل أن يبرزها لشخصية الزوجة المصرية مسلوبة الإرادة، وليس نقلًا وفيًا وموضوعيًا للشخصية الحقيقية.

ومن عاصر هذا الزمن وتعامل مع ناسه ببعض المواقف التي عاشها عن قرب، ودقق في “كاريزما” الست المصرية الأصيلة، سوف يؤكد بأن كلمة سر تناغمها مع زوجها، لم يكن عن ضعف شخصيتها أو وهنها الاجتماعي، بل لإيمانها الراسخ بأهمية وضرورة “الاحتواء الحميمي” المتبادل مع رجلها عن طيب خاطر.

“الاحتواء الحميمي” تلك الصفة التي انقرضت منذ زمن، ولم يعد لها أثرٌ  واضحٌ في بيوتنا الآن.

وللأسف الشديد فإن تلك الحالة من الرفض، المسيطرة على السواد الأعظم من فتيات وسيدات الجيل الحالي، وخوفهن من تلبس “عفريت أمينة”، هو ما دفعهن لرفض مبدأ تقديم بعض التنازلات، والعمل  بشغف والسعي المتواصل على الاعتراض غير المبرر حيال أتفه الأسباب الحياتية مع خُطَّابهن وأزواجهن.

والست أمينة لم تكن ضعيفة كما أظهرتها شاشات السينما والدراما القديمة، بل كانت على قدر كبير من الحب والاحترام في حياة زوجها، إلى درجة تصل للتقديس بمعناه المقبول.

كما تمتعت بقدر كبير وواضح من السيطرة على بناتها، واستطاعت تخريج دفعات مسئولة منهن، أصبحن سيدات مجتمع وقادة رأي محبوبات ومؤثرات.

حتى الأبناء الذكور الذين تربوا على يد نفس سيدات الزمن الجميل، أصبحوا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من وفاء وعطاء ونخوة، فزاد إيمانهم بدور المرأة فى حياتهم – ليس بدافع الاستعباد والميل للهيمنة، ولكن لليقين الراسخ الذى تولد لديهم بمعاصرة أمهاتهم البواسل فى بيوت آبائهن وتعلم الاحترام منهن.

لذا فإن تعدد حالات الطلاق فى هذا الزمن الذى نعيشه، أرى بأن من بين أهم أسبابه، هو فشل دور الأم فى تقديم سيدات لا يؤمنَّ بوجود “عفريت أمينة”.
وللحديث بقية.

اقرأ ايضا للكاتب:

 

زر الذهاب إلى الأعلى