رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (38) الخالق
تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الله الخالق جل جلاله
ورد اسمه الخَالق ثماني مرات في القرآن منها : ﴿هُوَ اللَّهُ الخالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسماءُ الحُسنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ (الحشر: 24)
كما ورد الاسم بصيغة المبالغة مرتين:
الأولى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلّاقُ العَليمُ﴾ (الحجر: 86)
والثانية: ﴿أَوَلَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِقادِرٍ عَلى أَن يَخلُقَ مِثلَهُم بَلى وَهُوَ الخَلّاقُ العَليمُ﴾ (يس: 81)
وورد بصيغة التفضيل كما في قوله سبحانه وتعالى:
﴿أَتَدعونَ بَعلًا وَتَذَرونَ أَحسَنَ الخالِقينَ﴾ (الصافات: 125)
والخالق في أسماء الله تعالى هو الذي أوجد جميع الأشياء بعد أن لم تكن موجودة، فالخالق هو الذي ركب الأشياء تركيبًا ورتبها بقدرته ترتيبًا، يقول الله تعالى:
﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم هَل مِن خالِقٍ غَيرُ اللَّهِ يَرزُقُكُم ﴾ (فاطر: 3)
(هَلْ مِنْ خَالِقٍ) أي هل من مُبدع؟ هل من مُنشئ؟ هل من مُوجد للأشياء؟ من العدم غير الله
المعنى الثاني: هو تقدير الشيء أو تركيبه وترتيبه
يدل عليه قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) أي قدرناها كذلك كما في قوله سبحانه وتعالى:
﴿ثُمَّ خَلَقنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقنَا المُضغَةَ عِظامًا فَكَسَونَا العِظامَ لَحمًا ثُمَّ أَنشَأناهُ خَلقًا آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخالِقينَ﴾ (المؤمنون 14)
والفرق بين اسم الخالق والخلاق هو:
الخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير وعلم ثم بتصنيع وخلق عن قدرة وغنى ، فالخالق هو الذي قدر بعلم وصنع بقدرة فخلق الشيء من العدم .
والخلاق صيغة مبالغة من الخالق الموصوف بخلق غيره ، وهو الذي يبدع في خلقه كمًّا وكيفًا؛
فمِنْ حيثُ الكمِّ يخلقُ ما يشاء ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً) (النساء:133)
ومن حيث الكيف : ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون َ) (النمل:88)
فهو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا بقدرته المطلقة ، فيعيد ما خلق ويكرره كما كان ، بل يخلق خلقا جديدا أحسن مما كان .
إن اسم الخالق جل وعلا يدعو الإنسان إلى عبادة عظيمة وهي عبادة التفكر فقد أمر الله سبحانه بالتفكُّر والتدبر في كتابه العزيز، وأثنى على المتفكِّرين بقوله:
﴿ وَيَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ رَبَّنا ما خَلَقتَ هذا باطِلًا سُبحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ (آل عمران 191)
والتفكُّر بمعناه الواسع ودوائره المتعددة التي تشمل النظرَ في آيات الله الكونية، والتفكُّرَ في آيات الله المقروءة في كتابه الكريم، والتدبرَ في عظيم فِعْل الله وبديع تدبيره وسنن الله في كونه، يُعدُّ في وسائل التزكية وخطوات التربية وسيلةً هامة وخطوة كبيرة لبناء نَفْس مزكَّاة، وبدونه تتحول النفوس إلى نسيج هشٍّ، والعقول إلى مستودعات خاوية، وتغيب عن القلب حقيقة العبودية.
يقول الإمام ابن القيم حين يصف التفكُّر وعظيم شرفه: تفكُّر ساعة خير من عبادة سنة؛ فالفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، ومن المكاره إلى المحاب، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة .
ومن آثار الإيمان باسمه الخالق جل جلاله:
أولاً: الإيمان باسمه سبحانه (الخالق) يستلزم الإيمان بوحدانيته سبحانه وألوهيته وإفراده وحده بالعبادة.
ثانيًا: الإيمان باسمه سبحانه (الخالق) يورث المحبة الكاملة له عز وجل لأنه سبحانه الذي خلقنا وأنعم علينا بنعمة الإيجاد بعد أن لم نكن شيئًا مذكورًا ثم أمدنا سبحانه بما خلقه في هذا الكون من نعم وبما سخره لنا من مخلوقاته، وبما خلق في قلوب الأمهات والآباء من الرحمة والرعاية، وبما أمدنا به من السمع والبصر والأفئدة وغير ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى. فجدير بمن خلقنا وأوجدنا وربانا بنعمه أن يُحَبَّ غاية الحب وأن يُذَلَّ له غاية التذلل وهذان هما قطبا التعبد لله عز وجل.
وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.