رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (37) الحسيب

 تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم من أسماء الجلال لله عز وجل وهو اسم الحسيب.

ورد اسم الله “الحسيب” في ثلاث آيات، الأولى قوله تعالى: {وكفى بالله حسيبا} (النساء: 6)، وبنفس اللفظ في (الأحزاب: 39)، كما وردت في قوله تعالى: {إن الله كان على كل شيء حسيبا} (النساء: 86).

ومن السنّة ما ورد من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن كان أحدكم مادحا لا محالة؛ فليقل: أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحد) 

والحسيب مأخوذٌ من الفعل: حسِبَ، يُقال: حسَبته أحسِبه حَسبا وحِسَابا وحُسبانا، وحِسابة، إذا عددته، وحاسبته من المحاسبة.

والحَسَبُ يُطلق كذلك على ما يعدُّه الإنسان من مفاخر آبائه وأجداده، فيُقال: فلانٌ حسيب، أي كريم الأصل والمحْتَد، ويقال: حَسَبُهُ دينُهُ أو مالهُ، والحُسبان بالضم معناه: العذاب، ومثاله من كتاب الله تعالى قوله:  {ويرسل عليها حسبانا من السماء} (الكهف:40).

ويُطلق كذلك على الحساب، وذلك كقوله تعالى: {الشمس والقمر بحُسبان} (الرحمن:5)، ومعناه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: يجريان بعدد وحساب، وتقول العرب أن الحسبان، جمع حُسبانة، وهي الوسادة الصغيرة.

أما المعنى في حق الله جل جلاله، فنجد أن الحسيب تدور على أربعة معانٍ: الحفظ، والكفاية، والشهادة، والمحاسبة، وما تستلزمه هذه الصفات من العلم الكامل.

يقول الشيخ السعدي في تعريف هذا الاسم: الحسيب: هو العليم بعباده، كافي المتوكلين، المجازي لعباده بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق أعمالهم وجليلها.

والحسيب بمعنى الرقيب المحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل، وبالفضل، وهو الذي يحفظ أعمال عباده من خير وشر، ثم يُحاسبهم عليها ويُجازيهم بها على حسب مقتضيات أعمالهم، قال الله تعالى: 

﴿فَأَمّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَسَوفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسيرًا وَيَنقَلِبُ إِلى أَهلِهِ مَسرورًا وَأَمّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهرِهِ فَسَوفَ يَدعو ثُبورًا وَيَصلى سَعيرًا﴾ (الانشقاق:8-12).

وتأتي بمعنى الكفاية، فالله هو الكافي عباده همومهم وغمومهم، وكفايته لعباده عامّة وخاصّة، فأما العامّة فهي التي تقتضي آثارها من الرزق والإمداد بالنعم، وتكون لجميع الخلائق، وأما الخاصة فهي للمؤمنين به، المتوكّلين عليه، قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق:3)، أي: يكفيه أمور دينه ودنياه.

وقد ورد في تفسير القرطبي في قوله سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}

قال بعض الصلحاء:  هذا كتاب، لسانك قلمه، وريقك مداده، وأعضاؤك قرطاسه (أي الورق الذي يكتب فيه)، أنت كنت المملي على حفظتك، ما زيد فيه ولا نقص منه، ومتى أنكرت منه شيئا يكون فيه الشاهد منك عليك.

فكل عمل صغيرا أو كبيرا قام به الإنسان في هذه الحياة سوف يحاسب عليه فهل لديه إجابة على ذلك ؟!

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم الجليل: الايمان بأن الله سبحانه وتعالى هو الكافي لجميع الخلائق، وأما المخلوق فقد يكفي مؤونة أحد، لكنّه لا يكفي مؤونة كلّ أحد، وإذا استطاع مدّ يد المعونة فذلك لأجل معلوم ووقت محدود، أما الله فهو الكافي سبحانه لجميع الخلائق على وجه الدوام.

يقول الغزالي: الله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه، وهذا وصف لا تُتصور حقيقته لغيره، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده، ولدوام وجوده، ولكمال وجوده، وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل؛ فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء، أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء، ويدوم به وجودها، ويكمل به وجودها.

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم الثقة بالله سبحانه وتعالى والركون إليه، واستشعار معيّة العبد للخالق في جميع الأوقات ومختلف الأحوال، بحيث يكفيه همّه كلّه، ولا يحوجه إلى أحدٍ غيره، كيف لا وهو سبحانه له مقاليد السماوات والأرض، وبيده الأمر كلّه؟

وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.

اقرأ أيضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى