أسماء خليل تكتب: ساعة اللاشيء

في الحين الذي لا يجد فيه بعض الأشخاص وقتًا بيومهم لفعل كل شيء، هناك من يشعرون بالملل ولا يفعلون أي شيء.. إنها المُفارقة العجيبة بين نوعي البشر الذين يقطنون تلك الحياة، وكلا الفريقين ينظر للآخر نظرة تعجب، و يتساءل في نفسه كيف يسلك ذلك المرء هذه السلوكيات..

إنها نفس عدد الساعات التي يحويها اليوم وكل يوم، ولكن وقعها مختلف تمامًا على كل نفس، فهناك من يحتاج باليوم مائة ساعة.. وهناك من يريد اليوم يمر من كثرة عنائه من الملل كأنه ساعة! ..إنه الوقت.. الزمن.. ومدى مروره في نفوس البشر، ربما يحفر داخل البعض عميق الأثر.. أثرٌ تتوارثه الأجيال، وربما يمر لدى الآخرين مرور الكرام!..

يتوقف ذلك التباين على مدى فهم ما تعنيه الحياة لكل امرئ بالعالم.. الحياة فرصة للعمل.. للإنجاز.. للاستمتاع بالنجاح.. للاستعداد بكامل العتاد للرحيل.. للتفكير.. للتأمل.. لزرع بُستان.. لإضائة شمعة تنير طريق.. لإماطة أذى.. لبر أم.. لزيارة مريض.. لتعلم جديد… بينما هناك من تعني له الحياة مجرد ورقة بنتيجة حائط يقوم بقطعها كل يوم؛ ولن يعدو عن كونه يُمزق الأحلام.. يصنع الأوهام.. يقتل الطموح.. يُبعثر الآمال..

وهذا هو الفرق بين ساعةٍ وساعة.. إذا قُمت ببناء طوبة واحدة كل يوم، فبمرور عام؛ سيصبح لديك بيتٌ كامل الأركان.. إذا كتبت سطرًا كل يوم؛ فبعد عام سيصبح لديك كتابًا يستفيد منه العالم.. إذا تعبتَ ساعة فستستريح ساعات، وإذا قتلتَ ساعة فستقتص َمنك كل الساعات..

هؤلاء الذين لا يعرفون سوى ساعة اللاشيء، لا يعنيهم أي شيء، أشخاصٌ يقتلهم الملل بآلة، بدلًا من أن يقتلوه بفعل كل شيء..تُراهم يمسكون هواتفهم طوال اليوم من قناة لقناة، بينما “اليوتيوبر” ما هو إلا شخص ناجح استطاع بالعمل الدؤوب صُنع محتوى يجعلك تجلس لمشاهدته وهو لا يشعر بالملل، ثم يتجه إلى المقهى ليقضى على رتابة الحياة، فيقدم له المشروب شخصًا بشوش الوجه لا يعرف كيف يقضي كل حاجاته في ذلك اليوم القصير ولا يشعر بالملل..

وحينما تمر السنوات، سيقابلك أصدقاؤك في كل مكان، في صالة الألعاب الرياضية فقد تعلم أحدهم وتدرب حتى وصل لإقامة ذلك المشروع الذي يحقق أهدافه، وسيقابلك أحدهم وقد افتتح منحل لإنتاج وبيع العسل، وسترى بالحياة آخر يقوم بصنع أشهى المأكولات في مطعم امتلكهُ وأنت مجرد ضيف به، وهناك من يأخذ مقاس ياقتكِ ليقوم بتفصيل قميصًا لك في مصنع الملابس الصغير الذي وضع فيه أحلامه…..

وأنت.. أما زلتَ تشكو من الملل.. إنه ليس بمرض نفسي.. ولا مس شيطان.. إنه صنع إنسان.. الذي لا يعرف مقدار قيمة الساعة.. فيشكو رتابة الوقت ويظل طوال حياته متوقفًا وضابطًا عقارب منبههِ ساعة الأصفر.

اقرأ ايضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى