د.إيمان عبد الله لـ «بيان»: كيف نستعين بشحنة الإيمان الرمضانية على ضغوطات الحياة

كتبت: أسماء خليل

يأمرنا الله – سبحانه وتعالى – بالتعرض للنفحات التي منحنا إياها في أيام الدهر.

روى الطبراني في حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا “.

فلعبادة في تلك النفحات الطيبات هي المصباح المنير الذي يضيء العالم من حولنا طوال العام.. وليس أجدر بالتعبد في أيام الدهر أكثر من شهر رمضان، فعلى كل مسلم أن يجعل له غارًا يتقرب فيه إلى الله بالعبادات والصوات، ويسبح ربه بكرةً وأصيلا، كي يشحن روحه إيمانيًّا في مواجهة هموم وضغوط الحياة.

طالع المزيد:

وفي هذا الصدد تؤكد دكتورة، إيمان عبدالله، أخصائي علم النفس وخبيرة الإرشاد الأسرى، لـ “بيان” على ضرورة تلقِّي تلك الجرعة الإيمانية التي تمثل الطاقة والرؤية – في رمضان – لتحدي الضغوط النفسية باقى شهور العام.

ونظرًا لأن الصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام، فهو يترك أثرًا كبيرًا في تقوية الإرادة الإنسانية، وهذه الإرادة هي التي تجعل المسلم يتحمل الضغوط.

أما عدم تحليه بتلك الإرادة فتصيبه حتما ببعض الأمراض النفسية والعصبية، والصيام بدوره يقوي به الله – سبحانه وتعالى – تلك الإرادة، بما في ذلك من قرب يزيد الطاقة الإيمانية للمرء، فبالتالي يتخلص من أي ضغوط..

مشاعر إيجابية

وتشير أخصائي الإرشاد الأسرى، إلى حتمية أن يتخلص الإنسان من المشاعر السلبية، التي تكونت من خلال تراكم الأخطاء وتأنيب الضمير طوال العام، فتعينه العبادة على تقوية الإرادة وبالتالي اكتساب مشاعر إيجابية.

وتثبت الدراسات العالمية أن الصوم يعالج كثير من الأمراض النفسية مثل الاكتئاب النفسي والقلق والتوتر وبعض المخاوف، فشعور الإنسان بأن ذنبه الذي طالما آلمه وربما، لا قدر الله أيأسه من رحمة الله، وذهب بخياله إلى الكفر أو التخلص من الحياة، والعياذ بالله؛ يتم غفران هذا الذنب فى هذه الأيام المفترجات، وهذا أدعى أن يجعل العبد المذنب فرحا سعيدا؛ فالصوم يجدد الخلايا الإيمانية والروحانية، من خلال الترجي لله تعالى والوقوف بين يديه.

التفاؤل والطمأنينة

وتستكمل أستاذ علم النفس رؤيتها، بعدم التشكيك في أن الإنسان إذا صام وامتنع عن الموبقات، يترك ذلك أثرًا بالغًا داخل نفسه ويرسخ داخله جرعة إيمانية كبيرة جدا، تعزز بداخله التفاؤل والاطمئنان، مما يساعده في“تنظيف طاقته”، فتتنحى طاقات الغربة والشك والوساوس، التي طالما أفسدت عليه المشاعر الإيمانية الجميلة، ويحل محلها طاقات اليقين والسمو الروحي والشعور بالقرب من الله، فلا تأتي الضغوط من فراغ، تلك الضغوط التى تؤدي إلى السخط العام من الحياة وأحداثها وابتلاءاتها، وبالتالي الإصابة بالاكتئات..

خيرُ استثمار

وتوضح عبد الله ضرورة الاعتكاف في جزء من الوقت، وتحقيق الخلوة مع النفس، فالإنسان بحاجة إليها حيث مناجاة ربه.. ليس فقط ذلك، لكن الاندماج المجتمعي بمساعدة الآخرين، والأعمال الخيرية الحقيقية، بمعنى إجراء عملية إبدال وإحلال لكل الصفات الرديئة؛ مثل التنمر والحسد والغيبة والنميمة وتضييع الوقت، و استبدالها بالصدقات وإطعام الطعام وصلاة التراويح وزيارة الأرحام، فالصيام قادر على ذلك..

التربيع على العرش

وتُبين دكتورة إيمان، أن الصحة النفسية، هي التي تتربع على عرش نواتج صيام شهر رمضان المبارك، إذ أن العبادة تقوم على تقوية الروح لأن هذا هو العلاج الطبيعي القوى الآمن، فالجانب الإيماني في علم النفس عامل مؤثر جدا، في التأثير على مدى صفاء الروح، وخلوها من الغيرة المنهي عنه، فتصفية النفس بالقرب من الله يعمل على تعلم الإنسان منذ الصغر، فتجده مكتسب قوة روحية وَمناعة فولازية ضد ابتلاءات الحياة.

مصل إيماني

وتؤكد أستاذ علم النفس، على ضرورة زيادة الجرعة الإيمانية لدى المسلم في رمضان؛ وذلك ليكون له زخرًا طوال العام كأنه مصل طبي علاجي ووقائي من الوقوع في المعاصي والخطايا، فتزيد الطاقة الإيمانية وقدرته على الصبر والعطاء وقوة التحمل، فالإيمان قوة روحية تزداد بتمسك الإنسان بدينه..
وتستطرد موضحة أن إغفال المطالب الدنيوية والإقبال على المطالب الدينية، والتقوى والعمل الديني كهدف، كل ذلك يجعل المرء في قمة السعادة وهو يحقق القرب من الله، فعلم النفس الإيماني يرتكز على ربط الإنسان نفسه بقوى عظمى تتجلى مظاهرها في الصوم والصلاة ومدى قرب المرء من الإله الأعظم، الذي هو قادر على كل شيء وهو من خلقنا، فترسخ تلك العقائد داخل الإنسان، تعمل على تقوية صلة الإنسان بربه قولا وفعلا، ما يمنحه الطمأنينة، حيث أن السلام الداخلي يقوم على التوازن بين الروح والجسد والعقل، الخاضعين جميعا للمصدر العلوي وتلك هي قمة السعادة.

الشفاء بالطمأنينة

تؤكد أستاذ علم النفس، أن علماء النفس أكدوا أن 84٪ من مرضى القلق والاكتئاب وكثير من الأمراض النفسية، يشفوا بالطمأنينة، لتيقنهم في جوهرهم الفطري، أن الله قادر على شيء، فلابد من التوازن في الأمور الحياتية كلها تزامنًا مع تحقيق رغبات النفس الإنسانية، وما يفرضه الله عليها من فروض، وتلك العبادة الرمضانية تُكسب المسلم السلوكيات السوي، وتقلل الشعور بعدم الراحة، لأنها تكبح جماح الدوافع الغريزية التي داخل النفس البشرية، وتعطينا قوة من خلال قربنا منه استثمار هذا الشهر بالطاعات والروابط الأسرية وعدم التفكك المجتمعي.

زر الذهاب إلى الأعلى