«ابني عنده خوف شديد (فوبيا) الامتحان أعمل ايه؟!».. د. إيمان عبدالله تجيب

كتبت: أسماء خليل

تشكو كثير من الأمهات من إصابة أبنائهم بالخوف الشديد (المرضى) من أي وكل شيء.

ولا يقتصر الخوف على الشكل المادي فقط، كأن يخاف الطفل من الأماكن المرتفعة أو الظلام أو الأصوات المرتفعة؛ بل وأيضا الخوف من مواجهة المواقف مثل خوض الامتحانات، المسابقات المدرسية، انتخابات اختيار رائد الفصل و…. إلخ.

ما الداعي وراء ذلك الخوف؟.

وهل يعود الأمر لأسباب وراثية أم عوامل بيئية؟.

ولماذا لا يثق الطفل بنفسه وقدرته مما يجعله يتنصل من المواجهة؟

توضح دكتورة إيمان عبدالله، أستاذ علم النفس وخبيرة الإرشاد الأسرى لـ”بيان” الأسباب وراء خوف الأطفال “المرضى”،

د. إيمان عبد الله
د. إيمان عبد الله

وبخاصة مواجهة الامتحانات.

وتقول عبدالله إن هذا الخوف لا يأتي من فراغ؛ إذ أن له أسبابًا، لابد على كل أسرة معرفتها جيدا، فكل طفل يولد على الفطرة لا يخاف من أي شيء، ويشعر ان ما حوله آمن، ويبدو هذا في ردود أفعاله، والأهل هم من يقومون بتشكيل وجدانه وبالتالي انطباعاته تجاه الأشياء، ما يترتب عليه رد فعله في كل موقف، إن الآباء – بالمقام الأول – هم من يزرعون الخوف في قلوب أبنائهم..

صُراخ الأم

وتشير أستاذ علم النفس إلى أن الطفل حينما يرى البيئة من حوله في طريقه للتعلم منها، لا يعرف الفرق بين الصرصور أو القطة أو السلحفاة أو العصفور، لا يعرف ماذا عليه أن يفعل إذا رأي تلك الحيوانات والحشرات، صُراخ الأم تجاه رؤية أي حشرة أو حيوان هو ما يرسخ في وجدانه، فتُراهُ يُحاكي ما فعلته أمه من خوفها من بعض الأشياء.

وتستكمل “عبد الله” أن الطفل إذا عاش بالغابة ولم يرَ أي تعبيرات للخوف على وجوه من حوله، فتُراهُ يُمسك بالثعابين ويتراقص مع الأسود، وفي المقابل إذا رأى أحد من البشر العاديين أسدًا فستقشعر أبدانهم؛ وذلك لأن الجميع اعتاد وتربى على الخوف من ذاك الحيوان المُفترس، وقياسًا على ذلك فكل قلق وخوف له أسبابه.

والتلميذ الصغير حينما رأي تعبيرات وجه الأم القلقة قُبيل وقت الامتحانات أو حين اجتياز أي مهارة يكون نتائجها النجاح أو الرسوب؛ اعتاد على الخوف هو الآخر، فهناك شيء يحسه الطفل دون كلام من كلا الطرفين، وهو شعوره أنه مهدد، ثم يأتي هذا الخوف إما في صورة جسدية “سيكوسوماتك” فيشعر قبل الامتحان أو أثنائه، أو قبل مواجهة الموقف الذي من شأنه اختبار قدراته أو المقارنة بينه وبين أصدقائه، بالغثيان وربما التقيوء، أو عدم القدرة على الذهاب إلى ذلك الامتحان.

طالع المزيد:

وترى خبيرة الإرشاد الأسرى، أنه إذا تكررت تلك الأمور مع الطفل، فهذا يعني أن لديه اضطراب القلق والخوف أو فوبيا الامتحان، وتتجلي في تلك الصور من الاعتلالات الجسدية الطارئة، وكل ذلك بسبب ردود فعل الأهل، وذلك لأنه في حال لم يجتاز ذلك الامتحان بتفوق سيتعرض ربما للعقاب البدني أو اللفظي، وربما بالأدني من ذلك حيث يشعر الطفل الأكثر حساسية بمدى تأثير عدم اجتياز الامتحان بتفوق من حزن يظهر على الوالدين وهذا يؤلمه جدا، فيلازمه الخوف حيال المواقف المتعددة.

الحب المشروط

وتوضح “عبد الله”، أن الطفل – هنا – يُدرك أن مدى حب والديه له مشروط بمدى اجتياز أي اختبار يواجهه بمهارة، فيخشى على ضياع ذلك الحب، فتتكون لدى الطفل رؤية للحب بشكل مختلف، ويقول داخل ذاته إنهم يحبوني من أجل المذاكرة ومدى التحصيل الدراسي واجتياز الامتحانات، فتجده يحاول الحفاظ على ذلك الحب بأى شكل، ويتجلى ذلك في ضغطه على نفسه بالمذاكرة والخوف من الامتحانات وغيرها؛ حتى ينل رضا أهله، فيؤثر شعور الخوف على الطفل من الفقد فيتحمل مالا طاقة له به.

المقارنة المُدمرة

وتُبين “عبدالله” أنه في الحين الذي علم به جميع العالم، أن هناك قدرات ذهنية مختلفة بين الناس وفروق فردية مازلنا نجد بعض الأسر تقارن ابنها بابن عمه أو خالته أو جاره، مما يضغط على الطفل بشكل أو بآخر، وهذا من ضمن عوامل الخوف، فهناك من هؤلاء الأطفال من يستوعب المنهج كاملا فى بضع أيام، وهناك من يذاكر طوال الليل وتحصيله الدراسي ضعيف جدًّا.

اذا لابد على الوالدين من احترام درجة استيعاب أولادهم، فربما يرجع الأمر إلى صعوبات تعلم أو اضطراب نفسي، وكذلك الضغط على الطفل بالتنمر وتوجيه التوبيخ الدائم له بأنه ليس متفوقا من قِبل الأم أو المعلمة التي لا تقدره.

النقد لا يصنع الرجال

وتؤكد أستاذ علم النفس، أن النقد الهدام من قبل الأهل لا يصنع شبابا واعيا، وكذلك حينما يرى الأصدقاء الإهانة توجه للطفل من جهة من هم أكبر منه، فبالتالي يقولون له أنت فاشل مما يشعره بالخوف والارتباك، وهنا يكون الخوف مزدوجا بين العقل العاطفي، والعقل الاستيعاب، وهذا يجعله يرى الأسئلة كأنها طلاسم ويتوه، فالمخاوف تحجب عنه الرؤية بشكل صحيح.

وتستنكر خبيرة الإرشاد الأسرى عدم وجود صبر وضمير لدى بعض المعلمين، والقائمين على العملية التربوية وبخاصة في المنزل، فتشير إليهم بعدم استخدام التوبيخ ومحاولة مساعدتهم بخطة تعليمية برفق تُعينهم على الفهم الجيد، وتحاول الأم تقوية نقاط ضعفه.. فربما يكون المعلم ممتازًا ولكن تنمر أصدقائه على مستواه التعليمي يؤخره، وكذلك إعادة الشرح مرة أخرى للابن،.

ولابد على الوالدين أن يدركوا أن الابن ليس موجودًا بالدنيا ليحقق رغبات الأهل، إذ يحاول الوالدان ممارسة نظرية الضغط على أبنائهم، وذلك بأن يختاروا له ويحددوا مصيره، بما كانوا يتمنون بالماضي ولم يستطيعوا تحقيقه.

ليس آلة

وتشير دكتورة إيمان إلى أن الأبناء ليسوا آلة متحركة تعمل بدون وقت للتعاطف، وذلك بفرض الكتب الدراسية أمام الطالب طوال اليوم، لا يرى وجهه غيرها؛ إذ لابد من ممارسة الأنشطة والهوايات، فتقوية العاطفة بين الأسرة يزيد من اواصر العاطفة بينهم، مما يقوى عضلة الدماغ لدى الأطفال، ويزيد قوة الإدراك..

فالضغط الأكاديمي يجعل الطفل بتلك الطريقة ممتازًا في الدراسة، ولكن حتمًا سيفشل بالمجتمع وذلك لعدم اكتساب مهارات متعددة، مثل ضبط الانفعال ومهارة حب الذات ومهارة التواصل الاجتماعي، والثقة بالنفس والتحكم بالذات، فليس من الجميل أن يصبح الطالب متفوقا ولديه خلل نفسي!

استراتيجية تربوية

وتؤكد عبد الله أنه لابد من وضع استراتيجية محكمة تعين الأبناء في فترة الامتحانات على عدم الخوف، وكذلك زرع الثقة بالنفس، فلابد قبل الامتحانات أسرة هادئة واسترخاء الأخوة الذين انتهوا من الامتحانات الدراسية وعدم مضايقتهم لأخوتهم الذين مازالوا لم ينتهوا بعد، فلابد على جميع الأسرة أن تدعمه، وكذلك الاسترخاء خلال اليوم يزيد تركيز الطفل ولو لمدة 25 دقيقة وينظم ضربات قلبه.

تشير – أيضا – أستاذ علم النفس إلى أن سؤال الطفل بشكل دائم وتشجيعه والثناء عليه كلما أصاب يدعم لديه الثقة بالنفس.

ولابد من غرس القيم التربوية داخل الطفل والابتعاد عن التفكك الأسرى، وكذلك تدريبه على الامتحان كأنه يجتازه تماما، ما ينمي داخله الثقة وعدم الخوف والقلق بالمواجهة، وكذلك يتدرب على سرعة الإنجاز الوقتي داخل اللجنة.

نصيحة أخيرة

وأخيرا تنصح دكتورة إيمان عبدالله الوالدين بمحاولة جعل الطفل يحب المذاكرة ليتفوق بها، ولا تكون هي مصدر مخاوفه من الحياة، ولابد من الاستماع إلى أبنائهم وعدم التهويل أو الاستعانة بما يقولون، وسماعهم ومناقشتهم وجعلهم يعبرون عما داخلهم من مشاعر الخوف ومحاولة احتوائهم، بالقرب العاطفي والجسدي وعدم تضخيم أو تقليل ما يشعرون به.

زر الذهاب إلى الأعلى