د. إسلام جمال الدين شوقي يكتب: لماذا يجب تعديل قانون جرائم تقنية المعلومات
تم تقديم مقترح في مجلس النواب بمشروع قانون بشأن تعديل القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات
بادئ ذي بدء القيام بمثل هذا التعديل هام جدًا، وأؤيده تمامًا، وجاء في التوقيت المناسب، نظرًا لتزايد أعداد جرائم عمليات الابتزاز الإلكتروني، في ظل تنامي عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والتسارع المشهود في أعداد برامج المحادثات المختلفة، فلقد أصبح الابتزاز عبر الإنترنت من أكثر الجرائم التي تتناولها أخبار الحوادث في مصر.
لذلك جاء هذا المقترح بإضافة بعض الوقائع التي تشكل جريمة إبتزاز إليكتروني، بالإضافة إلى تغليظ العقوبة، وجعلها جناية وليست جنحة، نظرًا لأن عملية الإبتزاز لا تقل خطورة عن القتل الخطأ، وبالفعل تؤدي إلى وقائع إنتحار كثيرة.
وفقًا لمواد دستور جمهورية مصر العربية، تنص المادة (51) على أن “الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها”.
كما تنص المادة (57) من الدستور على أن “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس”.
وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإليكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الإتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الإطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة.
وفي الأحوال التي يبينها القانون، وتلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الإتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك.
ويأتي الهدف من استعراض هذه النصوص للوصول إلى حقيقة واحدة مفادها التأكيد على أن هناك إلتزام على الدولة بحماية المواطنين وأن الحياة الخاصة لها حرمة لا تمس، وأن للمراسلات أيًا كان نوعها حرمة، وسريتها مكفولة وذلك وفقًا لأحكام الدستور والقانون.
ولقد لوحظ في الآونة الأخيرة أنه انتشرت ظاهرة جديدة على المجتمع المصري، وهي “الإبتزاز الإليكتروني”، فما هو المفهوم؟
الإبتزاز الإليكتروني هو عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين، كالإفصاح بمعلومات سرية خاصة بجهة العمل أو غيرها من الأعمال غير القانونية، أو من خلال قيام أشخاص بتركيب بعض الصور الفاضحة من أجل إبتزاز أصحابها، للحصول على أكبر منفعة.
والعديد من المواطنين، يتعرضون لمثل هذه الأمور بشكل كبير في هذه الأيام، وفي حقيقة الأمر يتم تصيد الضحايا عن طريق البريد الإليكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كالفيس بوك، وتويتر، وإنستجرام وغيرها من منصات وسائل التواصل الاجتماعي نظرًا لانتشارها الواسع واستخدامها الكبير من قبل جميع فئات المجتمع.
ويحدث أن يجد المستخدمون رابط إليكتروني أو مايسمى Link بالإنجليزية مرسلًا لهم في رسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحين يتم الضغط عليه يكشف عن هوية وبيانات المستخدم ومحادثاته الخاصة ومن هنا يصبح فريسة سهلة للمبتز نتيجة السيطرة عليه من خلال كشف بياناته.
وهناك دراسة قامت بإعدادها لجنة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، حيث كشفت عن زيادة أعداد الجريمة الألكترونية في مصر، وزادت بشكل كبير في القرى بمختلف المحافظات.
وأوضحت الدراسة أن شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين وحدهما شهدا تقديم 1038 بلاغًا بجرائم إليكترونية نجحت وزارة الداخلية في ضبط غالبية المتهمين في هذه الجرائم حتى الآن، وأن آخر 10 أيام في شهر أكتوبر الماضي شهدت وحدها وقوع 365 جريمة إلكترونية.
كما أكدت الدراسة على أن أغلب الجرائم الإليكترونية كانت نصب واحتيال وتركيب صور للفتيات وبيع الأدوية غير المرخصة من وزارة الصحة، وغير صالحة للاستخدام الآدمي ومنتهية الصلاحية عبر الإنترنت إلى جانب تجارة الآثار المزورة عبر صفحات الإنترنت، والتي بلغ عدد صفحتها 61 صفحة حيث يقوم البعض بالنصب على المواطنين بحجة امتلاكه لآثار ثم يقوم ببيعها عبر الإنترنت لبعض المواطنين الذين يكتشفون أنها ليست آثار بعد ذلك وتم النصب عليهم.
ولاشك أن جرائم الإبتزاز الإليكتروني لها آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة على المجتمع حيث تسببت جرائم الإبتزاز الإليكتروني في حالات انتحار لفتيات تعرضن للإبتزاز.
وشهدت محافظة الشرقية، مصرع فتاة تبلغ من العمر15 عامًا داخل منزلها، وذلك بعدما قررت التخلص من حياتها، نتيجة تداول صور خادشة لها من أحد الحسابات على موقع التواصل الاجتماعى “فيس بوك”.
كما تسببت أيضًا واقعة انتحار فتاة تدعى بسنت خالد، بمحافظة الغربية، بعد تعرضها للإبتزاز الإليكتروني ونشر صور “مفبركة” لها، في حالة من الاستياء الكبير بالمجمتع بعد تداول خبر انتحارها، وغيرها من الحالات التي لا يمكن حصرها والتي تعرضت للإبتزاز الإليكتروني.
كل هذه الأسباب التي تم سردها كان بمثابة الدافع إلى التقدم بمقترح لتعديل القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات عن طريق إضافة بعض الوقائع التي تشكل جريمة إبتزاز إليكتروني، بالإضافة إلى تغليظ العقوبة، وجعلها جناية وليست جنحة.
مقترح لنص المادة (25) من القانون رقم 175 لسنة 2018 بعدل التعديل:
يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائتان وخمسون ألف أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من:
قام بالنشر أو المشاركة في النشر أو التصوير أو المشاركة في التصوير بغرض الترويج لأخبار أو صور أو فيديوهات أو فبركة فيديوهات وما في حكمها عن طريق الشبكة المعلوماتية أو التطبيقات الإليكترونية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات أو المواقع الإليكترونية أو الرسائل الإليكترونية.
أو اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإليكترونية لشخص معين دون موافقته.
أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إليكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، المعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة ام غير صحيحة.
وتمثل هذه التعديلات في حالة إقرارها انتصارًا حقيقيًا، حتى لا تضيع حقوق المواطنين الذين يتعرضوا لجرائم الإبتزاز الإليكتروني.
كما أن التعديل جاء من أجل تحقيق مصلحة كبيرة وهي حماية الفتيات اللآتي يتعرضن للابتزاز وتقف مكتوفة الأيدي، ولكن بموجب ونص القانون الجديد يتم تحقيق العدالة ولنترحم على الفتيات الذين قاموا بالانتحار لعدم تحملهم الإبتزاز الإليكتروني من قِبل بعض المجرمين المبتزين، والذين قاموا بهذا الفعل نتيجة الاستهانة بالعقوبة المنصوص عليها في نص المادة قبل التعديل، والإفلات بسبب عدم تغليظ العقوبة.
وما سبق يستوجب على المشرع قيامه بتغليظ العقوبة إلى أقصى حد ممكن حتى تحقق الردع الطلوب والصالح العام وتحقيق السلام الاجتماعي.