طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى» (٢8): «زومبى شو»

بعض الزومبى يسعون دائما للفت الإنتباه والإستحواذ على الإهتمام بأى طريقة ربما لأنهم عاشوا طفولة مهمشة ونشأوا فى ظروف صعبة وعانوا من عدم نظرة المجتمع لهم فترة طويلة مما يدفعهم دفعا قويا لتعويض هذا النقص بأن يثبتوا للعالم انهم موجودون وانهم ذو شأن عظيم .

من هذا الاعتقاد بالذات تتكون لديهم جرأة كبيرة على النقاش والتصدى للحديث وهذا ما يجعلهم متحدثين جيدين فالكلام هو المجال الوحيد الذى يستطيعون من خلاله إثبات أنفسهم فهم نظرا لنشئتهم وإمكاناتهم المحدودة، لا يستطيعون الخوض فى العلوم التطبيقية التى تعتمد على المعطيات والتجربة والنتائج فيتجهون لتعلم العلوم الكلامية والإنسانية.

فأى إنسان يستطيع أن يدعى أنه مفكر أو باحث أو كاتب أو شاعر ولكن لا يستطيع أحد أن يدعى أنه طبيب أو مهندس او عالم أو حتى صانع لأنه ببساطة سيطلب منه أن يدلل على هذا بالفعل لا بالكلام .

ومن هنا نشأت السفسطة أو الجدل، وعلم الكلام والتلاعب بالإلفاظ والتمويه والبحث عن معنى مخالف من أجل إفحام الآخرين.

وهذا النوع لا يتكلم فى وجود علماء بل يفضل الحديث منفردا أو فى جماعة من البسطاء .

وذات يوم قابلت سائق تاكسى رجل كبير فى السن من البسطاء ،كان حزينا واخبرنى أن شخص كان يركب معه قال له إذا كان هناك جنة أو نار فأين هما لماذا لم يظهرهما الله لنا.

سائق التاكسى البسيط لم يستطيع الرد علي هذا الزومبى، لكنه شعر بالحيرة والحزن فقلت له بقدر ما مكنى ربى وماذا تكون فائدة إختبار الإيمان إذا أظهر الله لنا الجنة والنار ثم إن الله أخبرنا أن الجنة والنار فى الآخرة بعد الحساب وليس فى الدنيا أثناء الإختبار.

فأطمئن الرجل وقال ليتنى كنت اعرف هذا الكلام وارد عليه فقلت له أن حيرتك وحزنك من كلامه دليل على ايمانك، فلست بحاجة لتعلم الكلام والمجادلة إذا كان قلبك عامر بالإيمان، فالمؤمن المصدق لا يساور الشك قلبه فقلبه مطمئن بالإيمان، أما المنافق فهو غير مؤمن فى الحقيقة ولهذا يشك ويشكك فى كل شىء مذبذب حيران وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم فى سورة النساء ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( 143 ) .

تخيل هذا الزومبى لعب برأس الرجل البسيط وشككه فى دينه بأفكاره الشيطانية، نعم هناك أفكار شيطانية ترد على العقل الفاسد فهو مرتعها وأرضها الخصبة فعندما تفسد الفطرة وينغمس الإنسان فى شهواته وهواه يفسد تفكيره وعقله ويصبح ضد كل فضيلة أو إحسان .

لهذا تجد هؤلاء الزومبى السفسطائيون ينتقدون أكثر ما ينتقدون الأديان ومنظومة الأخلاق.

والمشكلة ليست فى الزومبى الصغار الذين يتحدثون لعدد محدود من الناس وليس لهم تأثير كبير، المشكلة عندما يكون الزومبى أكبر ويدعى أنه مفكر وإعلامى وروائى وعلامة لم يجود بمثله الزمان ويظهر على الشاشات فى غياب القواعد السليمة للظهور الإعلامى.

فكما نعلم الآن يعين المذيع والإعلامى والنجم بطرق أخرى غير طرق الكفاءة والإختبار ويمارس السفسطة ويروج لأفكاره الشيطانية ويراها قمة فى الفكر والتنوير ويتغاضى عن علم الأولين والأخرين فلا يتبع طريق العلماء ومنهجهم بل يتبع هواه وتخيلاته المريضة، وكذا يتبنى أكار الزومبى العجيب المكبوت فى داخله رغم أنه يظهر نافشا ريشه ويتحدث بكل ثقة فليس أجرأ على الكلام والفتوى إلا الجهال .

ربما وجود مثل هؤلاء الزومبى نوع من الإختبار للناس لحكمه يعلمها الله سبحانه وتعالى ربما ليعلم الناس قيمة العقل ونعمة الإيمان .

بينما أنا جالس فى المكتب غارق فى هذه الأفكار ظهر لى زومبى آخر طريف فى الحقيقة ليس له علاقة بالفكر والتفكير، وهو اشرف عامل البوفية فى الشركة، وقد وقف أمامى بجسده الضخم وعيناه الجاحظتان يسألنى بلا مبالاة إن كنت أريد شيئا، فشكرته وانصرف بفتور.

أشرف شخصية عجيبة أيضا فهو دائما عابس الوجه حانق دون سبب محد، لا يتكلم كثيرا ولا يحب الثرثرة فعندما تطلب منه مشروب أو شيئا ما يجب أن تكون محدد ولا تطيل الكلام حتى لا يتركك ويمشى إلى حال سبيله، حاد النظرات ينظر إلى من يحدثه بتحفز وكأنه يتوعده فكنا نضحك ونطلب منه المشروبات بكل تودد ونستسمحه حتى لا نثير غضبه.

وحتى أستاذ منصف مدير المكتب لم يسلم من انفته وتعاليه فعندما ينادى عليه يذهب إليه بكل تباطؤ ثم يقول له نعم ! لا أكثر ولا أقل وعندما يطلب منه طلب لا يرد ويذهب لإحضاره فقط حتى أن استاذ منصف سأله ذات يوم وقال له ” هو احنا مش عاجبينك ولا حاجة ؟!” فما كان منه إلا أن تمتم بكلام غير مفهوم ومضى لكنه فى النهاية يقوم بعمله على أكمل وجه مما جعله يستمر فى الشركة رغم حالة الكبرياء والتأفف الذى يشعر به تجاه الناس جميعاً.

وفى يوم حصل اشرف على وظيفة حكومية وإستقال من عمله فى الشركة، ثم فوجئنا به بعد أيام ونحن نغادر الشركة بعد العمل يقف أمام باب الشركة فى الشارع وقد ارتدى ملابس جيدة ويبتسم لأول مرة فى حياته وما أن شاهدنا حتى ضحك ونادى كل واحد منا باسمه دون لقب استاذ حتى أنه قال للأستاذ منصف: “ازيك يا منصف أنا اهو بقولك منصف من غير استاذ” فضحكنا جميعا وبادلناه التحية ومضينا.
عالم عجيب
نكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى