لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: الحرب الروسية الأوكرانية في شهرها الرابع
بيان
نشر اللواء الدكتور سمير فرج مقالا تحليليا مهما، اليوم الخميس فى صدر صحيفة “المصرى اليوم” يتناول فيه الحرب الروسية الأوكرانية بعد دخولها الشهر الرابع، بما شهدته من تبعات وتصعيد، ليس فقط على مستوى الدولتين المتحاربتين، ولكن أيضا، على مستوى العالم.
ولمن يريد أن يفهم هذه الحرب عليه أن يقرأ المقال التالى وهذا نصه:
بدأت روسيا هجومها علي أوكرانيا يوم الرابع والعشرون من فبراير الماضي، وجاء هدف العملية الهجومية الروسية في البداية بعد رفض أوكرانيا طلب روسيا بعدم الانضمام لحلف الناتو ونصب أسلحة من هذا الحلف علي الحدود الروسية وبالطبع كان ذلك تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت هذا الفكر في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، عندما قام الاتحاد السوفيتي بنصب صواريخ نووية في كوبا علي حدود الولايات المتحدة ورفض الرئيس الأمريكي آنذاك جون كنيدي وجود هذه الصواريخ علي الحدود الأمريكية، وكاد أن يدمر دولة كوبا لولا قيام الاتحاد السوفيتي بسحب صواريخه من كوبا.. هذه الأزمة استمرت 14 يوماً والآن يتكرر نفس الفكر مع اختلاف أوضاع الدول المتحاربة.
ومع بدء الهجوم الروسي علي أوكرانيا في فبراير الماضي، نجحت روسيا في تدمير البنية العسكرية التحتية الأوكرانية خلال العشرة أيام الأولي من الهجوم، حيث تم تدمير قواتها الجوية وقواعدها العسكرية ومراكز القيادة والرادارات وعناصر الدفاع الجوي بعدها بدأت روسيا فى الهجوم علي أوكرانيا من أربعة اتجاهات.
الأولي من اتجاه شبه جزيرة القرم في اتجاه خيرسون.
والاتجاه الثاني من الجمهوريتان الانفصاليتان لوغانسيك ودونتيسك.
والاتجاه الثالث من خاركيف شمالاً.
والاتجاه الرابع الي العاصمة كييف.
ولأن القتال في المدن هو أصعب أنواع القتال للجيوش النظامية لذلك بعد أن فقدت القوات الأوكرانية قواتها القتالية اتجهت لقتال القوات الروسية في المدن وهذا القتال يحقق للقوات الأوكرانية أكبر تدمير للقوات الروسية المهاجمة ويحقق أيضاً تقدم بطئ للقوات الروسية وبالفعل نجح ذلك الاسلوب خصوصاً في اتجاه هجوم القوات الروسية إلي العاصمة كييف.
وبالطبع تعثر تقدم القوات الروسية المهاجمة هناك، كذلك ظهر للمخطط الروسي أن استيلاء روسيا علي العاصمة كييف يعني سقوط النظام الأوكراني وسقوط الرئيس الأوكراني زيلينسكي وهو رئيس منتخب من الشعب الأوكراني وأن وجود رئيس آخر غير منتخب سوف يضع روسيا في موقف حرج اذا وقعت اتفاقية سلام مع الرئيس غير المنتخب.
من هنا بدأت القوات الروسية تغيير اتجاه هجومها الرئيسي في اتجاه شرق أوكرانيا في اتجاه خيرسون وماريوبول ودونتيسك ولوغانسيك.
وبالفعل نجحت القوات الروسية في الاستيلاء علي ماريوبول متتبعة سياسة الأرض المحروقة وهو تدمير المدن الأوكرانية بالكامل باستخدام القوة النيرانية الهائلة للجيش الروسي وخاصة الصواريخ الباليستية التي قدمها الروس لأول مرة في هذه المعركة مثل صواريخ “كينجال” و “اسكندر ” و “كاليبر”.
أما أمريكا وحلف الناتو قد قدموا صواريخ “ستينجر” المضادة للدبابات والطائرات وكلها ذات مدي قصير في حدود 3-6 كم، وكلها أسلحة دفاعية كان هدف أمريكا إطالة مدة الحرب لاستنزاف روسيا.
وعندما طلبت أوكرانيا من الولايات المتحدة صواريخ باليستية بعيدة المدي أعلن الرئيس الامريكي جو بايدن رفضه هذا الطلب واعتقد أن أمريكا بهذا القرار كانت ذكية للغاية لأنه معني وصول صواريخ بعيدة المدي لأوكرانيا وتهدد بها العمق الروسي سوف يدفع أعمال القتال في الفترة القادمة الي شكل آخر حيث سيكون الرد الروسي عنيفاً في حالة تهديد عمق بلاده.
وعلي الطرف الأخر جاءت هناك مفاجأة لم يتوقعها الجميع وهو إعلان كل من فنلندا والسويد طلبهما للانضمام إلي حلف الناتو وهذا يعني أن روسيا سوف يصبح لها حدود جديدة مع الناتو 1300 كم علاوة علي الحدود القديمة 700 كم وهذه بالطبع كانت صدمة للقيادة الروسية.
واعتقد أن أحد نتائج هذه الحرب الروسية الأوكرانية هى أن حلف الناتو أصبح 32 دولة، وطبقاً لتقديراتي الشخصية فاعتقد أن فنلندا ستكون من الذكاء أن تطلب الدخول في حلف الناتو لضمان حمايتها ضد أي غزو روسي محتمل لأراضيها لكن في الوقت نفسه اعتقد أنها ستطلب عدم وجود قواعد عسكرية أو أسلحة لحلف الناتو علي أراضيها.
واعتقد أن ذلك قد يرضي القيادة الروسية الي حد ما أو علي الأقل لا يثيرها في التوقيت وحالياً تركز القوات الروسية سرعة احتلالها لأقليم دونباس شرق أوكرانيا لاستكمال السيطرة علي باقي أراضي الجمهوريتان الانفصاليتان.
وبعد نجاحها في الاستيلاء علي ماريوبول أصبح بحر آزوف تحت سيطرة القوات الروسية، لذلك من المنتظر أن تتقدم لاحتلال مدينة أوديسا والتي باحتلالها تكون سيطرت علي البحر الأسود وتحرم أوكرانيا من أي موانئ لها وتصبح دولة لا شاطئية وبعدها يمكن أن تتحول في هجومها في اتجاه العاصمة كييف مرة أخري لاسقاط النظام في حالة رفضه الدخول في مفاوضات سياسية حيث تهدف روسيا علي منصة المفاوضات الي تحقيق خمس أهداف هى كالتالى:
أولاً إعلان أوكرانيا أنها دولة حيادية.
ثانياً تعلن عدم انضمامها الي حلف الناتو أو أي حلف عسكري أخر.
ثالثاُ الاعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم الي روسيا.
ورابعاً الاعتراف باستقلال الجمهوريتان لوغانسيك ودونتيسك وخامساً عدم تحولها الي دولة نووية.
وعلي المستوي الاقتصادي ورغم محاولات الغرب منع دول الاتحاد الأوروبي من استيراد الغاز الطبيعي من روسيا، فلقد فشل الاتحاد في تحقيق ذلك خاصة دولة المجر واستمرت دول أوروبا في استيراد الغاز الروسي حتي الآن.
ورغم الإعلان مؤخراً أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تنهي تعاملها باستيراد الغاز من روسيا مع بداية العام القادم إلا أنني أشك في ذلك لاعتبارات عديدة، منها أن استيراد غاز طبيعي من دول غير روسيا يعني استيراد غاز مسال LNG وهذا يتطلب محطات إسالة للدول الأوروبية وهو أمر يحتاج الي أموال كثيرة، ومدة أكثر من عام لإنشاء هذه المحطات.
ورغم القيود الاقتصادية التي وضعتها أمريكا وبريطانيا علي روسيا لكن جاءت النتائج لتقول أن الروبل الروسي حقق زيادة أكثر مما كان قبل عملية الهجوم في فبراير الماضي خاصة عندما نفذ بوتن ضربته الاقتصادية للرد علي العقوبات الأمريكية بأن يكون تحصيل ثمن شراء الغاز الروسي بالروبل وليس بالدولار.
ومازالت البنوك الروسية تستقبل ثمن الغاز الطبيعي من دول أوروبا رغم إعلان أمريكا ايقاف التحويلات البنكية بأسلوب السويفت ولكن هذا القرار لم يتم تنفيذه حتي الآن مما جعل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية ضد روسيا غير مؤثرة علي الاقتصاد الروسي.
وزاد من الأمر قيام الهند وهي حليفة طبيعية لأمريكا بعقد صفقات لاستيراد الغاز الروسي.
وهنا يجب الإجابة علي سؤال يتبادر في أذهان الجميع: هل انتصرت روسيا في حربها حتي الآن ضد أوكرانيا؟!
وتكون الإجابة واضحة نعم لأنها حققت الهدف من الحرب وهو منع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو وإعلانها دولة محايدة وهذا ما اعلنه الرئيس الأوكراني زيلينسكي بعد شهرين من القتال، كذلك نجاحها في التصدي للعقوبات الاقتصادية حتي الآن..
عموماً يجب أن ننتظر ما ستفسر عنه الأيام القادمة من نتائج هامة لهذه الحرب التي أثرت علي العالم كله وليس علي روسيا وأوكرانيا فقط.