د. ناجح إبراهيم يكتب: جريمة آداب المنصورة.. وماذا بعد ؟
كتب الدكتور ناجح إبراهيم، مقالا منشورا فى جريدة “المصرى اليوم” حمل عنوان: “جريمة آداب المنصورة.. وماذا بعد ؟”، وفى التالى نص المقال:
جريمة جامعة المنصورة الشهيرة، التي ذَبحَ فيها طالب الآداب زميلته علنًا وفى الشارع في وضح النهار مع كثرة حالات القتل والبلطجة والانتحار تعنى الكثير الذي يمكننا بسطه في هذه النقاط:
■ الشخصية المصرية حدثت لها تحولات خطيرة، وأصبح العنف كامنًا فيها بطريقة ملحوظة، وهناك حالة توتر نفسى واجتماعى واقتصادى، مع حالة كآبة وإحباط واضحة لدى الكثيرين.
■ المخدرات وتجارها عادوا لسطوتهم ونشاطهم في الشارع المصرى، وأقابل الكثيرين الذين يقولون إن حالات الإدمان في زيادة، ومشاكل المخدرات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في تصاعد مطرد.
■ وقد كانت المخدرات في مصر قديمًا محصورة في الحشيش والأفيون، ومنذ فترة بدأت المخدرات التخليقية المدمرة للمخ والتى تدعو مدمنيها لارتكاب جرائم بشعة، وهناك تصريحات قوية تقول إن طالب آداب المنصورة القاتل مدمن ستروكس وكان تحت تأثير المخدر وقت الجريمة.
■ والغريب أن الدولة المصرية استطاعت السيطرة وبسهولة وفى وقت قياسى على جماعات مسلحة خطيرة.. فهل تعجز عن القضاء مرة واحدة على المخدرات وتجارها؟!.. هذا لغز كبير محير.
■ انتشار البطالة غير المسبوقة في المجتمع المصرى مع غلاء الأسعار أديا وسيؤديان إلى كوارث اجتماعية منظورة للعامة، وأخرى يراها الآن العلماء والخبراء والمختصون لا تخطئها العين الفاحصة، وبخاصة بعد البطالة شبه الكاملة في قطاعات معينة، مثل المقاولات. وزادت الطين بلة أزمة كورونا الاقتصادية والتى تلتها حرب روسيا وأوكرانيا، وما تبع هذه الحرب من تداعيات اقتصادية أدت إلى نتائج اجتماعية سلبية على الأسرة المصرية.
■ وصول الشعب المصرى إلى المعدلات العالمية لنسب الاكتئاب بدرجاته والاضطرابات العصبية والنفسية، والتى قد تصل في بعض الأحيان إلى 25%- حسب بيانات الصحة المصرية- مع الضعف الشديد في المنظومة الإدارية للعلاج النفسى الحكومى في مصر، أما الخاص فباهظ الثمن ويلحق به علاج الإدمان.
■ الأمراض النفسية زحفت من المدن الكبرى إلى القرى، لأن القرى المصرية الآن فقدت هويتها واستقرارها الاجتماعى واكتفاءها الذاتى وسلامها الاجتماعى بدرجة كبيرة، ولم نعد نجد ذلك المصرى الهادئ الوديع المطمئن لغده ومستقبله، كما انتشرت فيها البطالة والمخدرات مع الإحباط، نتيجة الضعف الاقتصادى الخطير في الأسر القروية.
■ الأسر المصرية خرجت من المنظومة التربوية المصرية لانشغال الأب وأحيانا الأم في عمل مرهق أو عملين، يعود بعدها إلى البيت منهكًا مرهقًا محبطًا، وقد لا يجد فرصته للجلوس مع أولاده، ومعظم الآباء لا يعرفون عن أبنائهم شيئًا، ومعظم الأولاد يقضون مع أصدقائهم وموبايلاتهم أضعاف ما يقضون مع آبائهم.
■ المدارس الحكومية والخاصة خرجت تمامًا من منظومة التربية والتوجيه والأخلاق، بل معظم المدارس الحكومية لا يحضر بها أحدٌ، بداية من أولى إعدادى حتى ثالثة ثانوى، وإذا حضر ففائدته العلمية والتربوية بسيطة جدًا. أما معظم المدارس الفنية فهى مفرخة لسائقى التوك توك ومشاريع للفوضى.
■ الجامعات كذلك خرجت من منظومة التوجيه الأخلاقى والقيمى والتربوى، ولم تزرع في الطالب أي معنى إيجابى من هذه المعانى، حتى الشهادة الجامعية فقدت جزءًا كبيرًا من معظم قيمتها الحقيقية مع تدهور قيمة العلم وزوال القيمة العملية لمعظم الشهادات الجامعية.
■ المساجد شبه خالية من الشباب، وليس هناك أي نشاط تربوى أو تغييرى إيجابى للإنسان، وبخاصة الشباب في المساجد، ولنا في درس الإمام في العصر مقياسٌ لذلك، حيث لا يحضره إلا الفرّاش والمؤذن.
■ الأوقاف تسلمت المساجد وأصبحت خالصة لها لا ينازعها فيها أحد، فأضاعت الفرصة التاريخية التي أتيحت لها، حيث انفردت تمامًا بشؤون الدعوة والتوجيه الدينى، ولم تقدم من خلالها شيئًا للمجتمع وأصبحت خاوية على عروشها.
■ قولوا لنا مكانًا يمكن أن يُعلّم الطفل أو الشاب التدين الوسطى الذي يبشّر ولا ينفّر، يعفو ولا ينتقم، يجمع ولا يفرّق، يحبب ولا يُكره، يتواضع ولا يتكبر، يُعظّم حرمة الدماء والأموال، يعرف قيمة الكلمة، يوقر الكبير ويعطف على الصغير، يأخذ ولا يعطى.. إلخ.
محاضن التربية والتدين الحقيقى غائبة تمامًا، وهذا نذير شؤم، فالتدين الحقيقى هو صمام الأمان للمجتمع.