د. ناجح إبراهيم يكتب: «شكة الدبوس.. والجهل المركب»

كتب د/ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان “شكة الدبوس .. والجهل المركب “وتم نشره في جريدة الوطن وهذا هو نص المقال:
• هاتفتني مريضة قائلة: ” إنني لن أستطيع حضور الاستشارة لأن فتيات كثيرات يتم تخديرهن في المواصلات والشارع ” قلت لها: بعيداً عن موضوع الاستشارة هذا وهم كبير وكذب لا أساس له من الصحة علمياً وواقعياً فكيف تصدقينه .
• فتحت صفحتي علي الواتس أب فوجدت البعض أرسل لي هذا التسجيل الصوتي قلت: هذه قصة ملفقة طبيا ً وواقعياً, عجبت لتصديق البعض لمثل هذه الخرافات رغم مرورنا بسلسلة لا تنتهي من تجارب الخرافات, ولكن للأسف طوائف عديدة من شعبنا قابلة لتصديق الخرافات والأكاذيب بل إنها تعشق الخرافة والجدل ولا تحب الصادقين والناصحين.
• استرجعت شريط ذكرياتي مع الحياة المصرية وكيف صدق الناس أن بعض العصابات كانت تخطف الأطفال من الشوارع لنقل الأعضاء منهم إلي غيرهم.
• هذه القصة الخرافية صدقها ملايين المصريين دون أن يسأل أحدهم عالماً متخصصاً في زرع الكلي أو الكبد مثلاً, ويفهم منه أن زرع الأعضاء عملية معقدة جداً, ولا تتم في عشية وضحاها وتحتاج لتحاليل دقيقة بين المتبرع والمريض.
• اخطف الطفل ثم آخذ كليته أو كبده أو غيرهما وازرعها في آخر وتدفن الطفل في الصحراء وينتهي الأمر, إنه أشبه بفيلم هندي ردئ لا يصدق,زارعو الكلي والكبد ومراكز زراعتها معروفة ومعدودة , فهل يغامر عالم كبير بحياته ومستقبله من أجل خدمة عصابة, وهم كبير وخلل علمي فادح في هذه القصة ورغم ذلك صدقها ملايين المصريين.
• قبلها بفترة ساد بين طالبات المدارس الثانوية أن هناك غازاً مخدراً في المدارس وتسبب هذا الإيحاء القوي في حالات إغماء هستيري لبعض الفتيات ممن يعانين من خلل نفسي , وشاع ذلك فترة في المدارس ثم توقف وحده, وهي حالة هستيرية نفسية معروفة لن يتسع المقام لشرحها.
• أعقبها في بعض محافظات الصعيد شيوع أمر عجيب بين طالبات المدارس الثانوية والجامعات المسلمات أن الطالبات المسيحيات يرشون مادة علي الحجاب ترسم صليباً, ورغم غرابة الشائعة وعدم منطقيتها إلا أن مئات الطالبات المسلمات كن يتخيلن أن صلباناً رسمت علي الحجاب الأبيض, إلي أن أخذت الشائعة وقتها ثم انتهت وحدها بعد أن أدت غرضها في الفتنة الطائفية.
• لقد خلصت من حياتي الطويلة والصعبة أيضاً أن شريحة من الشعب المصري قابلة للإيحاء النفسي وقبول الخرافة وخاصة لدي الفتيات المراهقات, ولعل المراقب لكل نوبات الإشاعات والخرافات يجد أن المرأة عامة أكثر تصديقاً لها كما تعد محوراً لها.
• ولعل الطب النفسي يؤكد ذلك في أبحاثه حيث أن الشخصية الهستيرية تكثر في المرأة أكثر من الرجل,فكل القصص التي ذكرتها وعانت منها مصر شهوراً وأياماً في سنوات ماضية كان محورها الفتيات المراهقات.
• الفتيات أكثر شريحة كانت مقتنعة أن الجن العاشق هو الذي يؤذيها ويسبب لها كل ما تشكو منه من أعراض نفسجسمانية, مع أن أصغر طبيب نفسي يعرف أن هذه الأعراض هي أعراض أمراض نفسية محددة, وعلاجها محدد وفعال وسريع.
• وأكثر شريحة تقبل علي الخرافة وتذهب للدجالين وعندها تطرف حدي ذات اليمين أو اليسار يكون في سنوات مراهقة المرأة.
• وقد ساعدت شبكات التواصل الاجتماعي في شيوع هذا الأمر, وهي التي ساعدت في انتشار التسجيل الصوتي عن “شكة الدبوس” لفتاة ثم تخديرها بهذه الشكة لخطفها, وقد أحسنت رئاسة الوزراء والداخلية بإصدارهما بيانين منفصلين ينفيان هذه القصص الوهمية, وما يحزنني تصديق هذه القصص التي تخالف العلم والطب والمنطق السديد.
• إن أمتنا المصرية ما زال بعضها يرزخ تحت نير الخرافة والجهل واللامنطق وهذا لا يصيب الأميين فحسب بل أري خريجي جامعات يرددون هذه الخرافات.
• لقد كون بعض الدجالين ثروات طائلة من وراء معالجة أناس يعانون فقط من أمراض نفسية لها مظاهر غريبة مثل الهلاوس السمعية والبصرية أو الوسواس القهري حيث يصورون لهم أن الجن والعفاريت هي التي تصنع بهم ذلك,وبعض هؤلاء المعالجين ضبط مع سيدات مريضات في أوضاع مخجلة, وبعضهم طرد من القرى والبيوت والمساجد حينما كانت تتخذ لذلك في أوقات سابقة.
• وكانت الفتيات هي القاسم المشترك في كل هذه القصص المزرية فهي الأكثر عرضة للأعراض الهستيرية والاكتئاب والأمراض النفسية عامة.
• علينا أن نعود للعلم مرة أخرى ونحارب الخرافات والإشاعات بكل قوة,ليس حماية لأوطاننا فحسب ولكن أيضاً حماية لأنفسنا وأسرنا.

اقرأ المزيد للكاتب:

 

زر الذهاب إلى الأعلى